«المساء»ترافق فرقة مراقبة النّوعية وقمع الغش بالعاصمة

وجبات بـ«الكيروسيد»المسرطن ومشروبات بـ«لاسبارتان» الكيمائية

وجبات بـ«الكيروسيد»المسرطن ومشروبات بـ«لاسبارتان» الكيمائية
  • القراءات: 3706
زهية.ش  زهية.ش

بالرغم من النشاط المكثف الذي تقوم به مصالح الرقابة وقمع الغش بولاية الجزائر، وتدعيم الأعوان المكلفين بهذه المهمة، والمخالفات التي يحررونها فإن التجار لا يجدون حرجا في عرض مواد غذائية للبيع بطرق غير قانونية، كما أصبحت صحة الكثير من المستهلكين في خطر نتيجة لعدم احترام شروط النظافة داخل المطاعم ومحلات الأكل السريع و«البتزيريا»، التي يديرها ويعمل بها أشخاص يجهلون أبجديات الإطعام، ويحضرون وجبات بمواد تسبب أمراض خطيرة كالسرطان وغيرها، فضلا عن الغش في تركيبة مواد أساسية كالحليب ومشتقاته، وأشياء مضرة أخرى اكتشفتها «المساء» في جولة مع أعوان مراقبة الجودة وقمع الغش في بعض أحياء العاصمة، ووقفت من خلالها على تجاوزات صادمة، ننقل بعضها في هذا الروبورتاج.  

  ففي الوقت الذي أصبح أغلبية الجزائريين ومنهم سكان العاصمة على اختلاف أعمارهم، مولعين بالأكل الجاهز والسريع بالمطاعم ومحلات «الفاست فود» التي انتشرت بشكل ملفت للانتباه، فإن أصحاب هذه المحلات لا يبالون بصحة زبائنهم، ويقدمون لهم أكلا مسموما وغير صحي، والدليل هو ما لاحظناه في إحدى محلات الأكل السريع بالأبيار، الذي بدت على صاحبه علامات القلق والارتباك بمجرد دخول فرقة المراقبة وعلى رأسها العياشي دهار، ممثل مديرية التجارة لولاية الجزائر، الذي يعرف كل صغيرة وكبيرة عن هذه المحلات التي زارها عدة مرات ووبخ أصحابها، ولا يتوانى في إحراج التجار باستفساراته وتفانيه في آداء مهمته، حيث يراقب كل شيء من شأنه الإضرار بصحة المواطن لكنه يكتشف كل مرة إصرارهم على الاستخفاف بصحة زبائنهم، والبحث عن الربح السريع مثلما حدث بالنسبة للزيت المستعمل في قلي البطاطا، والذي شكل مفاجأة بالنسبة إلينا، فقد أصبح لونه أسود بسبب استعماله المتكرر، حيث واصل صاحب المطعم استخدامه لولا ضبطه من قبل ممثل مديرية التجارة الذي أمره برميه على الفور لأنه أصبح ساما نتيجة لارتفاع نسبة مادة «الكيروسيد» فيه، والتي تسبب أمراضا خطيرة منها الأمراض السرطانية.

ملابس وأحذية بأماكن الطهي وتخزين الأغذية

ولم تنته لامبالاة أصحاب محلات الأكل السريع عند هذا الحد، حيث كانت الصورة مقززة أيضا في إحدى المحلات التي وقفنا عليها نتيجة لعدم احترام شروط وقواعد النظافة بأحدها، حيث شاهدنا وضع ملابس العمال وبعض أحذيتهم داخل أماكن تخزين المواد الغذائية، وحتى داخل المطبخ معلقة هنا وهناك بالقرب من مواقد الطهي، وما يثير الاستغراب أكثر هو مؤازرة وتضامن بعض الزبائن الذين كانوا متواجدين لحظة التفتيش مع صاحب المحل، وتوسلهم لدى ممثل التجار كي لا يعاقبه وينجو هذا التاجر المتهاون من العقاب الذي عادة ما يتوقف عند الاستدعاء بسبب «الوساطة» وتدخل أطراف نافذة تحول دون ردع هؤلاء، وهو العائق الحقيقي الذي يحول دون وضع حد لتهاون التجار، الذين يضرون بصحة المستهلك، اذ يشتكي أعوان الرقابة وقمع الغش على المستوى الوطني من الوساطة التي تحول دون تطبيق القانون بصرامة، وغلق محلات أولئك الذين يتم ضبطهم متلبسين بعدم احترام شروط النّظافة والحفظ والعرض وغيرها.

