البروفيسور رضوان بوجمعة لـ”المساء”:

يجب تطهير المنظومة الإعلامية حتى ترافق الانتقال الديمقراطي

يجب تطهير المنظومة الإعلامية حتى ترافق الانتقال الديمقراطي
  • القراءات: 3535
حوار: شريفة عابد حوار: شريفة عابد

أكد البروفيسور بوجمعة رضوان، أستاذ بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، أنه يجب تطهير المنظومة الاعلامية من الفساد حتى تكون قادرة على مرافقة الانتقال الديمقراطي الذي فرضه الشعب، مشيرا إلى أن الإعلام العمومي بعد تغيير كل المنظومة القانونية الخاصة بالإعلام، سيكون أكبر ضامن لحق الجمهور في الإعلام، داعيا لتأسيس نقابة قوية للصحفيين تدافع عن حقوقهم المهنية والاجتماعية وتغيير الوضع البائس للكثيرين منهم، وتكون بمثابة سلطة رادعة لكل من يهدد حرية الصحافة وحق الجمهور في الإعلام، وهذا لمنع تكرار مظاهر الثراء الفاحش مستقبلا لبعض ملاك المؤسسات الاعلامية الخاصة الذين استفادوا من الريع الاشهاري العمومي والاعفاءات الجبائية ومستحقات الطباعة وغيرها من الامتيازات الاخرى على حساب الصحفيين.

® المساء: هل فعلا حرر الحراك الشعبي الإعلام الجزائري، وقلص  المسافة التي كانت تفصله في السابق عن مفهوم السلطة الرابعة؟

الصحيح ربما هو القول إن الحراك قام بتعرية الإعلام أمام الرأي العام، فالجماهير الواسعة لم تكن تعرف درجة تبعية المؤسسات الإعلامية ومسؤوليها لمختلف الشبكات والعصب التي تشكل منظومة الحكم، كما حدث بعد 22 فيفيري 2019.

كما انه لا يمكن الحديث عن الإعلام كسلطة رابعة في غياب السلطات الأخرى، فالسلطة التنفيذية غير موجودة لأنها كانت في سلطة الفرد الواحد، والسلطة التشريعية غير موجودة فهي عبارة عن غرفة تسجيل أصبحت بفضل الأغلبية البرلمانية لجنة أنصار لرأس الجهاز التنفيذي. كما أن الإعلام العمومي ـ للأسف ـ أرغم على لعب دور الدعاية لبعض وجوه الجهاز التنفيذي، في حين يدافع الإعلام الخاص عن مختلف الشبكات والعصب التي تقف وراءه.

® في تقديركم هل يمكن للإعلام ان يلعب دوره الكامل في المرحلة الانتقالية التي ستقبل عليها الجزائر؟

هناك أربعة تحديات كبرى يمكن أن تهدد الانتقال الديمقراطي، المال الفاسد، ضعف النخب السياسية، جهاز القضاء والمنظومة الإعلامية.

فالمال الفاسد يمكن أن يهدد حتى الأمن العام، وهو موجود في الكثير من الأجهزة الحزبية، وفي بعض المؤسسات الإعلامية لا سيما الخاصة منها، ويمكن القول وبدون أي تردد إن المنظومة الإعلامية بوجه عام غارقة في الفساد، لذلك من المؤكد أن هذه المنظومة الإعلامية إذا بقيت تعمل بالأدوات نفسها وبملاكها الحاليين وبالقوانين الموجودة لا يمكن إلا أن تكون أحد معوقات الانتقال الديمقراطي، بل وأهم المواقع التي ستستخدم في الثورة المضادة.

® ما هي المعايير التي لابد اتباعها حتى يلعب الإشهار دوره التجاري؟

أعتقد أن الإشهار، هو أحد أمراض المنظومة الإعلامية، فالسلطة السياسية بمختلف شبكاتها الاقتصادية والحزبية وغيرها، قامت بإغراق الساحة الإعلامية بصحف مكتوبة لا يقرأها حتى رؤساء تحريرها، ولا تطبع أكثر من ألف نسخة يوميا ولا يتم تسويقها، وكانت عبارة عن مساحات إشهارية، فالإشهار العمومي كان يوزع بالهاتف وبالتعليمات الفوقية على هذه الصحف، وشكلت مصدر اغتناء لشبكات في الصحافة وفي الإدارة التي تتدخل في مسار توزيع الإشهار العمومي.

