التكفل بالأشخاص المسنين في الجزائر

الأخصائيون يناقشون التراتيب الاجتماعية

الأخصائيون يناقشون التراتيب الاجتماعية
الاخصأئية بديعة كمال -الدكتور خالد شنون أحلام محي الدين
  • القراءات: 780
❊أحلام محي الدين ❊أحلام محي الدين

عمد الباحثون المتدخلون في الملتقى الإعلامي حول "التراتيب الاجتماعية للتكفل بالأشخاص المسنين في الجزائر"، الذي جاء تحت شعار "معا لضمان شيخوخة آمنة"، إلى إبراز جهود الدولة في سبيل حماية أفرادها من كل الآفات الاجتماعية، من خلال مختلف التراتيب أو التشريعات واستصدار القوانين لحماية الشخص المسن ورفاهيته، باعتبارها قنوات مهمة في إيصال المعلومة الصحيحة والدقيقة للرأي العام، بهدف التجنّد لنبذ كل الآفات والأفكار الدخيلة على مجتمعنا، وتربية الأجيال الصاعدة على القيم والمثل الاجتماعية الأصيلة والمتجذرة فيه، لإبقاء أواصر التواصل بينها وبين الشخص المسن، حسبما أكدته وزيرة التضامن في كلمتها الافتتاحية للملتقى، خاصة أنه يوجد ثلاثة ملايين مسن في الجزائر.

عمد الأكاديميون المشاركون إلى إبراز جهود الدولة في مجال حماية الشخص المسن ورفاهيته عبر مختلف الآليات والتراتيب الاجتماعية، من خلال الالتفاف حول القانون 10-12 من منظور متعدد الأبعاد والمقاربات، لإلقاء الضوء عليها، مع عرض كيفية تحديده للشروط وكيفيات منح بطاقة الشخص المسن وتنظيم الوساطة العائلية والاجتماعية لإبقائه في وسطه العائلي.

أكدت مديرة الخلايا الجوارية لفائدة الأشخاص المسنين، السيدة حورية بدني، أن التحقيق الوطني حول احتياجات الشخص المسن، أشار إلى وجود 21.448 مسنا ليست لديهم روابط، 2111.513 مسنا يعيشون في محيطهم الأسري، و82.184 مسنا لديهم روابط، أي أن 175.429 مسنا يعيشون في وسطهم الأسري، أي بنسبة 94 بالمائة. أما 10.719 منهم فيعيشون بمفردهم، أي بنسبة 6 بالمائة، وهي نتاج تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يوصي بالوالدين إحسانا وذوي القربى، وتم عرض نموذجي في كل من وهران وتيزي وزو، حيث أخذت مسنة للعيش في وسطها الأسري، وهي العمة التي اصطحبتها بنات الأخ المغتربات في عيد الأضحى الفارط، وحالة أخرى لعائلة محسنة تكفلت مسنة.

أكدت السيدة بدني أن من مهام الخلايا الجوارية، الاستماع خلال التحقيقات والزيارات الدورية التي تعتبر عاملا نفسيا مهما، وكذا الإعلام والمرافقة والتوجيه والوساطة الاجتماعية، ضمن سياسة تقريب الإدارة من المواطن، وتسهيل مهمة وصول المسن إلى مختلف الهيئات والمؤسسات والإدارات على المستوى المحلي والوطني، إلى جانب إجراء التحقيقات الاجتماعية من أجل إدماجهم في المنحة الجزافية المقدرة بثلاثة آلاف دينار جزائري.

احترام الوالدين واجب وعدم الحديث إليهما أذى

من جهته، تطرق ممثل وزارة الشؤون الدينية، الدكتور محمد إيدير بوشنان، إلى تطور الحياة الإنسانية وكيف يكون الشخص في أوج القوة، ليكبر بعدها ويهزل، مذكرا كل فرد بكبره وحاجته للآخرين في مرحلة الهرم، مشيرا إلى حرص الإسلام على حفظ الكرامة الإنسانية، وعلى رأسها الرعاية الاجتماعية للمسن، موضحا أن المجتمع المسلم مبني على الود والتراحم، مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد"، مذكرا بفضيلة الإحسان، التي قال إنه في ظل وجودها تكون الأمور بخير، من خلال تربية الناشئة على الإحسان من أجل ترسيخ هذه القيمة، أكد الدكتور أن من بين القيم التي تحمي المسن في الإسلام؛ المسؤولية، إذ قال المصطفى عليه الصلاة والسلام "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، مضفيا أن هذه المسؤولية لابد أن يتحملها الأفراد والجماعة والدولة كل من جهته، بغية بلوغ الهدف المنشود، كما كان عليه المجتمع الإسلامي في عهد العمرين، رضي الله عنهما، إذ كان الفاروق يحرص على إعطاء المسن من المسلمين وأهل الذمة حقوقهم من بيت مال المسلمين، ففي الشريعة الإسلامية أحكام تراعي حالة المسن من أجل التخفيف عنه في العبادات والطاعات وأخرى مكفولة له، إذ تدعو إلى رعاية الكبير القريب والبعيد أيضا.

