بوفلاقة يرصد ارتباط الشعر الجزائري بأم القضايا

فلسطين في الشعر الجزائري الحديث "أنموذجا"

فلسطين في الشعر الجزائري الحديث "أنموذجا"
  • القراءات: 8303
 مريم. ن مريم. ن

قدم الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة، من كلية الآداب بجامعة عنابة، مؤخرا، قراءة نقدية مفصلة عن حضور القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري، حيث رافق المبدعون هذه القضية منذ عشرينيات القرن الماضي، وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها، وقد تابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان "وعد بلفور" حتى الأحداث الأخيرة.

أشار الباحث في تقديمه، إلى أن الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أمتهم العربية، رغم الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي، وتأتي قضية فلسطين في الصدارة، وركز بوفلاقة على كتاب "فلسطين في الشعر الجزائري الحديث" للباحثة فاطمة الزهراء بن يحيى، ليؤكد أن الشعر الجزائري ركز بشكل كبير على القضية الفلسطينية، ومازال يتفاعل مع تطوراتها. أكد الكتاب فكرة أن قضية فلسطين تعد أهم قضية على الساحة العربية، ولا تجاريها أي قضية أخرى في الوطن العربي، فقد ظلت هذه القضية منذ بدايتها، المحك الرئيس لالتزام أبناء الأمة العربية بمدى قضايا أمتهم، كما أنها ما تزال الملهم الأساس لكتابها وشعرائها الذين هبوا للدفاع عنها.

عن إشكالية البحث، تقول الباحثة بن يحيى، صاحبة الكتاب لقد دفعتنا هذه الأهمية، إلى جانب ما تمر به الأمة العربية في مرحلتها الحالية من تمزق وتشتت وصراعات، وما يمر به الشعب الفلسطيني من تشريد وتهجير وتقتيل، وتقطيع أوصال أرضه وتهويدها، يهدف بالدرجة الأولى، إلى تصفية مقاومته المسلحة وإخراجها من معاقلها الأمامية، ونزع البندقية من يدها أمام صمت عربي فاضح، وتهريج صاخب باسم السلام ومشاريعه"، إلى طرح إشكالية البحث المتمثلة في "إذا كان الشعراء العرب الذين عاصروا القضية الفلسطينية -منذ وعد بلفور إلى الآن- قد تصدوا وبدرجات مختلفة، إلى كل المؤامرات الداخلية والخارجية التي كانت سببا للكثير من النكبات، فإن شعراء الجزائر، ورغم الحصار الذي ضرب عليهم قبل الاستقلال، وعدم الاهتمام بإبراز دورهم في معالجة القضية، قد لعبوا دورا فعالا ورائدا على الساحة العربية، وهو ما يحث على التطرق إليه لإبرازه".

تضمن الكتاب عدة فصول، منها "القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري الحديث قبل الاستقلال 1930-1948" واستعرض ما كتبه الشاعر عبد الرحمن بن العقون عن "وعد بلفور"، وما كتبه أيضا الشاعر محمد العيد آل خليفة عن غدر الإنجليز وتآمرهم مع الصهاينة في أسلوب كله سخرية واستهزاء. كما أن الكثير من الشعراء الجزائريين لمسوا خيوط المؤامرة على فلسطين، ففي سنة 1930، كتب أحد الشعراء الناشئين -لم يذكر اسمه- قصيدة تزخر بالمشاعر النابضة والإيحاءات النافذة، وقد سعى في تلك الفترة، عدد كبير من الشعراء، إلى توعية الجماهير بالمخاطر المحدقة بفلسطين، وبعد الأحداث التي وقعت سنة 1929، نتيجة ازدياد النفوذ الصهيوني في القدس، كتب الشاعر عبر الرحمن العقون قصيدة اشتهرت فيما بعد أيما اشتهار، وسمها بـ"آه على أمة القدس التي بسطت للجار إحسانها"، حيث يقول في مطلعها:

"أمن الكوارث أزمات نعانيها    أم من تذكر من تهوى معاليها

أرقت حزنا ومنك البال مضطرب   والقلب خاض بحارا لا يُجاريها"

ومن بين الشعراء الذين تفاعلوا مع التطورات التي وقعت في فلسطين، في تلك المرحلة، بشكل كبير، محمد العيد آل خليفة، الذي عبر عن رفضه للتقسيم، إضافة إلى الشاعر أحمد سحنون الذي كتب الكثير عن مأساة فلسطين وجراحها، واتسم شعرهم بالحماسة والرفض في تناولهم للصراع.