إن بناء منظومة إعلامية مهنية يجب أن يمر بتغيير شامل للمنظومة الإعلامية، وبصياغة قانون للإشهار يحدد القواعد، وسلطة ضبط تحرص على ضمان حق الجمهور في الإعلام مع ضرورة فصل الإخبار عن الإشهار.

وحين ذاك فقط يمكن إخراج الإشهار من مجال الاستخدام كأداة للتضييق على الحريات ولضرب حق الجمهور في إعلام مهني بعيد عن الدعاية والتضليل.

® بعض رؤساء المؤسسات الخاصة حصدوا أموالا طائلة وامتيازات لا حصر لها من الإشهار العمومي، دون أن يستفيد الصحفيون من ذلك، والكثير منهم اليوم لم يحصلوا على أجورهم ومستحقاتهم، والكثير من الناشطين غير مؤمّنين اجتماعيا، ما هي اقتراحاتكم لتصحيح هذا الوضع البائس؟

لابد أولا من الفصل بين مصالح مديري ومالكي المؤسسات الإعلامية ومصالح المهنة والصحفيين، وما يعاب أن الكثير من الصحفيين ـ للأسف الشديد ـ لا يفرقون بين الأمرين فيتحولون إلى أدوات للدفاع عن مالكي ومديري المؤسسات الإعلامية، وهذه ليست مهمتهم، لأن مهمتهم الدفاع عن مهنتهم، وعن حقوقهم المهنية والاجتماعية، مع ضرورة الالتزام بالواجبات المهنية نحو الجمهور.

وهنا لابد من التأكيد أن الغالبية الساحقة من مديري ومالكي المؤسسات الإعلامية الخاصة يتمتعون اليوم بثراء فاحش بفضل ريع الإشهار والعفو الجبائي، وعدم دفع ملايير الدينارات من ديون المطابع وغيرها، بل والبعض منهم تخصص في تأسيس وغلق الجرائد دون دفع ديونه للمطابع، وغيرها من الممارسات الكثيرة التي يعرفها الصحفيون والصحفيات أحسن منّي.  لذلك أعتقد أنه حان الوقت لكي يختار الصحفيون نقابة قوية تدافع عن حقوقهم المهنية والاجتماعية، تكون بمثابة سلطة رادعة لكل من يهدد حرية الصحافة وحق الجمهور في الإعلام.

® ماهي مساحة التأثير التي تلعبها الصحافة المكتوبة اليوم في ظل الانتشار الأفقي للإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، وهل هي محكوم عليها بالزوال؟

تعيش الصحافة الورقية في الجزائر على غرار نظيرتها في العالم أزمة حقيقية، ففي الجزائر مثلا وبناء على دراسة نشرناها السنة الماضية، فإن سحب الصحف المكتوبة انخفض بأكثر من 65 بالمائة منذ 2012 إلى اليوم، وهذا راجع لأسباب عديدة منها تراجع المبيعات وانهيار الاستثمار الإشهاري، وانتشار الصحافة المجانية على الواب، والمنافسة غير المشروعة للقنوات التلفزيونية الخاصة على ما هو موجود من إشهار.

كما أن هذه الأزمة في بعض أبعادها تتعلق بعدم تمكن أرباب الصحف من التوفيق بين الورقي والإلكتروني وفشلهم في التحول الرقمي.

لذلك من المؤكد أن الكثير من الصحف الورقية ستموت حتما، خاصة وأن الكثير منها لا مهنية فيها.

® أخلاقيات المهنة المتعارف عليها وفق الميثاق العالمي لحقوق الإنسان تطبيقها نسبي في الجزائر؟

هناك الكثير من مواثيق أخلاقيات المهنة المتعارف عليها عالميا، من أهمها ميثاق ميونيخ، الذي يشكل مرجعية دولية مهمة لكل الصحفيين، وأول ما يمكن قوله إنه لا توجد صحافة حرة ولكن يوجد صحفيون أحرار، ولذلك هناك بعض الصحفيين يحترمون مهنتهم وأخلاقيات المهنة لكن الغالبية العظمى لا تلتزم بذلك لعدة أسباب أهمها غياب التكوين المستمر للصحفيين، وطبيعة المؤسسات الإعلامية التي تغرق في الدعاية وفي الإثارة والبعض الآخر في الفساد.

