صحفية التلفزيون الصيني "سي جي تي أن" العربية وانغ يا تشي لـ "المساء":

"كورونا" يضع التعاون الدولي في امتحان حقيقي لإنقاذ البشرية

"كورونا" يضع التعاون الدولي في امتحان حقيقي لإنقاذ البشرية
  • القراءات: 1452
حوار: شريفة عابد حوار: شريفة عابد

اعتبرت الصحفية الصينية وانغ يا تشي العاملة بالقناة التلفزيونية "سي جي تي أن" العربية، العلاقات الجزائرية الصينية علاقات استراتيجية، تعززت أكثر خلال أزمة كورونا، التي وصفتها بمثابة امتحان حقيقي للتعاون الدولي، في ظل الجهود المشتركة المحتومة لإنقاذ مصير للبشرية. وأوضحت في حوار أجرته مع جريدة "المساء"، أن الصين تستعد لحل القضايا الدولية بمبادرات خاصة، "حيث يمثل صوتها صوت الدول النامية في الساحة الدولية"، مشيرة إلى أن بكين تتطلع لأن تكون سنة 2020 سنة لتجسيد مبادرة "الحزام والطريق" الاستراتيجية، لاسيما وأن الوباء أعاد ترتيب الأولويات الدولية واكد أن مصير البشرية يستدعي التعاون المشترك.


* المساء: أصبحت الصين اليوم، أولى بلدان العالم التي تتفوق على وباء كورونا، باختصار كيف استطاعت بلادكم تخطي هذا الوباء رغم التعداد الكبير للسكان الذي يفوق 1,5 مليار نسمة ؟

** وانغ ياتشي: أولا وقبل كل شيء، يشرفني أن أجري مقابلة مع صحيفتكم الموقرة. وردا على سؤالكم، أقول إنه منذ تفشي فيروس كورونا الجديد في الصين، اتخذت الحكومة الصينية إجراءات وقائية احترازية سريعة وشجاعة، نالت تقدير دول العالم ومنظمة الصحة العالمية، تمثل أهمها في بناء مستشفيَين في غضون 10 أيام ومسشتفيات مؤقتة، حيث تم في هذا الإطار بناء مستشفيي "هوهشنشان" و"ليشنشان" في وقت قياسي لم يتعد 10 أيام، لاستيعاب المرضى، حيث يوجد بهما 2600 سرير. كما استخدمت مدينة ووهان مراكز عامة كالمعارض والملاعب الرياضية كمستشفيات مؤقتة، ووفرت ما يقارب 70 ألف سرير، الأمر الذي لعب دورا بارزا في الحد من انتشار الفيروس. ونظر لقلة الأطباء، أرسلت مقاطعات ومدن صينية أخرى فرقا طبية إلى ووهان وتجاوز عدد الأطباء والممرضين فيها 42 ألف شخص.

الأمر الآخر الذي قامت به الصين هو التقليل من المخالطة بين الناس، حيث سمحت الشركات الصينية لموظفيها بالعمل في المنازل عبر الإنترنت. وفي مداخل مترو الأنفاق والتجمعات السكنية والمحلات، يوجد عاملون حتى الآن يفحصون حرارة الجسم، حيث يتم إخضاع كل من تفوق درجة حرارة جسمه 37,3 درجات للعزل الصحي لمدة 14 يوما. كما يمكن للسكان اقتناء المواد الاستهلاكية عبر تطبيقات إلكترونية عبر الهواتف الذكية، والدفع إلكترونيا، فيما يتم توصيل المشتريات إلى مداخل الأحياء السكنية، لتجنب الخروج. بالإضافة إلى هذا، هناك حب الوطن والعمل بشكل موحد، فكثير من الناس يبقون في بيوتهم طوعا، وهم متعاونون في هذه المعركة النبيلة ضد هذا العدو الشرس. الجميع يعمل بقلب رجل واحد، وهذا أمر ليس سهلا.

من الأمور الأخرى التي حققت نتائج إيجابية أيضا، المساعدات الخارجية، فحتى يوم 5 فيفري الماضي، مدت 21 دولة بما فيها الجزائر وكذا اليونيسيف يد العون للصين. وهو أمر له معنى كبير بالنسبة لنا، ولجميع أبناء الشعب الصيني، لن ننساه أبدا.. شكرا لكم جميعا.

