"المساء" تفتح ملف الإطعام المدرسي في ظل التهاب أسعار المواد الغذائية
تلاميذ محرومون..وجبات هزيلة ومموّنون في قفص الاتهام

- 2976

لايزال ملف المطاعم المدرسية يعرف العديد من النقائص، التي حالت دون توفير وجبات لائقة وذات قيمة غذائية للتلاميذ، سواء بالعاصمة أو باقي ولايات الوطن، خاصة بعد الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية الضرورية، التي جعلت الممونين إما يتخلفون عن تزويد المطاعم بما تحتاجه، أو مدها بسلع رديئة، فضلا عن نقص اليد العاملة المؤهلة، التي تحول دون تقديم خدمات في المستوى المطلوب رغم تعليمات السلطات بضرورة توفير وجبات صحية متكاملة، خصوصا بمناطق الظل، التي يبقى العديد من تلاميذها محرومين نتيجة غياب المطاعم عن مدارسهم؛ إذ تبقى نسبة التغطية بالإطعام المدرسي ضعيفة، فيما يطالب الأولياء والشريك الاجتماعي برفع قيمة الوجبة، وفرض رقابة على الأموال الضخمة التي تخصصها الدولة سنويا لإشباع بطون المتمدرسين.
يشتكي المكلفون بتسيير المطاعم المدرسية، من العديد من العراقيل والمشاكل التي تعيق السير الحسن لهذه العملية، وعلى رأسها غياب المؤطرين المؤهلين؛ ما يحول دون تقديم خدمات في المستوى بالمطاعم المدرسية، التي تعرف تذبذبا في النشاط من حين الى آخر، وبالتالي حرمان التلاميذ من وجبة ساخنة، خاصة ببعض البلديات والأحياء النائية، التي تستدعي تدخّل الجهات الوصية للنظر في هذا الملف، وتمكين المتدرسين خاصة المعوزين منهم، من الوجبة، بينما لم تتمكن عدة بلديات من توفير هذه الخدمة للتلاميذ بسبب غياب الأرضية لإنجاز هذه الهياكل؛ الأمر الذي حرم عددا كبيرا من التلاميذ من الوجبة، خاصة القاطنين في الأحواش ومناطق الظل المتواجدة بعدة بلديات، والذين يقطعون مسافات طويلة للالتحاق بمؤسستهم التربوية، واستحالة عودتهم إلى البيت لتناول وجبة الغداء؛ حيث تحوّل ذلك إلى هاجس بالنسبة للتلاميذ وأبنائهم.
نسبة التغطية بالإطعام لا تتجاوز 13 ٪ بالرغاية
تُعد بلدية الرغاية شرق العاصمة، أحسن دليل على حرمان آلاف التلاميذ من الوجبة، بمن فيهم القاطنون في الأحواش والأحياء النائية نتيجة ضعف نسبة الإطعام التي لا تتجاوز 13 ٪ من التلاميذ المتمدرسين في الابتدائي، حيث لا يتجاوز عدد المطاعم بهذه البلدية 7 مطاعم مقابل 33 مدرسة، أغلبها لا تتوفر على مطاعم. كما تتواجد 5 مطاعم من أصل 7 تشتغل بشكل عادي بسبب مشكل تسرب الغاز بمطعم مدرسة مولود بلقاسم نايت بلقاسم، وتعطل أجهزة التبريد في مطعم ثان بنفس البلدية، وهو ما أكده النائب المكلف بالمدارس ببلدية الرغاية سعد اللاهي عبد الناصر لـ "المساء"، الذي أشار إلى أن عدد الوجبات التي كانت تقدم انخفضت من 1800 وجبة إلى حوالي 900 وجبة بسبب نظام التفويج المعتمد منذ أزمة "كوفيد-19"، في حين تشهد المطاعم عجزا كبيرا في العمال؛ إذ يتم الاعتماد على أعوان متعددي الخدمات، بينما تبقى مدارس عديدة بدون مطاعم رغم أن نمطية البناء تفرض إنجاز مطعم في كل مؤسسة جديدة، غير أن المؤسسات التي أنجزت المدارس ضربت بذلك عرض الحائط، وسلّمت المشاريع الجديدة بدون مطاعم، يضيف المتحدث، موضحا أن من بين النقائص المطروحة، غياب عمال مؤهلين للمطاعم، والاعتماد على منظفات وعونات نظافة متعددة الخدمات للقيام بالمهمة، فضلا عن قدم وضيق بعض المطاعم التي هي بحاجة إلى إعادة تأهيل وتهيئة شاملة، على غرار مطعم بربار الضيق جدا، والذي يستقبل حوالي 100 تلميذ على 4 دفعات، للسماح لكل التلاميذ بتناول الوجبة عوض تقديم 400 وجبة يوميا دفعة واحدة؛ فمساحته صغيرة، وهو بحاجة إلى إعادة تهيئة شاملة من حيث الكهرباء والإنارة.
