عميد كلية الدراسات العربية ببكين، ليوشين لو لـ "المساء":

المستقبل سيحدد المسؤوليات حول انتشار كوفيد 19

المستقبل سيحدد المسؤوليات حول انتشار كوفيد 19
عميد كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، ليو شين لو
  • القراءات: 2219
حوار: شريفة عابد حوار: شريفة عابد

أكد عميد كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، ليو شين لو، أن المستقبل سيكشف من هي الدولة التي كانت مصدر فيروس كورونا، منتقدا ما ينسب لبلاده من اتهامات في هذا الشأن. وأشار الدكتور في العلاقات الدولية في حوار مع "المساء" إلى أن الصين لا تسعى لزعامة العالم ولا إلى ربط علاقات أساسها التبعية والهيمنة، "وإنما تريد فقط إقامة علاقات تعاون مشتركة مع الدول النامية التي لا يزال معظمها في مرحلة التصنيع الأولى أو الثانية، عبر مبادرة بكين المسماة "الحزام والطريق"، مقدرا في هذا الشأن بأن تصحيح الاختلالات التي طبعت العلاقات لداخل بعض المنظمات العالمية بعد فشلها في التعامل مع وباء كورونا، بات ضروريا..

❊ المساء: يحمل البعض الصين مسؤولية انتشار وباء كورونا، فيما لا يتوانى البعض في اتهامها بنشره. كيف تردون على هذا الأمر؟

❊❊ الدكتور ليوشين لو: نعم لقد تابعنا الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام الغربية حول الوباء، من حيث أنها تنسب مصدره إلى الصين. لكن تلك الأخبار السلبية غير صادقة بتاتا، ولا أحد الآن يمكن أن يجزم بأن مصدر الوباء هو الصين أو دولة أخرى، والمستقبل هو من سيثبت ويوضح ذلك.. فالولايات المتحدة الأمريكية تريد تحميل الصين مسؤولية انتشار الوباء، ومن غير العدل نسب مصدر الوباء للصين واتهامها بهذا الشكل..

❊ وباء كورونا أظهر عجز دول عظمى في مكافحة الفيروس وحماية اقتصاداتها، فهل نحن على مشارف نظام عالمي جديد تتقلص فيه كفة الغرب ولمن ستكون الغلبة برأيكم؟

❊❊ بسبب هذا الوباء، طرح نقاش واسع عن مستقبل العلاقات الدولية بعد نهاية فيروس كوفيد 19، وما طبيعة النظام الدولي الجديد القادم، ودعيني أقول لك أن الصين لا تسعى مثلا لتولي مكانة الأبرز في العالم أو أن تكون هي الزعيمة، فهذا التوجه يكرس مفهوم السيطرة ولا يعكس الفلسفة الصينية التي تختلف تماما عن الفلسفة الغربية، نحن لا نريد أن نحتل المكانة الأكبر بالمفهوم الغربي.

❊ إذن ماهي أولويات الصين في المرحلة القادمة ؟

❊❊ نحن نريد أن نبني علاقات دولية قوامها المصالح المشتركة، للظفر بمستقبل أفضل للجميع، وليس هدفنا أو تركيزنا حول أن نحتل المكانة الأولى لأن هذا ليس توجهنا نحو المستقبل.

الاختلاف مع الصين في هذه الحالة، هو أن الدول الغربية، تفكر دائما في من يحتل المرتبة الأولى، بينما نحن نفكر بشكل مختلف عنهم. الصين تسعى لتحقيق التناغم وأن تكون المسألة مشتركة بعيدا عن الهيمنة والزعامة. وهذا التوجه له امتداداته التاريخية والفلسفية، فمثلا كانت هناك في الصين، في القرن الـ15 ميلادي، خلال فترة حكم الأسرة الملكية للإمبراطور "صو"، 3 رحلات بحرية مشهورة. الأولى لكريستوفرور كلومبوس  وأخرى لأبو جانة والثالثة لتشانغ، وعلى الرغم من أن الإمبراطور "صو" كان لديه أسطول بحري قوي إلا أنه لم يفكر في غزو أي بلد ولم يدجج أسطوله بالأسلحة، بل كانت الرحلات التي يقوم بها من أجل التجارة والصداقة والتبادل الثقافي، ولم يحدث أن هيمن على أية منطقة، عكس الغرب الذي كانت رحلاته مركزة على الغزو والسطو والهجوم. ومن هنا يبرز الاختلاف اليوم.

