الباحث في التاريخ محمد بن مدور لـ «المساء»:

ينّاير: الاحتفالات تخطت الحدود والقيود

ينّاير: الاحتفالات تخطت الحدود والقيود
  • القراءات: 1266
رشيدة بلال رشيدة بلال

ارتأى الباحث في التاريخ محمد بن مدور قبل الحديث عن البعد التاريخي للاحتفال بدخول السنة الأمازيغية الجديدة، تصحيح بعض الاعتقادات الخاطئة والمتفشية في المجتمع، التي تشير إلى أن هذا العيد مناسبة أمازيغية فقط، أي أنها تخص سكان منطقة تحديدا دون سواها، غير أن الأصح أن هذا العيد أو المناسبة التاريخية يُحتفل به منذ القدم بكل دول شمال إفريقيا؛ ما يعني أن يناير احتفال يتّسم بالعمومية. 

حيثما يتواجد الأمازيغ يكن احتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة، يقول الباحث بن مدور. ويضيف: «الاحتفال بدخول السنة الأمازيغية الجديدة بدأ تاريخيا في شمال إفريقيا، غير أن هذه الاحتفالية سرعان ما انتشرت لتمتد إلى كل من مصر وجزر الكاناري، وامتدت أيضا إلى بعض الدول الأوربية التي استوطن فيها البربر ودول المشرق العربي، ما يعني أن هذه الاحتفالية خرجت من المحلية،  واتسعت إلى كل مكان يسكنه البربر، مشيرا إلى «أن بداية التقويم الأمازيغي تنطلق حسابيا مع ميلاد القمر، الذي يعلن عن بداية سنة جديدة، حسبما أكدت بعض البحوث التاريخية».

بالرجوع إلى ما كتبه المؤرخون يقول الباحث بن مدور، «فإن كلمة يناير تنقسم إلى شقين؛ «ين» وتعني الرب الواحد «ير» أو ايور  أو «اغور» وتعني القمر. وبالحديث عن التقويم الفلاحي نجد أنه كان مرتبطا بالفصول التي تسبق التقويم الميلادي بثلاثة أسابيع؛ حيث نجد فصل الربيع أو «تافوست» ينطلق من 15 إلى 28 فورار. أما فصل الصيف فيبدأ من 17 إلى 30 مايو، في حين ينطلق الخريف من 17 «يوت»أوت»، ليأتي في آخر المطاف فصل الشتوة، كما يسميه الأمازيغ في 16 أوفمبر، كما سمي قديما.

كانت الاحتفالية بالسنة الأمازيغية فيما مضى، حسب محدثنا، تدوم عدة أيام متتالية، وكان لكل يوم خصوصية ومعتقدات وطقوس ترتبط به، فمثلا بالنسبة لليوم الأول، يجري جمع الأغصان الخضراء الندية، ويتم وضعها فوق قرميد المنازل تيمّنا بسنة خصبة، كما يتم أيضا تغيير كل ما هو قديم في البيت؛ على اعتبار أن السنة الجديدة ينبغي استقبالها بكل ما هو جديد؛ سواء تعلق الأمر باللباس أو الأواني الخاصة بتناول الطعام، يقول الباحث، ويضيف: «إلا أن الميزة التي كان يتم بها الاحتفال بالمناسبة في القرى والمداشر، تقوم على مبدأ التعاون «التويزة». وعلى مستوى العائلة  يجتهد الأفراد لإعطاء وجه جديد للمنزل؛  مثل تغيير الحطب والأحجار التي كانت تُبنى بها المنازل بالقرى قديما.  

كان للنساء دور مهم في احتفالية يناير،  حسب الباحث بن مدور؛ إذ كن يُلزمن بإنهاء أعمال النسيج قبل دخول السنة الجديدة. وفي ليلة يناير يتم تحضير طبق العشاء، الذي يشترط أن يكون متنوعا  ومشبعا، ولا يُعدّ إلا بلحم البهيمة التي يجري ذبها احتفالا بالمناسبة، وعادة الذبح كان منحصرا في الدجاج، ولعل من بين الطقوس التي كانت ولاتزال العوائل متمسكة بها عند الاحتفال بدخول السنة الأمازيغية الجديدة، الالتفاف حول «مثرد»  الكسكسي، وإن تخلّف أحد أفراد العائلة يتم غرس ملعقته بالصحن لتسجيل حضوره، وليحوز على نصيبه من الفأل الحسن بالسنة الجديدة، مشيرا إلى أن «ما يجري تناوله في اليوم الأول لدخول السنة الجديدة، يشترط أن يكون نباتيا، أما الفواكه فهي تلك المجفّفة كالتين «الكرموص». أما اللحم والبيض فيحضَّر في اليوم الذي يليه، غير أن البيض لا يؤكل وإنما يتم ربط حبة بيض بثوب كل  فرد. وفي اليوم الموالي تُرمى، وتبقى من الطقوس التي لا تفسير لها، يقول الباحث  ويعلق: «بعض التقاليد والطقوس في مجملها كانت ترمز للرفاهية والرخاء والتفاؤل، غير أن بعضها لم نجد لها معنى في المراجع التاريخية؛ ما يعني أن احتفالية يناير لاتزال تحوي على العديد من الخفايا والأسرار التي تتطلب البحث فيها؛ لأنها تعكس هوية المجتمع، وتبرز مدى الاختلاف من منطقة إلى أخرى في الاحتفالية؛ فمثلا سكان القبائل يسمون السنة الأمازيغية الجديدة «يناير». أما سكان القصبة خلال الفترة الاستعمارية فكانوا يطلقون على السنة الأمازيغية الجديدة تسمية «العجوز»؛ لأنه فصل يعكس انكماش وكآبة الجو وبرودته وانعدام الدفء فيه.