صراصير وحشرات ناقلة للجراثيم بـ«الفاست فود»

وبمحل آخر مختص في الأكل السريع كنّا شاهدين على تهاون آخر يتعلق بحفظ الدجاج المحضر للطهي بمبرد تنعدم به أدنى شروط النظافة، واستعمال أواني بلاستيكية غير غذائية وغير نظيفة في تحضير حشو الدجاج، رغم أن القانون يمنع منعا باتا استعمالها لأن أكثر المحلات إضرارا بصحة المستهلك الجزائري تلك المختصة في الأكل السريع مثلما شاهدنا في جولتنا، فبعضها أصبحت الصراصير لا تفارقها رغم أن هذه الحشرات تنقل الجراثيم، حيث كانت الصورة صادمة فعلا بإحدى المحلات التي قدمت «سندويشا» محشوا بصرصور لزبونة بحي لاكروا بالقبة، وهو أكبر دليل على التهاون واللامبالاة بصحة المستهلك، مثلما أكد العياشي دهار، مشيرا إلى أن الكثير من أصحاب المحلات لا يلتزمون بما جاء في القانون لا من ناحية النظافة ولا العمال، حيث يوظفون عمالا دون قيامهم بالتحاليل الطبية التي تؤكد صحتهم وسلامتهم لأنهم قد ينقلون المرض للمنتوج والمواد المستعملة في المطعم، وحتى الوجبات المعدة خاصة في حالة السعال وعدم غسل اليدين، كما أنهم لا يلتزمون بلبس الهندام اللائق، كما جلبت طريقة حلاقة أحد العمال المكلف بقلي البطاطا الانتباه كون شعره كان متدليا على وجهه، ما دفع فرقة المراقبة إلى مطالبة صاحب المحل بإلزامه بوضع قبعة تمنع سقوط شعرات منه داخل الأكل. 

غادرنا محلات الأكل التي وجدنا بعضها اكتست حلّة جديدة ومجهزة بطاولات وكراسي جديدة تريح الزبون تنفيذا لقرار والي ولاية الجزائر عبد القادر زوخ، وخوفا من الإجراءات الردعية المتمثلة في الغلق، وتوجهنا إلى بعض محلات بيع اللحوم البيضاء التي لم تكن أفضل من تلك المختصة في الأكل، منها واحد ببلدية حسين داي الذي كانت الرائحة به تحبس الأنفاس لقلة النظافة وبيع الدجاج بأحشائه، رغم أن القانون يمنع ذلك ويشترط أن تكون درجة الحفظ أربع درجات مع وضع شهادة الوسم تتضمن تاريخ مكان الذبح الذي يجبر التاجر على رمي اللحوم البيضاء بعد أربعة أيام من تاريخ الذبح، وهو ما لا ينفذه أغلب التجار مثلهم مثل بائعي المرطبات وتجار المواد الغذائية العامة، منها المياه والعصائر ومختلف السوائل المعلبة في البلاستيك، والتي تعرض خارج المحل تحت أشعة الشمس رغم خطورتها مما جعل فرق المراقبة وقمع الغش تقف بالمرصاد للمخالفين للقانون.