❊ في الفترة الأخيرة لاحظنا أن النقاشات العلمية الخاصة بفيروس "كوفيد 19" خرجت عن إطارها العلمي إلى من يجد اللقاح ويسيطر على العالم وعلى السوق، ما رأيكم ؟

❊❊ كما سبق وأن قلت لك، جهودنا وتوجهاتنا ليست مرتبطة بالزعامة وإنما نحو إقامة علاقات مشتركة أساسها التعاون وليس الهيمنة.

❊ فيروس كورونا وضع منظمات عالمية كالمنظمة العالمية للصحة وهيئة الأمم المتحدة في امتحان صعب، إلا أنه لم يظهر تعاون دولي في مستوى مهامها، مارأيكم؟

❊❊ بالفعل وباء كورنا، كشف اختلالات ومشاكل كثيرة، كل ما يجب القيام به هو تصحيحها وتقويم الوضع. لكن بدون هذه المنظمات سوف يتدهور الوضع أكثر، فقد لعبت هذه المنظمات دورا كبيرا في الماضي، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية وستلعب دورا في المستقبل لامحالة. وكل ما يتعين فعله هو إصلاحها بشكل يجعلها تستجيب لتطورات الحاصلة.

❊ العالم تابع باهتمام الدول التي استطاعت أن تتغلب على الوباء ومنها دول الشرق التي حققت نجاحا في هذا المجال. ويربط البعض سبب النجاح بفرض إجراءات مشددة، عكس الدول الغربية التي تمتاز بالحرية الفردية، هل سيؤثر هذا على منظومة القيم السياسية في المستقبل؟

❊❊ بالنسبة لمسألة مكافحة الوباء، نلاحظ أن هناك اختلافا كبيرا بين الفلسفة الغربية والفلسفة الصينية مثلا، نحن أولوياتنا كانت الحفاظ على حق الإنسان في البقاء والحياة، وعلى هذا الأساس رتبنا أولوياتنا في فرض التقيد الصارم بوضع الكمامات وغلق المدن والحجر في الوقت المناسب وطبقنا ذلك بكل صرامة وجدية. أما بالنسبة للغرب فالحرية بمفهومها الواسع كحرية التعبير هي الأولوية.

❊ وباء كورونا مس أهم اقتصادات العالم الغربي وفي مقدمتها الاقتصاد الأمريكي، الذي تتواصل مؤشراته في الانهيار، هل نحن أمام نظام اقتصادي جديد؟

❊❊ في العقود الماضية استفادت معظم الدول من العولمة الاقتصادية، لكن رافق ذلك بعض المشاكل، لأن هناك نظما غير عادلة. ما يستوجب تحسين هذا النظام، ولذلك فنحن جهودنا اليوم ترمي إلى تحقيق هذا الهدف. فمشكلة العولمة الاقتصادية تكمن في عدم التساوي بين الدول المتقدمة والدول النامية.

فالدول الغربية تريد أن تكون الدول النامية مصدرا للموارد الطبيعية وأسواقا لسلعها ومنتجاتها وهذه مشكلة تسبب اختلالا في طبيعة العلاقات.

الصين تريد تعزيز التعاون المشترك من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، حتى يستفيد الجميع من التنمية بشكل يضمن المصالح المشتركة. وعلى سبيل المثال فالدول المتقدمة هي الآن في المرحلة الرابعة من التصنيع أما الدول النامية فهي في المرحلة الأولى أو الثانية من التصنيع. وبالتالي هناك هوة كبيرة.

الصين تمتاز الآن بالقوة في الإنتاج وهي تريد تطوير التعاون بين الدول النامية، خاصة في مجالات التصنيع، حيث يجري إرساء علاقات تعاون في هذا المجال مع الدول العربية والجزائر بشكل خاص، لأننا نعتبر المنطقة العربية منطقة تضم إخواننا وأصدقاءنا.

❊كيف تقيمون العلاقات الجزائرية - الصينية وما هي نظرتكم لتطويرها؟

❊❊ التعاون مع الجزائر مهم جدا. والعلاقات الثنائية في تطور متواصل في جميع المجالات وفي مقدمتها المجالات الاقتصادية، حيث انتقل هذا التعاون من المجالات التقليدية إلى ميادين حديثة، تخص تكنولوجيات الاتصال والطاقات المتجددة. ونسعى لتوسيع هذا التعاون أكثر في علوم الفضاء والكثير من التكنولوجيات الأخرى.

وتراعي الصين في علاقاتها مع الجزائر وشركائها بصفة عامة من الدول النامية، أن لا ينحصر التعاون على المجال التقليدي، بمعنى النفط مقابل التجهيزات. وإنما انتقلنا بالتعاون إلى الصناعة التكنولوجية، كون هذه الدول بحاجة للتكنولوجيا.