مهرجان ”حضرة الأندلس”

على شرف الشيخ العربي بن صاري

على شرف الشيخ العربي بن صاري
إحياء الذكرى الـ54 لوفاة عميد الأغنية الأندلسية الشيخ العربي بن صاري
  • القراءات: 6367
❊ ل.عبد الحليم ❊ ل.عبد الحليم

تتواصل بقصر الثقافة عبد الكريم دالي بإمامة منصورة، فعاليات التظاهرة الثقافية والفنية لمهرجان الأغنية الأندلسية في طبعته الثالثة، الموسوم بعنوان حضرة الأندلس، الخاصة بإحياء الذكرى الـ54 لوفاة عميد الأغنية الأندلسية الشيخ العربي بن صاري، إلى غاية 28 ديسمبر الجاري، بمشاركة أعرق مدارس الموسيقى الأندلسية من مختلف ربوع الوطن.

تعرف التظاهرة سهرات موسيقية ومناقشا عامة، من خلال عقد موائد مستديرة ينشطها أساتذة وباحثون في الطرب الأصيل، تتمحور أساسا حول المسار الفني للشيخ العربي بن صاري، ودوره الهام في المحافظة على التراث الفني والموسيقي وحمايته من التزييف والاندثار، وكذلك الأسفار والتنقلات التي قام بها عبر بعض البلدان الشقيقة والصديقة، مع التطرق إلى دور ابنه الأكبر رضوان في مواصلة مسار الشيخ.

تشهد هذه التظاهرة التي افتتحت سهرتها جمعيتا القرطبية من قسنطينة و«السلام من تلمسان، مشاركة 17 جمعية موسيقية أندلسية من قسنطينة والجزائر العاصمة ومستغانم ووهران وسيدي بلعباس وبجاية، إضافة إلى تلمسان، بمختلف فرقها الموسيقية العتيدة مثل الغرناطية و«القرطبية و«أحباب العربي بن صاري و«الموحدية لمدينة ندرومة، بمعدل جمعيتين في كل سهرة.

إلى جانب السهرات الفنية والمحاضرات، فإن هذا الموعد سيعرف أيضا تنظيم معرض للصور والوثائق الأرشيفية التي تبرز المسار الفني للشيخ العربي بن صاري وأبنائه، والحفلات التي أحياها داخل الوطن وخارجه، بالإضافة إلى بعض الآلات الموسيقية التقليدية التي كان يستعملها جوقه، مثل الرباب والعود والكمان.

يعتبر العربي بن صاري رمزا من رموز تاريخ تلمسان الفني والموسيقى، وعميد أغنيتها الأندلسية، ومن أبرز رواد مدرسة ‘’الغرناطية’’، كما يعد موحّد التراث الموسيقي للمدرسة التلمسانية الذي يحتوي على بصماته إلى يومنا هذا، حيث شغل ما يقارب الثمانين سنة ساحة الموسيقى الأندلسية بها، وذاع صيته في مختلف أنحاء الجزائر والمغرب العربي.

للإشارة، ولد الشيخ العربي بن صاري سنة 1863 بمدينة تلمسان، من أسرة ذات أصول ريفية. تعلم القرآن في حداثة سنه، وشغف بالموسيقى الأندلسية، وهو يشتغل في دكان للحلاقة منذ أن كان سنه 15 عاما باستماعه للنوبة الأندلسية من كبار الفنانين الذين كانوا يتوافدون على دكان الحلاقة الذي كان يعمل فيه، من بينهم الشيخ محمد بن شعبان المدعو بوظلفة.

وحين لمس الشيخ بوظلفة شغف هذا الفتى بالموسيقى الأندلسية، شرع يعلمه قواعد الموسيقى، خاصة العزف على آلتي الرباب والقانون، وبعد وفاة معلمه خلفه في رئاسة الفرقة الموسيقية وواصل احتكاكه بكبار شيوخ الموسيقى الأندلسية في زمانه كالبخشي، بغدادي، تريكي، مقنين، بن دالي يحي، وغيرهم، وقد تعلم وأجاد العزف على آلات موسيقية عديدة، مثل القنيبري، الكمنجه، والمندولين. كان الشاب العربي بن صاري ذا صوت رخيم، تمكن مع فرقته من تحقيق نجاح باهر، فتلقى عدة دعوات لإحياء حفلات عائلية ودينية، وشارك في المعرض الدولي بباريس سنة 1900، حيث تحصّل على الجائزة الكبرى للعزف على الرباب، ثم شارك سنة 1926 بمناسبة تدشين مسجد باريس، كما أحيا عدة حفلات في أوروبا والمغرب وتونس وسوريا وتركيا وأماكن كثيرة من العالم، وتحصل على ميداليات وجوائز عدة.

سجل أول قرص له ذي 78 دورة سنة 1929 لدى شركة غراموفون للأسطوانات، وهي الشركة ذات الشهرة العالمية آنذاك، كما مثّل الشيخ العربي بن صاري الجزائر في المؤتمر الدولي الأول للموسيقى العربية الذي أقيم بالقاهرة في مارس 1932، وكان مرفوقا بجوق موسيقي كبير متكون من إخوانه أحمد عبد السلام، محمود بن صاري وابنه رضوان بن صاري وعمر البخشي، وقدم أعمال المدرسة التلمسانية المستوحاة من الموسيقى الغرناطية.

إلى جانب هذا، يعد الشيخ العربي بن صاري أحد رموز الموسيقى الأندلسية الجزائرية، وساهم في بروز موسيقيين ومغنين. ففي سنة 1934، وخلال إقامته بتلمسان، تتلمذ على يديه الفنان صادق بجاوي الذي أخذ منه التراث الحوزي واكتسب منه أسلوبا مميزا في العزف على آلة الكمان. كما استفاد منه الفنان محمد بن تفاحي الذي كانت تربطه به عرى صداقة متينة، وتعلم على يديه الفنان الشهير عبد الكريم دالي العزف على عدة آلات، قبل أن يتقن العزف على آلة العود، وكان عضوا في فرقته، بالإضافة إلى الكثير من الفنانين الآخرين.

قام الشيخ العربي بن صاري بتسجيل العديد من الأسطوانات في الموسيقى الأندلسية في الطبع الغرناطي، إضافة إلى المدائح الدينية، وكان يحفظ في ذاكرته أكثر من ألف عمل من تراث الموسيقى الأندلسية. توقف الشيخ العربي بن صاري عن الغناء سنة 1954 لأسباب شخصية وأقام بالمملكة المغربية، وكان يسمع صوته بين الفينة والأخرى وهو يؤذن للصلاة. توفي رحمه الله يوم 24 ديسمبر 1964 بتلمسان، ودفن فيها.