ومن جهة أخرى، تُطرح، حسب المكلف بالمطاعم المدرسية، بنفس البلدية، مشاكل مع الممونين، الذين أبرمت معهم اتفاقية، مدتها 3 سنوات، والتي تنتهي في ديسمبر المقبل، حيث أخلط ارتفاع الأسعار الأمور مع هؤلاء المكلفين بتزويد المطعم باللحوم، والخضر والفواكه. وتم التعاقد معهم على أساس الأسعار المعتمدة في 2018، غير أن التهاب الأسعار وضع الممونين في مشكل كبير، وسبب لهم خسائر خاصة في الفترة الأخيرة؛ إذ تم الاتفاق على تزويد المطاعم باللحم الأحمر بسعر 1200 دج للكلغ، واللحوم البيضاء بـ 350 دج للكلغ، غير أن هذه الأسعار لا وجود لها في السوق حاليا، وبعيدة جدا عن ثمن اللحوم، وهو ما أثر في نوعية الوجبة، ولم يتوقف التموين نهائيا، لكنه يتم على حساب النوعية في بعض الأحيان، كما يتم تزويد المطاعم بنوعية رديئة من المواد، يقول المتحدث.
تلاميذ الأحواش ينتظرون نصيبهم من الوجبة المدرسية
إذا كان عدد من تلاميذ بلدية الرغاية يستفيدون من الوجبة، فيبقى الكثير من زملائهم محرومين على مستوى عدة بلديات، بسبب غياب الأرضية التي تنجز عليها المطاعم، على غرار ما يسجل ببلديات خرايسية، وبئر خادم والرويبة، خاصة بالنسبة للتلاميذ القاطنين بالأحواش، الذين يقطعون مسافات طويلة مرهقة للالتحاق بالمدرسة، مثلما هو الأمر بالنسبة لتلاميذ حوش "لاصلاص" بالرويبة، الذين يدرسون بمدرستي محمد سرحان وحي 152 مسكن، اللتين لا تتوفران على مطعم مدرسي، مثلما ذكر أولياؤهم لـ "المساء"، مشيرين إلى أنهم يتناولون وجبة باردة وغير صحية مما يقتنونه من المحلات القريبة، لاستحالة عودتهم إلى البيت في منتصف النهار، وهو مشكل يشترك فيه العديد من أولياء تلاميذ مناطق الظل بعدة بلديات بالعاصمة، وبلديات أخرى عبر الوطن، حسبما صرح بذلك بعض الأولياء لـ "المساء"، الذين أشاروا إلى أن أبناءهم يستفيدون من وجبة باردة، تحولت، مؤخرا، إلى وجبة ساخنة، بكمية قليلة لا تسد رمق التلاميذ، كما أصبحت تخضع لنمط أسعار السوق؛ إذ يتم الاستغناء عن وجبات كانت مبرمجة مسبقا إذا ما ارتفع سعرها، ليتم استبدالها بوجبات أقل ثمنا.