محليات مركزة في المشروبات وغش  في تركيبة الحليب

غير أن الأخطر من ذلك هو ما أكده لنا ممثل مديرية التجارة العياشي دهار، والمتعلق بالغش في كمية وتركيبة المنتوج، ووضع مكونات منتهية الصلاحية داخلها، وعرض للبيع منتوج فاسد، والغش في مواد أساسية كالحليب ومشتقاته وغيرها من قبل بعض عديمي الضمير، الذين بدلا من وضع 26 بالمئة من مادة دسمة في الحليب يتم بعد التحاليل اكتشاف الغش في الصفات الجوهرية للمنتوج ونوعيته، رغم أن مادة الحليب حساسة ويستهلكها بصفة أكثر الأطفال منهم الأقل من 16 سنة الذين يحتاجون للمواد الدسمة الموجودة في هذا المنتوج، الذي يؤدي الغش فيه أو في مشتقاته إلى اضطراب النمو عند هذه الفئة، وهي من بين المخالفات الخطيرة التي تضبطها فرق المراقبة إلى جانب الغش في تركيبة المشروبات التي تستعمل محليات مركزة منها مادة «لاسبارتان» بدلا من السكر، وهي -يقول العياشي دهار، وزملاؤه بمديرية التجارة لولاية الجزائر- مادة كيميائية تعطي ذوقا حلوا لبعض المواد، وتوضع منها كمية محددة وحسب البطاقة التقنية لكل منتوج غير أن بعض المنتجين لا يصرحون بهذه الكمية، ويضعون نسبة كبيرة منها عوض السكر رغم أن مادة «لاسبارتان» ممنوعة على الأطفال الأقل من ست سنوات، وهي تستعمل أيضا في بعض الحلويات والمرطبات والعصائر والمشروبات الغازية التي تستهلك بكثرة من طرف العائلات الجزائرية، خاصة بعض المنتجات الجديدة المصنوعة خارج العاصمة داخل محلات غير معروفة وبعناوين خاطئة ومجهولة لتضليل فرق المراقبة وقمع الغش، الذين عادة ما لا يجدون لا المنتوج وعنوان المصنع عند تنقلهم للتفتيش، كونها قد تكون مصنوعة داخل مستودع أو منزل دون الاعتماد على الشروط الضرورية لأن هم صاحبها هو الربح بطريقة أو بأخرى ما يعرضه لمخالفات ويطبّق عليه باب الجنح من الناحية القانونية لأن الغش في التركيبة وفي النوعية والصفات الجوهرية للمنتوج يشكل خطرا حقيقيا على صحة المستهلك الذي تأتيه مختلف الأمراض من معدته مثلما قال الرسول ص«:«المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء»، ما يجعل المواطن أكثر حذرا  مما يستهلك، بينما تبقى الصرامة سيّدة الموقف عند أعوان المراقبة وقمع الغش الذين رافقناهم والذين أكدوا أنهم لا يتسامحون عندما يتعلق الأمر بصحة المستهلك.

ممثل مديرية التجارة لولاية الجزائر العياشي دهار لـ«المساء»: سنقف بالمرصاد لكل التجار المخالفين

أكد ممثل مديرية التجارة لولاية الجزائر العياشي دهار، لـ«المساء» أن مصالح الرقابة وقمع الغش، تقف بالمرصاد لكل التجار وأصحاب المحلات المتهاونين الذين يخالفون القانون، مشيرا إلى أن مصالحه سوف لن تغض الطرف عن المخالفات، خاصة أن الأمر يتعلق بصحة وسلامة المستهلك.

وأشار المتحدث إلى دور أعوان الرقابة وقمع الغش في الحد من المخالفات من خلال البرنامج السنوي الذي تسطره مديرية التجارة لولاية الجزائر، وتنفذه الفرق المتواجدة عبر مختلف الدوائر الإدارية، التي يكفي عدد أعوانها الذي يفوق ألف عون منهم أعوان قمع الغش والتحقيقات الاقتصادية للقيام بالمهمة على مستوى 13 مفتشية للتجارة، منها أعوان مكلفون بالرقابة من أجل الحفاظ على صحة وسلامة المستهلك وقمع الغش.

