”نا نوراة” في فيلم وثائقي وكتاب تاريخي

المرأة التي ضحت بشبابها من أجل حرية الجزائر

المرأة التي ضحت بشبابها من أجل حرية الجزائر
عرض الفيلم الوثائقي ”نا نوارة” للمخرج علي موزاوي لطيفة داريب
  • القراءات: 806
لطيفة داريب لطيفة داريب

رحلت نا نوارة السنة الماضية، تاركة وراءها كراسها للذكريات الذي يضم صورا وكتابات عن ستين مجاهدا، زاروا ومكثوا في بيتها العائلي، من بينهم عبان رمضان وعميروش وكريم بلقاسم، ورحلت بعد أن شهدت إنجاز كتاب عنها وفيلم وثائقي أيضا يخلد ذكرياتها، ويا لها من ذكريات.

احتضن فضاء بشير منتوري التابع لمؤسسة فنون وثقافة، أول أمس، عرض الفيلم الوثائقي نا نوارة للمخرج علي موزاوي، الذي اقتبسه عن كتاب المرأة الشجاعة لمحمد غبريني. في هذا السياق، قال لـ«المساء، إن نا نوارة تعتبر أصغر شابة صعدت إلى الجبل للكفاح من أجل استقلال الجزائر، فانخرطت في صفوف جيش التحرير، وارتدت الزي العسكري وحملت السلاح. كما عاشت فترات  عصيبة، خاصة بعد استشهاد أخوتها. أضاف غبرني أن نا نوارة بكت إلى آخر يوم من عمرها، استشهاد أخيها الأصغر رمضان، الذي تحول جسده إلى رماد، بعد أن تعرض للقصف بالقنابل، ولم يتبق منه إلا رأسه ويده، وبقيت تنتظر عودته إلى غاية الاستقلال وعودة المجاهدين إلى قرية آيت أوعبان، وهناك سألت نا نوارة عن أخيها صاحب 19 ربيعا، فقيل لها إنه سيأتي، وبعد انتظار دام طويلا، علمت أنه استشهد، فأغمي عليها وأخذت إلى المشفى، ونظمت نا نوارة قصيدة من أجل روح أخيها الذي ظلت تبكيه، ولم يشفع لها قول مجاهد لها، إن الجميع إخوتها، بل بقي جرح رحيله المفجع، يحز في نفسها وينقطع له قلبها.

في المقابل، أشار غبريني إلى أهمية المنزل العائلي لعائلة إبراهيم وعلي، في قرية آيت أوعبان التي تبعد عن مدينة تيزي وزو بستين كيلومترا، مضيفا أنه كان المسكن الوحيد المؤمن، وكان يلجأ إليه كبار قادة الولاية الثالثة، مثل عبان رمضان وعميروش الذي التقى بابنه هناك، إلى غاية اليوم الذي اكتشف فيه العسكر الفرنسي، انخراط سكان القرية في التجنيد، بغية نيل الاستقلال، فهاجمها في 11 ديسمبر 1959، وخلفت المعركة سقوط 40 شهيدا وأكثر من مائة قتيل من الجيش الفرنسي.

لم يكن سهلا على غبريني كتابة مؤلفه هذا، أمام الدموع السخية التي كانت تذرفها نا نوارة حينما كانت تعود بذكرياتها إلى أيام بعيدة، كأنها حدثت اليوم، وفي هذا يقول أكثر من مرة، قررت فيها أن أتوقف عن كتابة مذكرات نا نوارة، فلم يكن بدا لي تحمل دموع امرأة فات سنها الثمانين، لكنها كانت تعدني بأنها لن تبكي مجددا، إلا أنها لم تكن تفي بوعدها، لهذا استغرق تأليف كتابي هذا، إضافة إلى عمل فيلم وثائقي عنها، قرابة السنة.

كما ذكر المتحدث ظروف تعرفه بـ«نا نوارة، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي حينما أصبحت عضوا في جمعيته تيويزي لأجل الحفاظ على التراث والأصالة والبيئة، ولم تبارحها إلى غاية وفاتها في مارس الماضي، مشيرا إلى عمل الجمعية على تحويل المسكن العائلي لعائلة إبراهيم وعلي، إلى متحف.

في المقابل، عبر المتحدث عن انبهاره بالذاكرة القوية التي كانت تتمتع بها نا نوارة، وكيف أنها تحفظ أسماء كل المجاهدين الذين زاروا ومكثوا في مسكنها العائلي، كما اعتبروه ملاذا لها، بل حتى أنها تتذكر تواريخ استشهاد من كتبت لهم الشهادة. تم عرض فيلم نا نوارة الذي أخرجه علي موزاوي المقتبس عن كتاب المرأة الشجاعة لمحمد غبريني، وتم تسليط الضوء على نا نوارة، من خلال سماع سردها المتواصل للأحداث التي عاشتها، وظهرت بطلة الفيلم ترتدي اللباس التقليدي القبائلي وتضع حليا في رقبتها وأذنيها، وتمسك كراس ذكرياتها الذي لا تتركه أبدا، في حين يمكن أن تعيره لمن أراد الحصول على نسخ طبق الأصل، بشرط أن ترافقه في هذه العملية.

«نا نوارة لا تحب الحديث عن نفسها كثيرا، بل تفضل الكلام عن بطولات الغير، ومع ذلك، حكت عن اليوم الذي التقت فيه بسلطات الاحتلال، حينما كانت تحمل أربعين خبزة جمعتها من مختلف الدشور، لإطعام المجاهدين، فطلب منها التوقف، لكنها لم تستجب وفرت راكضة، ومن ثمة تعرضت إلى إطلاق نار وأصيبت في فخذها، ولم تشأ أن تخبر المجاهدين بهذا الحادث. كما خجلت أن تتلقى العلاج من الطبيب، بسبب موقع الإصابة، وظلت على هذا الحال إلى أن شفيت لوحدها.

أثناء الفيلم أيضا، قالت نا نوارة؛ إن المرأة هي التي حملت الثورة الجزائرية في سنواتها الأخيرة، فلم تكن تجاهد وتحمل السلاح فقط مثل أخيها الرجل، بل تهتم بالتنظيف والرعاية الطيبة والطبخ وغيرها من الأمور.

تبع عرض الفيلم الذي أنجز باللغة الأمازيغية مع غياب الترجمة الخطية، نقاش بين الحضور وصاحب الكتاب الذي اقتبس منه الفيلم، فقال إن نوارة كانت تعتقد أنه لم يكن يصدق أقوالها، كما كانت تصر على دقة كل ما تقوله، فكانت تأخذه عند أخيها الذي لم يعرف مصير إخوته الشهداء، وعند ابن عمها الذي شغل سابقا منصب والي بجاية، لتأكيد أقوالها، مضيفا أنه ما لا يقل على خمس مرات، أقل فيها نا نوارة إلى بيت ابن عمها للتحقق مما ذكرته من أحداث، ولو استغرقت الزيارة خمس دقائق فقط. ولم يكن سهلا نقل امرأة عجوز، خاصة أنها تعاني من أكثر من مرض، ولا تبرح مكانها إلا وكيس الأدوية معها. أضاف أن نا نوارة أخبرته أنها كانت المرأة الوحيدة ضمن مجموعة من المجاهدين، وأنها أخبرت رفقاءها من المجاهدين، حينما التحقت بهم، أنهم إخوتها وأنها لا يمكن أن تتزوج بأخيها، وهكذا بقيت نا نوارة عزباء إلى ما بعد الاستقلال، حيث تزوجت بمدني وأنجبت عدة أطفال.