الأستاذ فراد ضيف منتدى جمعية الدراسات الفلسفية

المواطنة لا تعني أبدا قطع الصلة بموروثنا الثقافي

المواطنة لا تعني أبدا قطع الصلة بموروثنا الثقافي
الأستاذ محمد أرزقي فراد بالمركز الثقافي ”العربي بن مهيدي” لطيفة داريب
  • القراءات: 1025
 لطيفة داريب لطيفة داريب

أكد الأستاذ محمد أرزقي فراد، في المحاضرة التي ألقاها أول أمس بالمركز الثقافي العربي بن مهيدي، في إطار النشاط السنوي للجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية-مكتب العاصمة-، أن مفهوم المواطنة لا يعني قطع الصلة بالموروث الثقافي المرتبط بهويتنا، ليتساءل هل نحن رعايا أم مواطنون؟.

قدم الأستاذ محمد أرزقي فراد، مداخلة بعنوان الثقافة والمواطنة، ذكر في بعضها أن العبرة من التعلم هو البحث في الأفكار التنويرية التي تساعدنا على تفكيك ذهنية الرعية المطيعة، واستبدالها بثقافة المواطنة التي تفتح الآفاق للأفراد من أجل المشاركة في تسيير الشؤون العامة للمجتمع، ورعاية جميع مكونات هويتنا المتمثّلة في الأمازيغية والإسلام والعربية والبعدين الإفريقي والمتوسطي، دون إقصاء أي عنصر منها، والتصالح معها وقراءتها قراءة عقلانية، أي تحافظ على الأصالة ولا تنافي المعاصرة. كما تمتن لحمة الوحدة ولا تفتح تصدعا في الجدار الوطني المرصوص.

أضاف الأستاذ أنه لا يمكن تصور الوطن خارج سياق الثقافي العريق، باعتبار أن مفهوم المواطنة لا يعني قطع الصلة بالموروث الثقافي، بدليل أنّ الكثير من الدول الأوروبية التي فصلت الشأن الديني عن الشأن السياسي، مازالت فيها الديانة المسيحية تبصم الحياة ببصمتها، حتى في إطار الاتحاد الأوروبي، مقدما مثالا برفضه انضمام تركيا، البلد المسلم، إليها.

كما أشار إلى أن المواطنة لا تعني المسخ الثقافي والتنصل من الموروث الثقافي الأصيل، متسائلا هل هناك دولة في أوروبا أدارت ظهرها للغتها الوطنية، كما يحدث في العالم العربي؟ أو أقصت ثقافتها الشعبية كما حدث عندنا في الماضي القريب مع الأمازيغية؟ ألم يؤكد المغني إيدير من خلال نجاحه العالمي بأغانيه الأمازيغية، أن الموروث الثقافي المحلي قادر على تحدي العولمة وعلى رفع مكانة الجزائر في المحافل الدولية؟.

أكّد صاحب كتاب المؤرخ أبو القاسم سعد الله والأمازيغية.. من الإجحاف إلى الإنصاف، حاجتنا إلى بذل جهود فكرية كبيرة في سبيل تخليص المجتمع من الفهم السقيم لمفهوم الدولة الحديثة، الذي جعل بعضنا يتصور أن المواطنة والرقي والتمدن والديمقراطية، مفاهيم مرهونة بقطع الصلة بكل موروثنا الثقافي المرتبط بهويتنا، فدعوا إلى تكريس لغة أجنبية كلغة سيادة، وتقزيم الإسلام في مجال العبادات، ورفض الأمازيغية بحجة أنها مضيعة للوقت. مضيفا أنه من أجل التصدي لهذا الفهم السقيم، يستوجب تضافر جهود النخبة لتبيان أن التخلف في عقولنا وليس في اللغة العربية، كما يجب التمييز بين الإسلام كقيمة إنسانية راقية والإسلام التاريخي الذي صنعه البشر.

اعتبر المتحدث أن عدم الاهتمام بالفهم الصحيح للمصطلحات الآتية: الرعايا، المواطنون، الجنسية، المجتمع المدني، الرأي العام، التمدن يعود إلى غياب الثقافة الديمقراطية في المجتمع، جراء هيمنة الأنظمة السياسية الشمولية في العالم العربي التي تزرع ذهنية القطيع. مضيفا أن السياسة في العالم العربي لا زالت تخضع للذهنية القبلية التي تجعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فوضعت الأفراد في درجة رعايا لا يشاركون في صنع السياسة، وصاروا يتصورون أنّها شأن يخص الفئة المهيمنة على السلطة السياسية، والأخطر من ذلك، يقول الذهنية القبلية قامت بما أسماه الدكتور محمد جابر الأنصاري ببدونة السياسة، فهل يعقل ونحن في هذه الحالة، أن نطمع في المواطنة وقد تريّفت مدننا بدل تمدين الأرياف؟.

أضاف فراد أنه لا شك في أن مفهوم المواطنة وافد من الغرب إلى العالم العربي، يسمع العرب جعجعتها لكنهم لا يتذوّقون طحينها. مشيرا إلى أن المواطنة في معناها العام، هي انتساب الفرد إلى بقعة أرض، كالمدينة في التاريخ القديم، ثم صارت تعني الانتماء إلى دولة لاحقا، لا إلى العرق أو الجنس أو القبيلة، وتضمن لصاحبها المشاركة في تسيير الشؤون العامة للمجتمع، لينتقل إلى تاريخ المواطنة الذي كان في الأزمنة الغابرة حكرا على فئة قليلة من التجار والعسكر، ليتم تعميمها بعد الثورة الفرنسية وصارت توفّر للمواطنين حقوقا مدنية وسياسية واقتصادية وثقافية. ومن ثمة تطورت مع مرور الزمن حتى صارت على شكلها الحالي تتمثل في حقوق الإنسان والحق في التعليم والعلاج والتعبير والتنقل وممارسة السياسة والعمل والإعلام والعدالة والكرامة.

أضاف فراد أن المواطنة تضمن المساواة وتكافؤ الفرص، وتحترم التنوع اللغوي والتعدد العقائدي، وتكرس مبدأ الحوار والتسامح بين مكونات المجتمع. كما تفرض واجبات على المواطن، تتمحور حول طاعة الدولة واحترام قوانينها ودفع الضرائب وأداء الخدمة العسكرية والالتزام بحماية الدولة.

في المقابل، اعتبر صاحب كتاب أزفون، تاريخ وثقافة، أن مفهوم المواطنة يتقاطع مع عدد من المفاهيم السياسية الأخرى، كالجنسية مثلا، التي تفيد إقرار حق الإقامة لشخص معين في بلد ما، لكنها لا تعني المواطنة بالضرورة، مقدما مثالا بوضعية الشعب الجزائري أثناء الاحتلال الفرنسي، إذ كان الجزائريون يحملون الجنسية الفرنسية بدون التمتع بحقوق المواطنة الفرنسية. كما تتقاطع المواطنة مع مفهوم التمدن الذي يعني احترام المصالح العامة للمجتمع وتغليبها على المصالح الشخصية.

اختتم فراد مداخلته بالتأكيد على أن المواطنة مفهوم سياسي بامتياز، كما أنها بمثابة القلب النابض للديمقراطية، ومنه فإن ازدهارها مرهون بتكريس النهج الديمقراطي، مستشهدا في محاضرته هذه بأقوال العديد من المفكرين.