فالصينيون يؤمنون بالمثل القائل، الصديق وقت الضيق. وحتى يوم 25 مارس الماضي، قدمت الصين مساعدات طارئة إلى أكثر من 89 دولة وعدة منظمات دولية وإقليمية، منها منظمة الصحة العالمية والاتحاد الإفريقي.

* كيف ترون الترتيب العالمي للقوى الدولية بعد كورونا، خاصة وأن دول غربية قوية فشلت أمام الوباء، وما هو تصوركم لخريطة العالم الجديدة؟

** خلال فترة الوباء، تأثرت العديد من القطاعات بشدة، بما فيها السياحة والطيران المدني وغيرها، بسبب توقف حركة الأشخاص. ويشهد العالم برمته معركة حاسمة ضد كوفيد-19، في الوقت الراهن، وقد حققت الصين نجاحا مرحليا بفضل كل الإجراءات المتخذة من قبل حكومتها، حيث سجلنا خلال الفترة الأخيرة أياما لم تسجل فيها البلاد أية حالة وفاة. أما الدول الغربية فلازالت  تكافح فيروس كورونا بطريقة تختلف عن الطريقة الصينية التي أثبتت نجاعتها في الحد من انتشاره.

وبشكل عام، تضع الحكومة الصينية أرواح شعبها وسلامتهم في المقام الأول، وتدعو الدول الغربية إلى تركيز جهودها على حماية شعوبها، بدلا من تشويه صورة الصين، في ظل تفشي الوباء في جميع أنحاء العالم. فمن المعروف أن الصين هي أكبر دولة نامية وثاني أكبر اقتصاد في العالم. أما الولايات المتحدة فهي أكبر اقتصاد في العالم، ولم تتغير مكانتهما في الوقت الحالي. لذلك أعتقد أنه من السابق للأوان الحديث عن تغيرات حاصلة في العالم وترتيب الدول ما بعد كورونا، لأن الأولوية الآن هي تضافر الجهود لمجابهة الوباء من أجل البشرية جمعاء. وتستعد الصين دوما للعمل مع مختلف الدول في إطار جهود حل القضايا الدولية مع اقتراح مبادراتها وإيصال صوتها، الذي يمثل أصوات جميع الدول النامية.

* الصين أصبحت اليوم محل تنافس بين الدول من أجل الحصول على طلبياتها من التجهيزات الطبية؟ كيف حول بلدكم الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء الاقتصاد؟

* في رأيي الشخصي أن التنافس أمر طبيعي في مجال التجارة، وما زالت الصين "مصنع العالم" ودولة صناعية كبرى في العالم، وتعمل مصانعها بكامل طاقتها، ليل نهار من أجل إنتاج التجهيزات الطبية لتلبية احتياجات دول العالم، ومساعدتها في مواجهة هذا الفيروس وإنقاذ المزيد من الأرواح، الأمر الذي يتفق مع المفهوم الذي طرحه الرئيس الصيني شي جين بينغ لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.

وقد اتخذت الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات لاستئناف العمل والإنتاج، حيث تستأنف المؤسسات والمصانع الصينية في أجزاء مختلفة من الصين أعمالها واحدة تلو الأخرى، وتعود حركة الاستهلاك تدريجيا. وفي الوقت الذي تبنت فيه العديد من الدول تدابير مالية محفزة للاستجابة للوباء، التزمت الصين بسياسة نقدية سليمة ومستهدفة. لكن من ناحية أخرى، ومع تفشي فيروس كورونا، يواجه اقتصاد الصين واقتصاد العالم كله تحديات كبيرة، وقد تكون الأزمة سيفا ذا حدين. فعلى سبيل المثال، مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، لا مفر منها، باعتبار أن الأزمة الحالية ستترك آثارا مباشرة وغير مباشرة على التنفيذ الفعال لهذه المبادرة. وفي هذا السياق، فقد أظهرت أزمة "كوفيد-19" أن الوقت قد حان لتعزيز التعاون الدولي. وآمل ألا ينظر الناس إلى التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية الحالية الناجمة عن فيروس كورونا الجديد فقط، لأنها تأثيرات عابرة، بل عليه أن يستشرف المستقبل وما بعد كورونا أيضا.