مطعمان فقط بخرايسية في انتظار المزيد
لا يتساوى تلاميذ المدارس في الوجبات الغذائية التي تقدَّم لهم في المطاعم المدرسية، ففيما يتناول محظوظون بالبلديات الغنية بالعاصمة على غرار الرويبة، والدار البيضاء، والجزائر الوسطى وغيرها، وجبات متنوعة في بعض المؤسسات، لا يكاد يتعدى طعام الكثير من التلاميذ بمدارس أخرى، وجبة ضئيلة أو باردة تضم قطعة خبز، وحبة بيض مسلوقة، أو جبنا في ظل ضعف ميزانية بعض البلديات الفقيرة، على غرار بلدية خرايسية، التي تضم، حسبما صرح بذلك لـ "المساء" مولود دراجي رئيس لجنة الصحة، والنظافة والبيئة على مستوى المجلس الشعبي للبلدية، مشيرا إلى مطعمين فقط، مقابل 15 مدرسة ابتدائية، يتمدرس بها حوالي 9 آلاف تلميذ، يقدمان خدمات الإطعام المدرسي لتلاميذ مدرستي أميود وشيخ علي، اللتين تقدمان حوالي 1400 وجبة في اليوم، في انتظار فتح مطعمين بكل من مدرسة حي السلام وسيدي سليمان قريبا، بينما تبقى مدارس أخرى في حاجة ماسة إلى مطاعم، على غرار مدرسة حمدي ضياف عبدي مولود الواقعة بمنطقة نائية، ويحتاج تلامذتها إلى وجبات ساخنة، ومدرستي شرشاري بوعلام والعروسي حمود، حيث ينتظر التلاميذ فتح مطاعم تقدم وجبات لهم؛ إذ يقطع أغلبهم مسافات بعيدة يوميا إلى مقرات سكناتهم لتناول وجبة الغداء، غير أن المشكل المطروح هو النقص الكبير في العمال والوسائل المستعملة في إعداد الوجبة بسبب ضعف ميزانية البلدية، التي لم تمكنها من التكفل بتوفير اللوازم والوسائل الضرورية. وطالب المتحدث السلطات المعنية بتقديم الدعم للبلدية، والتكفل الأفضل بالإطعام المدرسي، وتوسيع الاستفادة منه لأكبر عدد من التلاميذ، خاصة أن نسبة التغطية بهذه الخدمة تبقى ضعيفة إلى حد الآن، في انتظار تقديم الدعم لإنجاز وفتح مطاعم أخرى؛ كون البلدية غير قادرة على تغطية الطلب.
نقص رهيب في العمال بمطاعم برج الكيفان
أما على مستوى بلدية برج الكيفان فلايزال مشكل العمال يُطرح بحدة، مثلما ذكر لـ "المساء" رئيس بلدية برج الكيفان قدور حداد، مشيرا إلى أن المطاعم المدرسية البالغ عددها 8 مطاعم، تسير بصفة عادية منذ الدخول المدرسي؛ إذ تم تزويد كل المؤسسات بخزانات للمياه تُستخدم في تحضير وجبة ساخنة للتلاميذ، الذين يبقى عدد كبير منهم بدون إطعام، والقاطنين في مختلف الأحياء، في انتظار فتح مطعمين جديدين ليصل عدد المطاعم إلى 10؛ من أجل توسيع نسبة الاستفادة. وذكر حداد أن مشكل نقص العمال يتصدر النقائص التي يعاني منها الإطعام المدرسي؛ إذ تم تعيين عاملين أو 3 في كل مطعم عوضا عن 7 عمال، والذين يتكفلون بإعداد الوجبة وتقديمها للتلاميذ وكذا عملية تنظيف المطعم، بسبب غياب التوظيف، الذي أدى إلى وجود نقص رهيب في هذا المجال.
نهاية العقد مع المموّن تهدد نشاط المطاعم ببئر خادم
نفس الانشغال يُطرح على مستوى بلدية بئر خادم، التي أكد رئيسها جمال عشوش لـ "المساء"، أن البلدية تضم 6 مطاعم مدرسية من أصل 23 مدرسة ابتدائية، فتحت أبوابها للتلاميذ مع الدخول المدرسي، بعد تزويدها بالتجهيزات والعتاد الضروري، وصهاريج المياه على مستوى كل المدارس والمطاعم، التي فتحت أبوابها في الأسبوع الثاني من الدخول؛ حيث تم تخصيص مبلغ مليار سنتيم لهذه العملية، ليبقى مشكل العمال مطروحا، ويرهن مصير إطعام التلاميذ وتقديم وجبات ساخنة. وظل المجلس الشعبي البلدي يطالب خلال مختلف اللقاءات مع الجهات الوصية، بتوظيف منظفات للتكفل بالمطاعم المدرسية، التي تعمل بصفة عادية ودائمة عوضا من عمال الشبكة الاجتماعية، الذين يعملون بعقد مدته محدودة. وقد يتذبذب نشاط المطعم في حال توقفهم عن العمل، مع فتح باب التوظيف لتعويض المتقاعدين، خصوصا بالنسبة لعمال النظافة.