وقد نجم عن هذا الوضع ممارسة إعلامية تحول فيها الصحفي إلى شخص يؤدي دور المخبر ودور الشرطي ودور القاضي والمحامي، والملحق الصحفي والعون الإشهاري و الدبلوماسي والإمام و المناصر والمناضل وغيرها من الأدوار، فهو يمارس كل الأدوار تقريبا إلا دوره.

وقد شهدنا انتشار خطابات الكراهية والمساس بالكرامة الإنسانية والعنصرية والجهوية، والتمييز ضد النساء وغيرها من الخروقات والتجاوزات في حق مهنة الصحافة وفي حق الجمهور.

® تقييمكم لتجربة الإعلام السمعي البصري في الجزائر المكاسب والاختلالات؟

ما يجب التأكيد عليه في البداية هو أن المنظومة الإعلامية بوجه عام بحاجة إلى تغيير جذري بقطاعيها العام والخاص من أجل إحداث قطيعة تاريخية مع الدعاية.

أما عن القطاع السمعي بصري فبالنسبة للقطاع العمومي فهو يحتاج لتغيير بنيوي لإخراجه من الريع والدعاية للسلطة ورموزها، إلى إعلام يؤدي الخدمة العمومية، فالإعلام العمومي بعد تغيير كل المنظومة سيكون أكبر ضامن لحق الجمهور في الإعلام.

أما بالنسبة للقطاع الخاص فنحن أمام قنوات أجنبية بالمفهوم القانوني يتم تسييرها بشكل غامض، فلا يعرف الجمهور لا مصادر تمويلها ولا كيفية تحويلها للأموال للخارج من أجل دفع حقوق البث على الأقل، ولا يعرف هوية من يقف وراءها.

شخصيا ما أعرفه أن هذه القنوات التي بدأت سنة 2012 بدأت بإيعاز من أجهزة السلطة بغرض مواجهة ما كان يسمى بآثار رياح الربيع العربي، واستخدمت في هذا بشكل واضح من أجل المحافظة على الوضع الراهن.

كما أن هذه القنوات التي تمارس الإثارة والدعاية البدائية في غالبيتها، تنشر الكثير من الكراهية بين الجزائريين والجزائريات، وهي تقوم بقصف إشهاري لا يضبطه لا القانون ولا سلطة الضبط الموجودة خارج مجال التغطية المهنية والقانونية.

كما أن هذه القنوات في اغلبها مرتبطة ماليا بمختلف عصب وشبكات النظام من النواحي الاقتصادية والسياسية، وبعضها على علاقة مع الكثير من الأجهزة والأحزاب وغيرها، لذلك كانت كلها ودون استثناء مسايرة لحكاية العهدة الخامسة، والكثير منها يمارس الدعاية والتضليل منذ 22 فيفري إلى اليوم.

® ما هي في رأيكم سبل تحسين أداء الإعلام وحرية التعبير في الجزائر؟

ما يجب أن يعرفه الصحفيون والصحفيات هو أن حرية الصحافة من حرية المجتمع، ولذلك فإن حرية الصحافة مرتبطة بقواعد وأخلاقيات، وبأن الحق للوصول لمصادر المعلومات هو أمر أساسي.

ولهذا حتى نتمكن من تحييد الفساد الإعلامي وحتى لا يعيق الانتقال الديمقراطي، لا بد من تغيير كل المنظومة القانونية الخاصة بالإعلام بفتح نقاش وطني لقطع كل الأذرع الإعلامية لمنظومة الفساد المالي والسياسي التي تتربص بانشغالات الجماهير، وتمهد الطريق لإعادة إنتاج منظومة سياسية انتهت تاريخيا وأصبحت تشكل خطرا على الدولة، والنسيج الاجتماعي وعلى وحدة الأمة.