الباحث في التاريخ الأمازيغي محند أوبلقاسم خدام:

ينّاير وقفة للتوعية بهويتنا الوطنية

ينّاير وقفة للتوعية بهويتنا الوطنية
  • القراءات: 826
حنان. س حنان. س

يكتسي عيد ينّاير في المعتقد الشعبي، أهمية كبيرة، ويظهر ذلك من خلال مظاهر احتفالية بقيت متوارثة عبر الأجيال، ترتبط في مجملها بالأرض مثل ارتباطها بمجموعة من الأطر التاريخية والاجتماعية والثقافية الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية. ولا يقتصر إحياء هذا العيد على الأمازيغ أو «القبايل» مثلما قد يُفهم، وإنما يعمّ جميع فئات المجتمع ممن احتضنوا هذا العيد، الذي يرمز في جذوره إلى الانصهار في الهوية الوطنية، حسبما شرح لنا الأستاذ محمد أوبلقاسم خدّام الباحث في التاريخ الأمازيغي.

تشير الأبحاث المتخصصة حول التاريخ الجزائري، إلى أنه يعود لآلاف السنين قبل الميلاد، حينما كانت منطقة شمال إفريقيا تسمى بليبيا، ومعناها الدولة القوية، وهي نفس الدولة التي عاشت غازية لشعوب أخرى ولم يتم غزوها أبدا. كما عاشت مرتبطة بأرضها مترامية الأطراف من مصر شرقا إلى المغرب الأقصى وموريتانيا غربا، يشرح الأستاذ محند أوبلقاسم خدام في حديث لـ «المساء»، موضحا أن أحد الأعياد الممجدة من طرف الليبيين بمن فيهم شعب نوميديا الوسطى (الجزائر)، كان عيد ينّاير. 

 رصيد لكل الجزائريين بدون اختلاف

ينّاير في رمزيته عيد مرتبط بالأرض؛ حيث يعكس الرزنامة الفلاحية للأمازيغ، أي الحساب الأمازيغي الذي كان يبدأ في الرقم 12 وليس في 1، ويتجدد الشهر في كل 12 لمدة 12 شهرا في السنة الواحدة. أما في دلالته فهو عيد لتعزيز الوحدة الوطنية والمكونات الأساسية للمجتمع. «وبقي يناير عيدا لجميع الجزائريين الذين يحتفلون به بكل مناطق الوطن، وليس كما يشاع عن اختصار إحيائه لدى الأمازيغ أو القبايل، مثلما يطلق عليهم محليا»، يضيف المتحدث قائلا بأن كل منطقة من الجزائر تحيي رأس السنة الأمازيغية بين من يقدسه بدون معرفة جذوره الحقيقية؛ ما يعني أنه موروث، وبين من يعتبره رمزا حقيقيا للهوية الوطنية التي تعود إلى حوالي 3500 سنة قبل الميلاد.

وبعيدا عن الاختلافات التاريخية التي تربط عيد يناير بانتصار ملك الأمازيغ شيشناق على فرعون مصر في الزمن الغابر ومدى صحة هذا التأريخ من عدمها، فإن جوهر إحياء باب السنة الأمازيغية يعكس في حقيقته، الذوبان في الوحدة الوطنية، التي كان يلتفّ حولها الجزائريون خلال الحقبة الاستعمارية، ضمن نسق موحد يربط الشعب بأفراده، خاصة أن مظاهر إحيائه وإن كانت تختلف في الخصوصيات تبعا لكل منطقة إلا أنها كانت تتفق في العموميات مع ما يصاحبها من تقاليد، بإيقاد الشموع لإضاءة الأرجاء وتحضير «أمنسي نْينّاير»،الذي عادة ما يكون طبقا من الحبوب؛ إما كسكسي أو بركوكس أو فريك أو أرز أو فول أو حمّص بلحم الديك.

عيد لإحياء الهوية الوطنية ضمن نسق واحد

ويظهر من خلال الأبحاث حول حقيقة عيد ينّاير، مدى ارتباط الأسرة الجزائرية بإحيائه ولو بدرجات مختلفة، بين من يعطيه ضمن نسقه التاريخي، وبين من يعيطه بعده الثقافي والاجتماعي، بعيدا عن أي تأويل سياسي، يضيف الأستاذ خدام: «كلنا نتفق على أن جذورنا أمازيغية، تعود لآلاف السنين، ولكن ما ينقصنا هو التوعية المستمرة للأجيال المتلاحقة حتى تعرف حقيقة انتمائها وتفتخر به»،يقول المتحدث مؤكدا أن الدين الإسلامي لم يتعارض أبدا مع هوية وجذور الشعوب.

وعبر كل مناطق الوطن؛ من الشاوية والقبايل إلى بني ميزاب والطوارق وحتى أقصى الشرق وأقصى الغرب الجزائري، فإن كل الأسر تحيي هذا العيد باعتزاز، وتحت مُسميّات متنوعة وبعادات وتقاليد مختلفة، ولكنه يبقى رصيدا تاريخيا مشتركا، «يربطنا بتاريخنا وبهويتنا التي تصنع خصوصيتنا، وعلى الأجيال أن تفتخر بالمساعي التي حافظت على هذا الإرث الهوياتي، وتعمل من جهتها على حفظه»، يختم الأستاذ محند أوبلقاسم خدام الباحث في التاريخ الأمازيغي حديثه إلى «المساء».