حرب القنصليات بين أمريكا والصين

الأسباب والمآلات،،،

الأسباب والمآلات،،،
  • القراءات: 710
م. مرشدي م. مرشدي

بلغت حرب إغلاق القنصليات بين الولايات المتحدة والصين أوجها ضمن حلقة جديدة في مسلسل خلافات توسعت دائرتها من العقوبات الاقتصادية إلى تكنولوجيا الاتصالات الجديدة وصولا إلى خلافات عسكرية ـ استراتيجية وأخرى صحية ذات صلة مباشرة بتداعيات وباء كورونا.

في الوقت الذي غادر فيه آخر موظف صيني مقر قنصلية بلاده في مدينة هوستن عاصمة ولاية تكساس، كان آخر موظف دبلوماسي أمريكي يغادر مقر قنصلية بلاده في مدينة شونغدو في جنوب غرب الصين، ضمن مشهد عكس صورة من صور الرد المتبادل وعكس حقيقة التوتر الذي عرفته علاقات البلدين منذ وصول الرئيس دونالد ترامب، إلى سدة الحكم شهر جانفي سنة 2017.

ولكن هل يتواصل مسلسل التنافس بين البلدين على طريق التصعيد وبوتيرة قد تصل إلى قطيعة نهائية اذا أخذنا بحجم مصالح كل بلد وسعي كل واحدة منها على المحافظة عليها بشتى الطرق والوسائل؟ وإذا أخذنا بالسياق الزمني لهذا التصعيد يمكن القول إنه مرتبط بوضع ظرفي لعلاقته المباشرة بالانتخابات الأمريكية بعد أن وضع الرئيس الأمريكي، علاقات بلاده مع الصين ضمن أوراقه الانتخابية في أقل من 100 يوم قبل ساعة حسم انتخابات الثالث نوفمبر القادم.

وإذا سلمنا بمثل هذه الفرضية فإن المواجهة مرشحة لأن تعرف تطورات قادمة ستزيد دون شك في درجة التوجس والاتهامات المتبادلة بين أكبر قوتين عالمتين تبحث كل واحدة منها عن وسائل تحقيق أهدافها في نسق دولي يعرف تحولات جذرية، وضمن ندّية لا تريد لا الولايات المتحدة ولا الصين أن تظهر بمظهر المتخاذل أمام الطرف الآخر.

وهو الأمر الذي جعل الخارجية الصينية، تؤكد أن قرارها بإغلاق القنصلية الأمريكية في شونغدو في سياق سياسة الرد بالمثل على قرار الإدارة الأمريكية بإغلاق القنصلية الصينية في هوستن.

وعندما اتهم الرئيس الأمريكي موظفي القنصلية الصينية بالتجسس الاقتصادي أكد وانغ وانبين، الناطق باسم الخارجية الصينية من جهته أن بعض موظفي القنصلية الأمريكية كانوا يقومون بأنشطة تخرج عن دائرة مهمتهم الرسمية، بما شكل خطرا على الأمن والمصالح الصينية.

ورغم الأبعاد الاستراتيجية البعيدة المدى لهذه القبضة المتجددة إلا أن القرار الأمريكي ورد الفعل الصيني وسياقه الزمني جاء ليؤكد على صراع خفي بين البلدين لمن تكون له الأسبقية في إنتاج أول لقاح ضد فيروس كورونا.

وهو صراع يأتي أيضا في سياق أوراق انتخابية يريد الرئيس الأمريكي، استغلالها في قادم الأيام لإعادة تلميع صورته أمام راي عام أمريكي لم يعد يثق في وعوده بسبب تبعات هذا الوباء.

وكان الرئيس الأمريكي مهد لمثل هذه التطورات منذ عدة أشهر عندما اتهم الصين بالتستر على أولى حالات الإصابة بالوباء نهاية العام الماضي، وخطورته على صحة الإنسان، وقد دخل الأن المرحلة الثانية في مسلسل كورونا باتهامه لرعايا صينين  بالتجسس للحصول على معلومات سرية حول آخر ما توصلت إليه المخابر الأمريكية في إطار أبحاثها لإنتاج أول لقاح قبل نهاية العام.

ولم يكن غلقه للقنصلية الصينية في مدينة هوستن عاصمة ولاية تكساس، اعتباطيا ولكنه أراد أن يعطيه مصداقية كون المدينة تبقى القلب النابض للأبحاث المخبرية في الولايات المتحدة وفي كل العالم، ولا يستبعد أن يخرج أول لقاح ينتظره الرئيس ترامب، من أحد مخابر هذه المدينة.

وهي طريقة ذكية أراد الرئيس الأمريكي، استغلالها للتخفيف من حدة الانتقادات التي طالت إدارته بالفشل في مواجهة الجائحة واستخفافه بحقيقة خطورتها ووجد في الصين كبش فداء، حمله مسؤولية وفاة أكثر من 140 ألف أمريكي بفيروس سبق أن وصفه في بدايات ظهوره بأنه مجرد زكام موسمي عابر.

وتفطن الحزب الديمقراطي لخطة المرشح الجمهوري، وهو ما جعله يتحرك ضمن حملة انتخابية مسبقة حمل من خلالها الرئيس ترامب مسؤولية مباشرة في حجم كارثة الوباء على الأمريكيين وجعل من ارتداء هذا الأخير للقناع الواقي بمثابة اعتراف متأخر بخطورة الوباء، بعد أن رفض في كثير من المرات ارتداءه بحجة أنه لن ينفع شيئا وأن حياة الفيروس ستنتهي بحلول فصل الحر. وأكد جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات نوفمبر القادم، وأحد المدافعين عن القناع الواقي كوسيلة مثلى للحد من سرعة انتشار الوباء، أن منافسه الجمهوري بارتدائه القناع إنما أراد التخفيف من وقع الكارثة ولكن بعد فوات الأوان، وجعل وسائل إعلام أمريكية، تركز بشكل لافت عليه وهو يرتدي القناع ضمن صورة أرادت من ورائها ضرب مصداقية مواقفه وتوقعاته التي خابت جميعها وتحولت إلى نقمة قد تجعله يستفيق من حلمه في البقاء في البيت الأبيض لعهدة ثانية.