أؤكد على ضرورة الوقوف جنبا إلى جنب لمعالجة التهديدات المشتركة، ولهذا تتطلع الصين، أن يكون عام 2020، عاما لتجسيد مبادرة "الحزام والطريق" وهي مبادرة استراتيجية طويلة الأمد. كما ينبغي التمسك برؤية طويلة الأجل لضمان تطوير البنية التحتية بطريقة متسقة وفعالة وإدارة مخاطر التعاون في المستقبل.

ثانيا، يجب على الصين وشركائها وهيئات التعاون أن تولي أهمية كبيرة للديون والاستدامة المالية.

ثالثا، مواصلة دعم الشحن بالسكك الحديدية الخاصة بالتصدير وتجنب حدوث تخفيض في حركة المبادلات بنطاق واسع، على الأقل خلال فترة الأزمة الحالية.

رابعا، قد تكون النقطة الأكثر أهمية، أن تقوم الدول الشريكة في مبادرة "الحزام والطريق" بتقليل التعبير عن العواطف السلبية أثناء الأزمة، فمن المرجح أن تستعيد الحكومات السياسات الحمائية وتقلل من المشاريع طويلة الأجل التي ستظهر تأثيرا إيجابيا على المدى البعيد رغم الخسائر المؤقتة.

* ما تقييمكم للعلاقات الجزائرية الصينية وهل هي في مستوى التطلعات بالنسبة للصينيين؟

** إن الصين والجزائر تربطهما صداقة عميقة وعلاقة شراكة استراتيجية، وقد قدمت الجزائر مساعدة "ثمينة جدا" للصين في أصعب الأوقات، من خلال تبرعها بنصف مليون قناع و20 ألف نظارة واقية و300 ألف قفاز، نقلتها الخطوط الجوية الجزائرية إلى مدينة ووهان في يوم 3 فيفري الماضي. واسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة للتعبير عن أسمى آيات الشكر والامتنان من قلب يفيض بالمحبة والمودة والاحترام والتقدير لكم. في المقابل قدمت الصين للجزائر مساعدات طبية هذا الشهر لدعم الجزائر في مكافحة فيروس كورونا الجديد. ويقول مثل صيني، من أعطاني قطرة من الماء للنجاة، سنردّه ببحر واسع مشكورا. "كوني قوية الجزائر.. كوني قوية الصين..".

* كيف رافق الإعلام الصيني الأزمة وما مدى المسؤولية المجتمعية التي اضطلع بها؟

** حتى هذه اللحظة، تقدم الصين خبرات ومعونات بمختلف أشكالها للدول الأخرى، بما فيها إرسال خبراء في الطب وإمدادات طبية وإنشاء المختبرات لدعم دول العالم في مكافحة الوباء.

وبالنسبة لنا، نحن كقناة عربية دولية تابعة لمجموعة الصين للإعلام، تتمحور مسؤوليتنا بسرد قصة الصين وإظهار صورة الصين الحقيقية لمشاهدينا العرب. ونضع تطورات الفيروس في حسابنا، وباعتبارنا قناة شاملة وحيدة ناطقة بالعربية على مدار 24 ساعة في الصين، نتابع الأخبار في كل مكان بنظرة واقعية صريحة متسلحة بأخلاق المهنة والتمسك بالمصداقية والاحترافية. وقد تم نشر أحدث تطورات الوباء في الصين وخارجها والمعلومات حول الوقاية من كورونا منذ بداية تفشي الوباء في الدول العربية لمساعدة المشاهدين. 

كما نرحب بإنشاء علاقات التعاون مع وسائل الإعلام العربية، حيث يقوم صحفيون صينيون بتقديم مداخلات عبر وسائل الإعلام العربية لتقديم آخر تطورات الوباء في الصين. وفي الأخير نؤكد أننا نثق بأنه بتضافر الجهود سننتصر على الوباء.