الاستقلال الغذائي،، الرهان الأكبر ما بعد كورونا

الاستقلال الغذائي،، الرهان الأكبر ما بعد كورونا
عيسى منصور.. خبير فلاحي ومستشار التصدير
  • القراءات: 1744
بقلم: عيسى منصور* بقلم: عيسى منصور*

مع ظهور أزمة كورونا التي تضرب كل دول العالم، تطرح بحدة تساؤلات حول السياسات الزراعة الواجب اتباعها في المستقبل لأجل مجابهة أي طارئ من شأنه أن يُحدِث اختلالا في تموين الأسواق بالمنتوجات الغذائية، في كل الحالات ومهما كانت الأزمات فالإنسان لا يستطيع أن يستغني عن الغذاء وعليه وجب التفكير مليا في توفيره لضمان استمرار البشرية !!

في حال عدم القضاء على  وباء كورونا واستمراره لوقت أطول "لا قدر الله" سيكون هناك اضطراب حاد في المبادلات التجارية الدولية خصوصا في المنتوجات الغذائية. إن الدول المنتجة لهذه المواد والتي عادة ما تمون السوق الدولية ستكون مضطرة للحد أو حتى الكف عن تصديرها وذلك لأجل سد حاجياتها الداخلية لانه في ظل دوام الأزمة الصحية سيتزايد الطلب عليها من طرف مواطنيها وهذا ما يخلق ندرة حادة في الأسواق الدولية، وان وجدت ستكون بأسعار مضاعفة !

للتذكير، فإن التدابير الأولى التي اتخذتها السلطات العمومية في بلادنا مع بداية ظهور وباء كورونا هو منع تصدير أي نوع من المنتوجات الغذائية إلى غاية اختفاء الأزمة وذلك تحسبا لأي طارئ، كما عمدت روسيا مؤخرا إلى توقيف تصدير الحبوب إلى غاية جويلية 2020 وذلك لإعطاء الأولوية لتموين أسواقها الداخلية.

إن الدول التي تعتمد كليا على الاستيراد في غذائها ستعرف مشاكل كبيرة لأجل تموين أسواقها

وهناك العديد من الدول التي لا تنتج حتى 10% من احتياجاتها الغذائية ولكن الأكثر تضررا ستكون الدول الأشد فقرا والتي تعتمد أساسا في غذائها على المساعدات الإنسانية.

شيء آخر يجب الانتباه إليه هو أن الدول التي تعتمد في اقتصادها على البترول ولا تنتج غذاء ساكنتها، تكون في خطر دائم للوقوع في أزمة غذاء في أزمات أخرى صحية كانت أم اقتصادية من شأنها أن تنعكس سلبا على أسعار البترول، في هذه الحالة حتى وإن كانت المنتوجات الغذائية متوفرة بكثرة في الأسواق الدولية فإن هذه الدول ستجد صعوبات كبيرة لاقتنائها، بسبب تراجع مداخيل تصدير النفط وقد تضطر للاستدانة لأجل  تموين أسواقها وسد حاجيات شعوبها من المواد الغذائية بلادنا ليس في منأى من هذه التداعيات السلبية خاصة وأنها تعتمد بشكل كبير على الواردات لأجل تلبية حاجيات سكانها من المواد الاستراتيجية. كما تعتمد أيضا في اقتصادها على النفط. وبما أن الفلاحة هي التي تضمن توفير الغذاء فمن الضروري إذا أن نضعها ضمن أولوية الأولويات و نعطيها كل الإمكانيات و الدعم لأجل تطويرها حتى تتمكن  من توفير الغذاء الكافي.

يجب الاعتراف أن السلطات العمومية لم تبخل بالأموال في العشرين سنة الأخيرة ولكن النتائج لم تكن مرضية لان الظروف السائدة في تلك الفترة ونمط التسيير لا يمكن أن يعطي نتائج أحسن، لذا يجب طي صفحة الماضي والاهتمام بالمستقبل وإعطاء الفلاحة نفس جديد ودعمها بكل الإمكانيات الضرورية، والاهتمام أكثر بإطارات وموظفي القطاع وتحسين ظروف العمل وانتهاج سياسة التكوين وعصرنة طرق التسيير والقضاء على العراقيل البيروقراطية، وكذا إدماج المؤسسات التقنية وكل الفاعلين في بلورة استراتيجية بعيدة المدى للنهوض الفعلي بالقطاع.

وعليه فمن الضروري أن تأخذ السياسات الفلاحية المستقبلية هكذا أزمات بمحمل الجد وأن تكون في مستوى التحدي للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتحقيق مخزون استراتيجي لمجابهة أي طارئ

وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بمراجعة جميع مراحل الإنتاج الفلاحي وما بعدها (en aval)، من بينها تطوير الصناعات الغذائية، رفع قدرات غرف التبريد بالنسبة لحفظ الخضروات و اللحوم و مضاعفة هياكل تخزين الحبوب.

إن تطوير الفلاحة لا يمكن تحقيقه في سنة أو سنتين ولكن وجب علينا ان نبدأ من الآن وأن لا نتخاذل ولا نتراجع بعد انتعاش أسعار البترول ونعود ثانية إلى سياسة الريع والاعتماد على الحاويات لأجل توفير الغذاء.

ثم إن إنشاء لجنة علمية للاستشارة والاستشراف على مستوى ديوان وزير الفلاحة والتنمية الريفية وكذا استحداث وحدات بحث على مستوى المعاهد التقنية التابعة للوزارة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وأيضا إنشاء وكالة لترقية الاستثمار الفلاحي كلها تدابير من شأنها أن تحدث الفارق و تقدم إضافة إيجابية لمسار تطوير القطاع الفلاحي.

*خبير فلاحي ومستشار التصدير