‘’الفيرمة’’.. معلم تاريخي لصور لا تمحى

‘’الفيرمة’’.. معلم تاريخي لصور لا تمحى
  • القراءات: 2567
ع. بزاعي ع. بزاعي

 لم يكتف الاستعمار الفرنسي بحرب الإبادة والمجازر الجماعية والفردية في حق الشعب الجزائري بل وسعتها السلطات الفرنسية من سياسة القمع والتنكيل إلى الاستعانة بوسائل أكثر وحشية فقد طبقت أساليب التعذيب بأنواعه إدراكا منها أنها أنجع الوسائل لتركيع أمة بأكملها رفضت الاستعمار جملة وتفصيلا. 

ومن من أخطر الوسائل التي طبقتها القوات الفرنسية في الجزائر أثناء الثورة التحريرية لجوئها الى التعذيب باعتراف قادة جيش الاحتلال بممارسة التعذيب بمختلف أشكاله وأنواعه وألوانه وأنه لم يكن محصورا على أفراد جيش التحرير المقبوض عليهم بل شمل كل فئات الشعب الجزائري. 

 صور لا يزال المعلم التاريخي بباتنة فيرمة " ليكا" الضارب في عمق التاريخ يرويها و شاهدا على همجية الاستعمار الذي جعل منها مركزا لتعذيب الجزائريين والقهر الجسدي وتكمن هذا البشاعة في بقايا رفاة الشهداء التي ترقد بداخل أقبيتها التي تظل شاهدة على هذه الممارسات الدنيئة.

وفي ذكرى اندلاع ثورة نوفمبر الخالدة رصدت " المساء" انطباعات مجموعة من مجاهدي المنطقة الذين عايشوا الثورة التحريرية للوقوف عند هذه المزرعة التي كان الاستعمار يوظفها كمركز تعذيب في عمليات الاستنطاق والجرائم البشعة لإسكات الأصوات المنادية للتحرر وإخماد نار الثورة المظفرة.

وتعود تسمية هذه "الفيرمة"المزرعة للعمر الفرنسي "ليكا" الذي يستغلها منذ سنوات في الأعمال الفلاحية وتربية الماشية والأبقار تتوفر هذه المزرعة في الوقت الحالي بعدما خضعت لعمليات ترميم بعدما تم تحويلها إلى معلم تاريخي على 03 أضرحة تضم رفاة 15 شهيدا، فيما تم نقل 124 رفاة أخرى عثر عليها تحت الأرض و في مختلف أركان الفيرمة إلى مقبرة الشهداء في وقت سابق. 

ولهذه المزرعة حكايات طويلة مع التاريخ الذي نسجت خيوطه الأولى قصة الشهيد مسعودي العايب الذي دون اسمه باللوحة الرخامية عند مدخل المزرعة وبحسب رواية مجاهدي المنطقة فإن منطق الجلادين الذين تداولوا على المجاهدين والمناضلين الفدائيين اصطدم بطعنة خنجر كان قد تلقاه "ليكا" من احد رعاة المنطقة وهو الشهيد مسعودي العايب بعد ملاسنة كلامية دارت بينهما بعدما منعه من الرعي بالمنطقة وقد أجمعت روايات المجاهدين على أن الشهيد بعدما طعن "ليكا" التحق مباشرة بالمجاهدين بالجبال إلى أن استشهد في إحدى المعارك.

 كما كان الجلادون يستعملون من غرفة مطبخ المساجين بهذه المزرعة أول مكان لتعذيب الجزائريين المسجونين وتجاورها غرفة أخرى على شكل إسطبل وظفت لاحتجاز ما يفوق 300 سجين في تلك الحقبة من الزمن. كما تتوفر على برج مراقبة صغير بقاعة السجن المطلة على الخارج. ويعد المجاهدان أحمد بن ساسي الذي سجن بفيرمة "ليكا" سنة 1956 و المجاهد خلفي أحمد غيرهما من المجاهدين الأحياء أهم الشواهد الحية على همجية معاملة المساجين الجزائريين, فضلا عن ذلك روعي في هندسة المزرعة توظيف الحجارة المصقولة القديمة في جدرانها في شكل هندسي من ثلاث ساحات رئيسية الأولى تطل على الأضرحة. وفناء صغير يتوسط الساحة الأولى والثانية تحيط بها مجموعة امن الغرف التي كانت تستعمل كمكاتب ومطبخ صغير للجنود الفرنسيين من الجهة اليمنى.وفي الجهة المقابلة مجموعة إسطبلات وباب خلفي يطل على المزارع والحقول المجاورة. إضافة لبئر رميت بها عديد الجثث.

كما توجد بها نافورة حجرية كبيرة بها منبع صالح للشرب يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1948 أما الطابق الأول فقد وظفه القبطان وزوجته مقرا لسكنهما وبرجا صغيرا لمراقبة تحرك المساجين.

 ولئن الجميع من مجاهدي المنطقة الذين رصدنا أرائهم في عمليات التعذيب الوحشية سواء ممن عايشوا هذه الويلات أما الذين كان يسمعون عنها خزهم الموقف غير المشرف لجنود الاستعمار الذين مارسوا أبشع صور التعذيب بحسبهم في حق الجزائريين و أكدوا أن ذكرى اندلاع الثورة التحريرية فرصة للأجيال القادمة لاعتماد الثورة التحريرية كمرجعية تاريخية في وضع التصورات المستقبلية للبناء والتشييد والحفاظ على مكتسبات الثورة التي بفضلها ننعم بالحرية. واعتبروا في مجمل أحاديثهم إلينا بأنهم فخورين بإنجازات الثورة مهما ذاقوا من مرارة من اجل استرجاع السيادة الوطنية.