أوّل رئيسة تحرير في الجزائر بريزة برزاق :
يجب تحرير المرأة من منطق "الواجهة الجميلة"

- 1718

تعتبر السيدة بريزة برزاق جهازا إعلاميا قائما بذاته، طلبتها أشهر المحطات الأمريكية والبريطانية والعربية بعدما اطّلعت على إمكانياتها الجبارة كصحفية من العيار الثقيل، لكنّها تجاوزت الإغراءات واختارت حضن أمها الجزائر، وعبّرت في جلسة حميمية مع "المساء" عن ضجرها مما تلاقيه المرأة الإطار من تهميش وإقصاء، داعية إلى ضرورة احترام المرأة الكفؤ وإعطائها مكانها المناسب من المسؤولية بدل الاكتفاء بجعلها مجرد واجهة جميلة في المشهد العام.
❊❊ تمثلين منحنى مهما في مسار الإعلام عندنا فكيف تمكّنت من ذلك ؟
— دخلت عالم الإذاعة سنة 88 كصوت يمثّل جيل الشباب وكان ميلي شديدا للسياسة باعتباري خريجة علوم سياسية وبتفوّق، وهكذا خضت العمل الميداني عبر مختلف الأنواع الصحفية، بعدها بسنوات أصبحت كاتبة تعليقات وتزامن ذلك والعشرية السوداء التي تواكبت معها وظللت أزرع التحدي ورفع الهمم من خلال وقفات يومية جريئة، ثم في سنة 99 أصبحت رئيسة نشرة ثم رئيس تحرير مكلّفة بالحصص ثم الروبورتاجات الطويلة، وفي كل هذا بقيت الممارسة الصحفية هي المطلب وليست المناصب، علما أنّني أوّل امرأة رئيس تحرير في تاريخ الإذاعة الوطنية منذ الاستقلال .
أعتز بحصة "تحوّلات" (2002-2012) ثم "إضاءات" ثم حاليا "فوروم الإذاعة" الذي يعمل على تكريس الإعلام المؤسساتي، وطبعا كانت من أنجح البرامج، وأنا متيقّنة أنّ الإعلام الهادف لا بد أن يحقّق رسالة وهدفا وإلا أصبح فاشلا حتى ولو امتلك صحفيين أكفاء .
بعض حصصي أثارت الجدل السياسي وفتحت السجالات بين المسؤولين وتجاوز النقاش الأستوديو، وقد أحرج مسؤولين كبار في سابقة لا مثيل لها لكن كلّ ذلك خدم الصالح العام، كما غيّرت رأي مسؤولين كبار عن الإعلام منهم يزيد زرهوني الذي قابلته في إحدى زيارات الرئيس إلى الولايات وأجرى معي حوارا في 40 دقيقة وهكذا فرضت نفسي بعملي وبكتاباتي التي أحاول من خلالها تقديم المعلومة وخلفيتها للرأي العام.
❊❊ تخصصت في الإعلام السياسي فكيف تقيمين واقعه اليوم ؟
— أراه انعكاسا لمشروع مجتمع، لكنه عندنا ضيق الأفق ومنحصر في الانتماءات الحزبية والولاءات والمصالح والمواعيد الانتخابية على حساب المصلحة العامة والرهانات الكبرى والنضال، لذلك أصبحنا نشهد خطابا منحطّا ورداءة سياسية وغياب المبادرات التي تتوافق وطموحات المجتمع، كما أنّ الخبراء لا يولون المناصب السياسية، وبهت حضور القيم والقدوة والكاريزما وبالتالي فإنّ هذا الدستور الجديد يتطلّب كفاءات وممارسات جديدة وقناعات قادرة على العطاء وعلى خطاب مقنع.
❊❊ ماذا عن تجربتك خارج الوطن ؟
— كنت أوّل جزائرية اقترح علي العمل في فضائيات عربية مع بداية التسعينيات لكني آثرت البقاء هنا وفي سنة 94 أجريت تربصا بهيئة البي بي سي وعرض علي العمل فيها لأني رفضت وعدت وبعدها بسنة سافرت إلى الولايات المتحدة وتربصت في عدة محطات منها "فوكس" و"سي آن آن" وقمت بإلقاء محاضرة بالانجليزية بطلب من مجلس العلاقات الخارجية حضرها كبار الساسة في العالم وكانت عن الحركات الإسلامية في شمال إفريقيا والوطن العربي عموما" واستمرت لـ20 دقيقة وعندما انتهيت طلبوا مني الإقامة بأمريكا وقدموا لي واجب الضيافة وكل التسهيلات الممكنة وشجعني على ذلك عضو من الفدرالية الدولية لحماية الصحفيين لكني رفضت واعتبرت ذلك هروبا وعدت للجزائر وهي في أوج الأزمة .