أشار الكاتب بوفلاقة، إلى أن التطورات التي وقعت سنة 1948، أعطت الشعراء الجزائريين نفسا جديدا للخروج من الدائرة التي كانوا يدورون فيها، وجعلتهم أكثر التزاما وأكثر واقعية في توعدهم بالأخذ بالثأر والانتقام لفلسطين، التي اعتبروها قضية كل العرب الأولى. من أبرز الشعراء الذين كتبوا عن فلسطين في تلك الفترة، الشاعر عبد الكريم العقون، الذي كتب الكثير قبل النكبة وبعدها، كما تأثر الشاعر عبد الوهاب بن منصور بما وقع لفلسطين، وكتب مجموعة من القصائد التي يطبعها الحزن والألم الشديد على ما وقع لفلسطين الحبيبة، من بينها قصيدة "قم في الحشود" كتبها سنة 1949م، مطلعها:

"قم في المحافل منشدا       شعرا يذيب الجلمدا"

عاصر الشاعر محمد جريدي مأساة فلسطين، وكتب أشعارا كثيرة، شرح فيها أسباب الهزيمة وفق رؤيته الخاصة للتطورات التي وقعت مع بداية العشرينات. أما الشاعر صالح خرفي، فقد كتب الكثير من القصائد عن فلسطين وربطها بواقع الجزائر، وأكد ضرورة الوحدة بين مختلف الأقطار العربية في وجه أعداء الأمة.

تأكد جليا أن الشعر الجزائري الذي كتب عن فلسطين في تلك الفترة، أصبح شعارا للوحدة العربية، وقد تجاوب بشكل كبير مع الأحداث التي وقعت في فلسطين، رغم الحواجز التي وضعها الاستعمار الفرنسي لعزل الشعب الجزائري عن قضايا أمته العربية. في الفصل الثاني من الكتاب، تناولت المؤلفة "القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري الحديث بعد الاستقلال"، حيث أدرك  شعراء الجزائر أن المشوار لم ينته، وظلوا يؤكدون على أن اكتمال استقلالهم مرتبط بتحرير الأراضي الفلسطينية، وعلى سبيل المثال، فإن الشاعر والمناضل الكبير أبو القاسم خمار، كتب سنة 1962 قصيدة "هتاف الجزائر"، عبر فيها عن فرحته باستقلال وطنه، غير أن فرحته الكبيرة بانتصار وطنه، لم تنسه الآلام التي يعانيها الشعب الفلسطيني، لاسيما الذين هجروا منه إلى خارج ديارهم، حيث يقول:

"أيها النازحون في الليل صبرا     إن آلامكم ستبدع فجرا

ما فلسطين للعروبة إلا           أمل يلهب الجوانح جمرا

أي نصر كسبته في بلادي         ليس نصرا ما دمت أحمل ثأرا

فانهمر يا دم الكفاح بأرجائ      ي ولون شبرا فشبرا"

ومن بين الشعراء الذين أكدوا في الكثير من قصائدهم، على عودة الشعب الفلسطيني إلى أراضيه التي هجروا منها، الشاعر محمد الأخضر السائحي، ولعل أشهر قصائده التي أنشدها الكثير من أبناء الشعب الجزائري، قصيدة "حلفنا سنعود" التي كتبها سنة 1963. كما كتب الشاعر الدكتور صالح خرفي، جملة من القصائد التي أظهر فيها حزنا شديدا على ضياع فلسطين، وعلى زرع نبتة خبيثة في قلب الأرض العربية، وظل يؤكد في جميع قصائده، على الوحدة العربية لتحقيق آمال الأمة.

من بين الشاعرات اللاتي كتبن الكثير عن فلسطين، الشاعرة مبروكة بوشامة، ولعل الطابع العام الذي تميز به الشعر الجزائري بعد الاستقلال في معالجته لقضية فلسطين، هو رفض الاستسلام والخنوع، والدعوة إلى الاتحاد والتضامن لمواجهة العدو الأول للأمة العربية، ومن بين الشعراء الذين رفضوا الهزيمة بشدة، الشاعر أحمد هويس ومفدي زكريا، وخمار ومحمد ناصر وأزراج عمر وعبد العالي رزاقي. كرست الباحثة فاطمة الزهراء بن يحيى الفصل الأخير من الكتاب، لتسليط الضوء على الخصائص الفنية التي ميزت الشعر الجزائري الذي اهتم بالقضية الفلسطينية، وقد بدا لها أن الشعر الجزائري عالج القضية الفلسطينية، انطلاقا من نظرة دينية وقومية وإنسانية، ولم يقتصر على الشعر العمودي فحسب، بل انفتح على الشعر الحر أيضا، وكان في مجمله بدلالات ثورية خالصة، وقد حفل الشعر الجزائري بمضامين عميقة، وواكب تطورات القضية الفلسطينية وهاجم المتخاذلين.