الجزائري يعاني عطشا ثقافيا وحسا فنيا

دعوة إلى مصالحة الجمهور مع السينما والمسرح

دعوة إلى مصالحة الجمهور مع السينما والمسرح
  • القراءات: 723
❊ نور الهدى بوطيبة  ❊ نور الهدى بوطيبة

لا زال المجتمع فاقدا لثقافة استهلاك المنتوج الثقافي، وهي ظاهرة طفت مع العشرية السوداء، رغم تحسن الظرف الأمني الصعب واستقرار البلد، إلا أن الجماهير الغفيرة التي كانت في سنوات الستينات والسبعينات، حتى بداية الثمانينات، تغزو القاعات والمسارح، لم تعد كذلك، وبذلك أضاع الجزائريون جزءا من ثقافتهم، هذا ما جعل الجهات المختصة تحاول إعادة بعث هذه الحركة من جديد، لكنها عبثا تحاول.

بادرت وزارتا الثقافة والتربية قبل ثلاث سنوات، لتوقيع اتفاقية إطار هدفها تطوير النشاطات الفنية والثقافية في الوسط المدرسي، بتكوين لجنة قطاعية مشتركة تتكفل بهذه المهمة، ترمي إلى خلق جيل قادم يمثل جمهورا محبا للثقافة صاحب ذائقة فنية عالية، مقبلا على فني المسرح والسينما اللذين يعتبران من الفنون الجامعة التي ترتقي بالنفس فكرا، وتطور الحوار بين ثقافات الشعوب وترتقي بالقيم الإنسانية، من خلال الاستثمار البشري، أساسه المدرسة.   

هذا السعي لم يثمر بعد، حسبما لمسته المساء خلال تجوالها ببعض قاعات السينما والمسرح، وأوضح مسيروها أن الإقبال عليها لا زال محتشما وفئة قليلة ترتادها بشكل مستمر وغير متقطّع، ليتم تسجيل زيارات موسمية من حين لآخر، لأفراد برمجوا خرجات إليها، وأشار آخرون إلى أنّ دليل غياب تلك الثقافة يتجسّد في أن أسعار دخول المسرح أو مشاهدة فيلم في السينما تعدّ أسعارا رمزية، وبعضها يمكن الدخول إليها بالمجان، لكن رغم ذلك ليس هناك جمهور.

في هذا الخصوص، حدثّنا مؤسس النادي السينمائي سيني يوفر نبيل أيت سعيد قائلا مصالحة المجتمع مع الدور الثقافية، سواء المسرح أو السينما، يتطلب تضافر كل الجهود بين الوصاية والعاملين في المجال وكذا الإعلام، بهدف الترويج وإعادة الاعتبار لتلك الأماكن الثقافية، لأنّ تلقين هذا النوع من الثقافة لابد أن يتم في المراحل الأولى من عمر الإنسان، لتنشئته على حب تلك الفنون.

يقول أيت سعيد، إن السينما فن غني بالتجربة الجمالية، فهو أنقى نماذج الفن يتمتع بتجارب في متعة الخيال والإثارة بمختلف طبوعه، فهو جامع الفنون ورمز الكمال الفني، وتذوّق هذا الفن لا يتم فقط بمشاهدة الفيلم في حد ذاته، إنما إبراز ما تخفيه الكواليس، وهذا ما تمنحه قاعات السينما، لاسيما النوادي السينمائية التي تسمح للجمهور بفتح مناظرة أو مناقشة بعد انتهاء الفيلم لمناقشة أحداثه.

يقول المتحدث بأن ما يفتقده المواطن ليس حب الأفلام، بل العكس، فهم من أكبر محبي الأفلام والمسلسلات التلفزيونية بمختلف أنواعها ومواضيعها، إلا أنّ ما يفتقده حقيقة هو مشاهدة نفس الأفلام في السينما، ليفضّل بذلك تنزيل فيلم جديد أو حتى قديم من الأنترنت ومشاهدته في البيت، دون إدراك أن تنقله إلى السينما سوف يمنحه شعورا مخالفا، بفضل التأثيرات الصوتية وجودة الصورة، ناهيك عن تقاسم تلك اللحظات من المؤثرات الخاصة مع باقي الجمهور، فكل ذلك يطوّر لدى الفرد روحا نقدية بنّاءة، بالتعليق على الفيلم سواء أعجبه أو لم يعجبه، وإبداء رأيه فيه من خلال حجج مقنعة تكون في الإطار الفني.

يضيف نبيل أيت سعيد، أن بعض الأفلام تحمل رسائل وحكما ومعاني تاريخية، إنسانية ثقافية وغير ذلك، وعلى الجمهور حملها وفهمها، فالبعض منها تحمل أساليب التشويق وتفتح مجالات لمواصلة البحث فيهاو لاسيما فيما يخص الأفلام التاريخية التي تغذي جزءا من فضول الإنسان، ليكمل هو مهمة البحث عن التفاصيل الأخرى.

يعمل أيت سعيد من خلال النادي السينمائي الذي يسيره في مقام الشهيد، على إعادة الاعتبار لهذا الفن، من خلال بث سينمائي كل يوم جمعة، أبوابها مفتوحة لكل  كبير وصغير، واقترح بالمناسبة، إنشاء شبكة وطنية لنوادي السينما من أجل تعميم هذه الثقافة.

على صعيد آخر، أوضح مدير المسرح الجهوي لمدينة العلمة، سفيان عطية، أنّ المسرح عرف بعد الثمانينات عزوف الجمهور، ليس مائة بالمائة، لكن يبقى جمهورا مناسباتيا فقط، وهنا لابد أن يدرك الفرد أن إعادة الاعتبار للسينما أو المسرح ليس من مهام الدول أو وزارة من وزاراتها، فدور الوصاية هو خلق البنية التحتية لذلك،  مثل بناء مسرح أو قاعة سينما، لكن ليس من شأنها إعادة الجمهور إلى تلك القاعات، إنّما الدور هنا مشترك ولابد أن يتم بوضع ميكانيزم فعال، وهو الشوبيز أو صناعة الترفيه، وهي عبارة عن هياكل مختصة للترويج والتسويق للمنتجات الفنية، لكن الثغرة الحاصلة أن رواد مجال التسويق ليس لهم الخبرة الكافية في الجزائر للقيام بالأمر.

كما أرجع المتحدث المشكل إلى غياب تواصل المسرح مع جمهوره، حيث قال العديد من كتاب النصوص المسرحية لا يحسنون اختيار مواضيع عروضهم، حتى وإن كان النص جميلا والإخراج أجمل ووجود ممثلين ذوي خبرة ومتألقين، إلا أنه إذا كان النص غريبا عن مجتمعنا وتقاليدنا وتفكيرنا، فسيرفضه الجمهور ولا يتفاعل معه، حتى وإن تم اختيار أشهر النصوص المسرحية، على غرار روميو وجولييت”.

في الأخير، شدد المتحدث على أهمية إعادة الاعتبار للثقافة وسط المجتمع، لأنّ غياب الفن في المجتمع أمر جد خطير، وإذا لم نتدارك تلك الهفوة أو الفجوة بين المجتمع والثقافة بأشكالها ومختلف آدابها، على غرار القراءة، سوف نفقد أحد اللبنات الأساسية لبناء حضارة، فالفرد الذي يغيب لديه الحس الفني، يقول مدير المسرح، سينجب جيلا متصلبا بيروقراطيا ويتحدث لغة الخشب، وهو جيل يملأ فراغه بالاتجاه نحو أوساط خطيرة لا تصب في صالح المجتمع.