فرصة لإنهاء الخلافات وتوطيد أواصر الأرحام

العائلات الجزائرية ترسخ قيم المعايدة من خلال زيارة الأقارب

العائلات الجزائرية ترسخ قيم المعايدة من خلال زيارة الأقارب
  • القراءات: 3283
❊ نور الهدى بوطيبة ❊ نور الهدى بوطيبة

تعتبر الأعياد الدينية على غرار عيد الفطر المبارك من المناسبات التي تستغلها العائلات الجزائرية لزيارة الأقارب ومعايدتهم وتوطيد صلة الرحم، وهي من التقاليد التي تناقلتها الأجيال وحملتها كعادة لابد من عدم الاستغناء عنها لدرجة أصبحت راسخة لدى الكثير من الأسر التي تخصّص أوّل وثاني يوم العيد للتنقل من منزل إلى آخر ومعايدة أهله وتهنئته بحلول هذه المناسبة العظيمة.

رغم أنّ هذه العادة غابت لدى بعض العائلات في فترة ما، بسبب سرعة الحياة التي جعلت كل واحد لا يجد وقتا للآخر، وتداخلت الواجبات الروتينية لحياة الفرد حتى بات يبحث فقط عن راحته بعيدا عن احتكاكات المجتمع، إلا أن هذه العادة الجميلة التي حثنا عليها ديننا وعقيدتنا والتي بمفهوم آخر هي وسيلة لصلة الرحم، ذلك قبل ما تنص عليه العادات والتقاليد، ها هي الأسر الجزائرية تقدس من جديد هذا من خلال تنقلها يومي العيد بين منازل الأقارب والأحبة لمعايدتهم ومشاطرتهم فرحة العيد وبعض العادات المرتبطة بذلك كتبادل الحلويات.

وتبدأ مظاهر المعايدة خلال هذه المناسبة الجميلة مباشرة بعد صلاة العيد، حيث يعايد المصلون بعضهم البعض، وتتواصل تلك البهجة في البيوت بألفاظ طيبة ودعوات حسنة، طالبين الله الحفظ والرعاية في أيام سعيدة وبهيجة للجميع، وتمر تلك المرحلة بزيارة الجيران الأقرب وتقديم   حلويات العيد لهم، لتتبادل حينها النساء بعض الأحاديث وكذا القليل من الوصفات، ثم تنطلق بعد الغذاء خلال الفترة المسائية إلى غاية صلاة العصر عادة الذهاب والإياب بين العائلة والجيران لمعايدتهم بحلول عيد الفطر المبارك.

عن هذا الموضوع كان لـ«المساء" حديث مع بعض المواطنين الذين أبدوا عزمهم على المحافظة على هذه العادة الجميلة، محاربين بذلك كل الأسباب التي قد تؤدي إلى التخلي عن المعايدة والتنقل بين العائلات لبلوغ هذه المناسبة الجميلة.

بداية، أوضح لنا محمد (أب لثلاثة أطفال)، أن المعايدة كانت ولا تزال من أجمل عادات الأمة المسلمة التي تقدس العائلة وروح اللقاء لما لها من قوة في توطيد أواصر صلة الرحم، والتأكيد على تلك العادة أو التقليد، وهو وسيلة لنقلها للأبناء وتعليمهم قيمة العائلة وأهمية المحافظة عليها، مشيرا إلى أن عيد الفطر من المناسبات التي لابد من استغلالها لإنهاء الخلافات مهما كانت معقدة، وتوطيد العلاقات الاجتماعية والزيارات التي تتم صبيحة العيد وطيلة يومين لابد أن تكون مكللة بعبارات جميلة باعتبارها أجمل صور التواصل البشري.

من جهتها، قالت الحاجة خيرة، إن عادة المعايدة تقليد له أصوله وأحكامه، يفقهها المحافظون على تلك العادات وعلى الأولياء ترسيخها للأطفال وتعليمها لهم بأصولها الحقيقية، حتى لا تكون عشوائية وقد تحول النية الحسنة إلى ضغينة قد يحملها الواحد تجاه أخيه، حيث قالت "من العادات في العائلات الكبيرة أن يلتقي الأبناء المتزوجون في البيت الوسطى أي أن يتفق الجميع على معايدة الوالدين في بيتهم، بالتنقل عندهم وليس العكس، فعلى المتزوجين أن يضعوا خطة للتنقل إلى عائلة الزوجة وعند عائلة الزوج على السواء، حتى يؤدي كل طرف واجبه تجاه عائلته وأفرادها". وأضافت أنه من الأصول أن يبادر الصغير بتهنئة الكبير، وعلى الكبير معايدة الصغير بدوره، مشيرة إلى أن من عادات الأسر الجزائرية تقديم بضعة دنانير للصغار لتهنئتهم بالعيد والإطراء على ملابسهم الجديدة الجميلة التي تجعلهم في أبهى طلة خلال هذه المناسبة العظيمة، ومن تلك الأصول أيضا استحباب تبادل الزيارات بناء على موعد مسبق أي اتصال من الزائر حرصا على تواجد الأهل بالبيت وأيضا على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، والتأكد من عدم إزعاج أهل البيت في حالة ما إذا كان من الأقارب البعيدين.

من جهتها، قالت هناء إن توطيد صلات الأرحام من أكثر ما شدد عليه ديننا الحنيف، ومع سرعة الحياة التي نشهدها اليوم بات من الضروري استغلال بعض المناسبات لزيارة الأهل والاطمئنان عليهم، وإصلاح خلاف بسيط كان أو معقد، فإن إبداء النية في ذلك تطمئن القلوب وتريحها، وعلى المبادر أن يستغل هذه الفرصة، كما على الخصم تقبلها ومحاولة المسامحة وفك الخلاف حتى لا يحرج المبادر إليها. 

على صعيد ثاني، قالت مريم، إنّه رغم جمال المعايدة وأهمية التنقل بين الأهل لمعايدتهم، إلا أنّ التكنولوجيا وسيلة تسهل سلاسة ذلك التقليد في حالة تعذر بلوغه، أي في حالة ما لم يستطع الفرد التنقل لسبب من الأسباب سواء لبعد المسافة أو لعدم وجود وسيلة نقل أو لضيق الوقت تبقى الوسائل التكنولوجية هي الحل المثالي، تضيف مريم، كإرسال رسائل نصية لكن الأفضل يبقى الاتصال الهاتفي، فهو أقرب من التعامل الحسن فسماع الصوت يشعر متلقي الاتصال بجمال المعايدة وهي أقرب من زيارة الفرد على استعمال الرسائل القصيرة أو استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لبلوغ ذلك.