أشار الدكتور إلى أن الرعاية مطلوبة بشقيها المادي والمعنوي، مذكرا بحق الآباء في الطاعة والاحترام، وأن لا يقال لهما "أف" كما قال تعالى، وأوضح أن ما جاء في تفسير الآية الكريمة، أن السكوت وعدم الحديث إليهما أيضا يسبب لهما الأذى، لذا يستوجب الحديث إليهما والاستماع إلى انشغالاتهما ومبادلتهما الكلام والعطف، لأنهما في حاجة ماسة إلى من يشعرهما بالاهتمام والحب الصادق في الكبر. توقف الدكتور في معرضه عند مجالس الصلح التي يقودها الأئمة لساعات متأخرة من الليل، لإعادة الأمور إلى مجاريها في الوسط الأسري، إلى جانب حرص المرشدين على مرافقة الكبار لأداء مناسك الحج والعمرة في أجواء من التراحم.

اختار الأخصائي في علم النفس الاجتماعي الدكتور خالد شنون، من جامعة الجزائر "2"، التطرق إلى متطلبات النمو في مرحلة الشيخوخة وعلاقتها بالتوافق النفسي والاجتماعي لدى المسنين، إذ أشار إلى أن معرفتها يساعد على خلق الإمكانات والبيئة الملائمة لتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي لدى هذه الفئة، حيث يعبر هذا الأخير عن رضا الفرد عن نفسه وانسجام حياته وخلوها من التوترات والصراعات النفسية، خاصة أن المجتمعات الحديثة شعارها "مجتمع لكل الأعمار"، والتي بموجبها يتم الانتقال من تصور خدمة المسن إلى الاستثمار ومشاركة المسن في تطور المجتمع.

أضاف الأخصائي "إذا كان المسنون يدركون أنهم موضع تقبل واحترام من الآخرين، فإن هذا الإدراك يجعلهم يعيشون شيخوخة قوية بدنيا ومتوافقة نفسيا، مع حاجة المسن إلى العيش في أمان مع النفس والآخرين والحاجة إلى التقدير والشعور بالعطف والمحبة، أي إشباع الجانب الوجداني، فالمسن بحاجة إلى أن يُحِب ويُحَب".

قدم الدكتور حليم مصطفى، أخصائي في علم الاجتماع العائلي من جامعة بوزريعة، في مداخلته، قراءة في البعد السيسيولوجي لقانون 10-12، وقال إنّ المسنين ينظر إليهم نظرة شفقة، على اعتبارهم الفئة التي انتهت صلاحيتها، فبعد أن دارت دورة الزمن تحول هذا الفرد الاجتماعي من قوة إلى ضعف في البنية الجسمية والحساسية المفرطة، وتقلص في شبكة علاقته الاجتماعية، بسبب التغير الذي يلازم كل المجتمعات، حيث يسعى المجتمع الجزائري من خلال السلطات المكلفة بالسعي المتواصل إلى تحسين المستويات.

من جهتها، أشارت الدكتورة بديعة كمال، أخصائية في العلاج الحركي إلى أن عدد المسنين في الجزائر بلغ ثلاثة ملايين مسن، والعدد مرشح للزيادة خلال الأعوام القادمة، مما يستدعي التكوين الجيد في مجال إعادة التأهيل الوظيفي، مع المرافقة السيكولوجية والعضوية وأخصائي العلاج بالتكييف اليدوي للمسن، إلى جانب تصحيح الاضطرابات في النطق والبلع، ونبهت إلى الدور الذي يلعبه العلاج الحركي في مساعدة المسن للحفاظ على عضلاته، وعدم تعرضها للضمور، مع تفادي المكوث طويلا بالفراش.