❊❊ هل تعتقدين أن المرأة عندنا وصلت إلى الريادة ؟
—لا أعتقد ذلك، فعلى الرغم من أنّ المرأة قد تفوق في مستواها الرجل وبكثير، لكنها تصنّف في نفس مرتبته وأحيانا توضع في منصب ما للزينة فقط، حتى تجمّل المشهد ليس إلاّ والسبب في كلّ ذلك تسلّط المجتمع الذكوري، فبالنسبة لي مثلا عانيت من محاربة كفاءتي علما أنني مقتنعة أنّ الكفاءة ليست مرتبطة بجنس لكن الأكيد أنه إذا ما نجحت المرأة فإن كلّ المجتمع سينجح.
من جهة أخرى، فإنه طوال مشواري لم يعرض عليّ أيّ منصب سياسي على الرغم مثلا من أنّني كنت سنة 97 من الأعضاء الأوائل المؤسّسين للأرندي أي كنت أوّل امرأة، وساهمت في صياغة البيان الأوّل للحزب بعدما وضعت الأسرة الثورية ثقتها فيّ باعتباري ابنة مجاهد، لكنني سرعان ما انسحبت وخرجت في المهد بعدما تأكّدت أنّ شعار المناصفة غير مجسّد .
أرى أنّه على قدر ما تقدمت المرأة في العمر تنضج سياسيا وتكون فاعلة أكثر لكن عندنا الخبرة تهمّش، كما حرصت دوما على رفض مناصب البريستيج التي لا تخدم البلد ولا تترك لأصحابها بصمة في الوجود، وتقلقني مناصب الاستشارة والتي تجعل أصحابها نياما في عزّ الظهر، فالقرار يصنع بالكفاءة والجرأة التي يفتقدها هؤلاء المساكين الذين لا تهمهم سوى العلاوات، وبالنسبة للبعض الذين رأيناهم لا يحضرون سوى في بداية ونهاية دورات المجالس مما يزيد العبء على الدولة، وأفكّر حاليا في هجرة القطاع بعد 4 سنوات لأنسحب من خلال التقاعد .
❊❊ ألا ترين أنك متحاملة على جنس الرجال سيدتي الكريمة؟
— بل بالعكس تماما، فليس هناك أعزّ من والدي رحمة الله عليه الذي دفعني دفعا للنجاح والبروز تماما كالرجال، وليس أعزّ من زوجي الذي منحني الثقة وواساني وكان ظهري وأزري الذي واجهت به كلّ الصعاب والذي ضمن لي الاستقرار العائلي مع الأبناء، لكني ضدّ الفشل وضدّ التمييز الجنسي وضدّ الرداءة حتى ولو تجسّدت في المرأة نفسها، فأنا لا أطلب سوى أن تعطى للمرأة حقوقها المشروعة التي تفرضها الخبرة والتكوين والكفاءة وليس شيئا آخر.
❊❊ كلمتك الأخيرة في عيدك العالمي
— الحمد لله على كلّ ما حقّقته طوال مشواري رغم هذه الظروف المضبطة وأفتخر كامرأة أنّه التزمت طول عمري بأخلاقي التي حصّنتني من أيّة مساومات وعلى مبادئي التي منحتني المصداقية وكذلك على الاحترام الذي فرضته بسلوكي وعملي ومؤهلاتي .
صحيح أنّني أتعامل مع الحدث ومع الملفات من سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، لكنني متفتّحة على الغير وعلى مجتمعنا وأحبّ خفة الروح والسمر وتجدني اقتحم الجلسات وأتكيّف معها لأشارك في النقاش أو "القسرة"، كما أنّ لي قدرة عجيبة على محو كلّ ما فات لأنساه في اليوم الموالي وإلى الأبد ولا أخطط ولا أتوجس خيفة من المستقبل بل أتمتع باللحظة، ولا أحب الخصام والحقد والمشاكل وهي كلها أمور تضمن الاستقرار والطمأنينة وروح الشباب ونبض الحياة.