في سياق دولي متقلّب تزداد فيه التدخّلات والضغوطات
الجزائر سيّدة في قراراتها متمسّكة بثوابتها

- 194

❊ قرار سياسي مستقل يصنع داخل حدود الوطن وفق المصلحة العليا للدولة
❊ العمل على تحقيق الأمن الغذائي والمائي وتقوية الاقتصاد
❊ مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وتنويع الشركاء في مجال الدّفاع والطاقة
❊ دفاع مستميت عن القضية الفلسطينية
❊ ملف الذّاكرة لا يقبل التنازل أو المساومة
❊ الاحترام شرط للشراكة
❊ مبادئ سيادية غير خاضعة للمحاور الدولية
تتمسّك الجزائر بمبدأ السيادة في قرارها الوطني وحمايته من الوصاية والتبعية في ظلّ مشهد دولي معقّد ومتقلّب تزداد فيه حدّة التدخّلات الأجنبية في شؤون الدول، ويغلب عليه منطق القوّة على الدبلوماسية، رافضة الإملاءات الخارجية ومتمسّكة بنهج مستقل قائم على الثوابت الوطنية والوفاء للمبادئ، إيمانا بأنّ القرار السياسي المستقل لا يُصنع إلاّ داخل حدود الوطن وفق ما تمليه المصلحة العليا للوطن، وهو ما تجلّى خلال السنوات الأخيرة في العديد من المواقف والآراء المعبّر عنها إزاء قضايا داخلية، إقليمية ودولية.
يعتبر صون السيادة على القرار الوطني أحد أعمدة السياسة الخارجية والداخلية للجزائر، بعيدا عن الإملاءات وأشكال الوصاية والتبعية للخارج التي ترهن مواقف وآراء البلاد في ظلّ حالة التجاذب الدولي الحاصل، واختلال ميزان العلاقات وتغليب منطق القوّة على الحوار والمصالح الخاصة على مصالح الشعوب، حيث أكّد رئيس الجمهورية السيّد عبد المجيد تبون، في أكثر من مناسبة رفضه الاستدانة الخارجية حفاظا على قرارات الجزائر السيادية، معتبرا أنّ هذا الخيار يمثّل "انتحارا سياسيا".
في هذا السياق، دعّم تمسّك الجزائر بالسيادة في قرارها الوطني النابع من ثوابتها الوطنية، بإصلاحات مسّت العديد من القطاعات بالتركيز على الأمن الغذائي والمائي وتقوية الاقتصاد وإطلاق مشاريع هيكلية تتيح لها استغلال مواردها الباطنية خدمة للمصالح العليا للوطن، باعتبار أنّها محاور أساسية تمكّنها من البقاء بعيدا عن كلّ أشكال الوصاية والتبعية للخارج.
تجسّدت مواقف الجزائر التي تنمّ عن سيادتها في قرارها الوطني، خلال السنوات الأخيرة، من خلال مواقف سياسية واضحة، أبرزها ملف الذاكرة، الذي شدّد رئيس الجمهورية، بشأنه أنّه ملف لا يقبل التنازل والمساومة ويجب معالجته بجرأة لاستعادة الثقة مع مستعمر الأمس، وهذا من خلال استكمال الإجراءات والمساعي المتعلقة بهذا الملف الدقيق والحساس.
واسترجعت الجزائر أزيد من مليوني وثيقة تاريخية من فرنسا، في إطار عمل لجنة الذاكرة بين البلدين، حسب ما أفاد به، منسق فوج العمل الجزائري الدكتور محمد لحسن زغيدي، وهي اللجنة التي توقف عملها خلال الفترة الحالية بسبب الأزمة مع باريس.
وتأتي على رأس القرارات التي اتّخذتها السلطات الجزائرية تأكيدا لسيادتها تلك التي جاءت في خضم فصول الأزمة مع فرنسا، منذ التصريحات الرسمية الصادرة عن الطرف الفرنسي، والتي اعتُبِرت مسيئة للتاريخ والأمة الجزائرية، وتصاعدت عقب الاعتراف الفرنسي بالمخطط المخزني للحكم الذاتي كأساس وحيد لحلّ نزاع الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة، منتهكة بذلك الشرعية الدولية، ولعلّ أبرز هذه القرارات استدعاء سفير الجزائر من باريس للتشاور ومنع الطائرات الفرنسية من استخدام المجال الجوي الجزائري، إلى جانب طرد دبلوماسيين فرنسيين ورفض التدخل في قرارات العدالة الجزائرية ورفض استقبال مهاجرين غير شرعيين مرحلين قصرا من التراب الفرنسي دون احترام الإجراءات المتفق عليها في هذا المجال بين البلدين، وهي قرارات تحمل رسائل للسلطات الفرنسية مفادها "الاحترام شرط للشراكة".
في زمن الخذلان والتطبيع.. ثبات على دعم القضية الفلسطينية
من أبرز الأمثلة كذلك على تمسّك الجزائر باستقلالية قراراها السياسي الاستمرار في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته وعاصمتها القدس، في المحافل الدولية ومن خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، دون كلل ولا ملل في ظلّ الوضع الدولي الراهن، والتنديد المتواصل بالصمت والتقاعس غير المقبول لمجلس الأمن والمجتمع الدولي إزاء المأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والمطالبة بالمساءلة والعقاب وإنهاء حالة ازدواجية المعايير الغربية التي شجّعت الكيان الصهيوني على الإمعان في جرائم الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين، في ظلّ التخاذل وموجة التطبيع مع هذا الكيان.
كما يندرج أيضا اتّفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية الموقّع في الجزائر سنة 2022، في إطار استقلالية قرارها السياسي، ويعكس توجّها ثابتا في سياستها الخارجية، يتعامل مع القضايا على أساس المبادئ والمصالح القومية، ومبني على مرتكزات سيادية وتاريخية وغير خاضع للمحاور الدولية.
في هذا الإطار أيضا، تدافع الجزائر عن مواقفها بخصوص الأزمات في عدد من الدول، وعلى رأسها مالي وليبيا حيث شدّدت منذ البداية على رفضها للتدخّل العسكري الخارجي إلى يومنا هذا، مؤكّدة ضرورة الحوار وصياغة حلول محلية لهذه الأزمات.
ولعلّ من أبرز القرارات التي تمّ اتخاذها خلال السنوات الأخيرة، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وهو القرار الذي جاء بناء على تقدير الدولة الجزائرية لمصالحها وأمنها الإقليمي، كما يعكس استقلالية في تحديد المواقف الخارجية.
الموازنة بين الشراكة، الانفتاح والحفاظ على السيادة
كما يعتبر مسعى مراجعة اتّفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي خلال السنة الجارية، قرارا سياسيا-اقتصاديا سياديا يعكس اتّخاذ الجزائر لقراراتها بناء على مصالحها الوطنية ودون خضوع أو تبعية لضغوط خارجية، وينمّ عن ممارستها لسيادتها الكاملة في إدارة علاقاتها الدولية، بما في ذلك تعديل أو إعادة النظر في الاتفاقيات، وقدرتها على الموازنة بين الشراكة والانفتاح من جهة، والحفاظ على سيادتها من جهة أخرى.
ويندرج كذلك تنويع الجزائر لشركائها في مجال الدفاع والطاقة، ضمن استراتيجية تعزيز قرارها السياسي والسيادي، وتجلى ذلك في تنويع الموردين في مجال الدفاع لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي على غرار عقد صفقات مع الصين وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى، ونفس الأمر بالنسبة لمجال الطاقة.