أما المشكل الرئيس الذي تعاني منه البلدية على غرار العديد من البلديات، فهو الاتفاقية المبرمة مع الممون، والتي حُددت مدتها بـ 3 سنوات قابلة للتجديد؛ إذ تنتهي مدة العقد في ديسمبر القادم. وتجري حاليا إجراءات من أجل عقد اتفاقية جديدة تمتد إلى 3 أو 5 سنوات أخرى، حتى لا تتوقف المطاعم عن النشاط في عز فصل الشتاء.
منظفات لإعداد الوجبات المدرسية ببولوغين
من جهتها، تعاني بلدية بولوغين من نقص العمال المكلفين بإعداد الوجبات للتلاميذ، وهي المهمة التي أُسديت، حسبما صرح رئيس البلدية توفيق لوكال لـ "المساء"، لعاملات النظافة؛ حتى لا يبقى المتمدرسون بدون وجبة على مستوى 4 مطاعم، والتي يبقى عددها قليلا مقارنة بعدد المدارس التي بلغت 11 مدرسة على مستوى البلدية، معظم تلامذتها لا يستفيدون من الإطعام؛ إذ يُنتظر تسلّم مطعم مدرسة "الفجر 1" الذي أصبح جاهزا. كما انطلقت الأشغال لإنجاز مطعم بمدرسة الطيب العقبي، ومشروع آخر بمدرسة كنزة شريف صحراوي، لفتح المزيد من هذه الهياكل في حال توفر العقار على مستوى أغلب البلديات.
يُعد مطلبا ملحّا للأولياء والشريك الاجتماعي.. الداخلية تقرر رفع قيمة وجبة التلاميذ
شكّل رفع قيمة الوجبة الغذائية للتلاميذ، مطلبا ملحّا من أولياء التلاميذ والشريك الاجتماعي، بالنظر إلى ضُعف القيمة المعتمدة منذ سنوات، والمقدرة بـ 45 دج، خاصة مع الارتفاع الجنوني في أسعار جل المواد الغذائية، وما يطرحه ذلك من إشكال في ما يخص تموين المطاعم المدرسية. ويُنتظر أن يتم رفع قيمة الوجبة إلى 90 دج، والاستجابة لمطلب الأولياء والشريك الاجتماعي، بعد أن قررت وزارة الداخلية ذلك، وهو المشروع الذي أعلن عنه وزير الداخلية والجماعات المحلية كمال بلجود، نهاية الأسبوع الماضي، خلال لقائه بلجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني.
وقد شدد بلجود على الاهتمام بالمطاعم المدرسية، وحل كل المشاكل التي تعرفها بعض المطاعم، خاصة في التعليم الابتدائي. وأعطى أوامر للولّاة للتكفل بحل مشاكل المطاعم المدرسية المغلقة. يأتي هذا في وقت وجهت وزارة الداخلية والجماعات المحلية، مراسلة إلى الولاة ورؤساء الدوائر، أمرتهم، من خلالها، بمساعدة المؤسسات التربوية، خاصة الابتدائيات، في فتح المطاعم المدرسية، خاصة أن العديد منها متوقف بسبب عجز البلديات عن تسوية ديون الممونين. ويبقى أكثر من 5 ملايين تلميذ من مختلف الأطوار، بدون إطعام؛ بسبب رفض الممونين تزويد المؤسسات التربوية بالمواد الغذائية الأساسية نتيجة رفض البلديات تسديد ديون الممونين، بحجة عدم وجود الأموال الكافية لذلك.
زهية. ش
طالع أيضا/
* أمين عام "ساتاف" بوعلام عمورة: نطالب بلجنة للتحقيق في مصير أموال الإطعام المدرسي
* رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ علي بن زينة: ارتفاع الأسعار أحدث تذبذبا في المطاعم المدرسية
* الأمين العام لنقابة أساتذة الابتدائي محمد حميدات: ممونون يضخّمون الفواتير للربح على حساب التلميذ!