وذكر المتحدث أن فرق الرقابة لها دور كبير في قمع الغش وحماية المستهلك غير أنه ليس من السهل تطبيق القانون، وأن ذلك لا يتم إلا بشق الأنفس، حيث يجب أن تتوفر الخبرة والمتابعة في الميدان لكشف المتلاعبين بصحة المستهلك وحمايتها، والحفاظ على نوعية المنتوج المعروض للبيع وكذا الاقتصاد الوطني.

وفي هذا الصدد أوضح العياشي دهار، أن مصالح قمع الغش تخضع للرقابة كل منتوج معروض للبيع ولا تتوانى أيضا في مراقبة مختلف الخدمات على مستوى المطاعم ومحلات الأكل السريع والفنادق وغيرها، معتبرا أن النظافة هي الحلقة الأساسية فيما يخص الرقابة، وذلك من خلال مجموعة من القوانين التي تتحدث عن هذا الجانب، وخص بالذكر المرسوم التنفيذي 91-53 الصادر في 23 فيفري 1991 المتعلق بالشروط الصحية المطلوبة عند عرض السلع، الذي يتحدث فقط على النظافة بما فيها نظافة المحلات والشروط الصحية المطلوبة في الخدمات والمحل والمستخدمين، حيث ينص هذا الأخير على ضرورة نظافة المحل وتهويته، نوعية المنتوج وشهادة بيطرية تثبت سلامة الذبح بالنسبة للدواجن والأبقار والعجول وغيرها التي يجب أن تكون مذبوحة بطريقة قانونية، ولحمها يحمل وسم البيانات الضرورية الخاصة به وذكر اسم المذبح وتاريخ الذبح.

من جهة أخرى أشار المتحدث، إلى أن المحلات التجارية التي تقدم خدمات يجب أن تلزم العاملين لديها وتخضعهم للرقابة الصحية، وقيامهم ببعض التحاليل وحصولهم على شهادة طبية تثبت سلامتهم، حيث يعبر الإخلال بهذه الإجراءات من بين النقائص التي تدخل في تكييف المخالفة وعدم احترام شروط النظافة، خاصة بالنسبة لمحلات الأكل السريع والمطاعم، والمخابز التي كانت في السنوات الماضية، حدث ولا حرج ـ يقول محدثنا ـ مؤكدا أن الأخيرة شهدت تحسنا كبيرا بفضل العمل الكبير الذي تقوم به مصالح الرقابة وقمع الغش، غير أنه سجل بعض النقائص على غرار عرض هذه المادة للبيع عند مدخل المحل دون وضعها في خزانة مثلما ينص عليه القانون، حيث يباع الخبز داخل السلّة عرضة للغبار وبيعها ما يعرض التاجر في حالة عدم احترام شروط النظافة للمتابعة قضائية، ومنحه حرية الاختيار إما أن يقبل غرامة المصالحة التي تساوي 30 مليون سنتيم، يدفعها مع توجيه إعذار كتابي لمرتكب هذه المخالفات للقضاء نهائيا على هذه النقائص وإما متابعته قضائيا ويحال على الجهات المختصة إقليميا إذا رفض غرامة الصلح.

وحسب دهار، فإن الإجراءات قانونية وردعية في نفس الوقت، خاصة عندما يتعلق الأمر بغذاء الجزائريين «الذي لا يمكن السكوت عن التجاوزات التي تمسه»، حيث تم غلق العديد من المحلات وحجز كميات معتبرة من مختلف المواد خلال السنة الفارطة، من قبل مصالح الرقابة وقمع الغش التي تمكنت من حجز 191.409 طنا في2016، منها 170.882 طنا من المواد الغذائية و20.527 طنا من المواد الصناعية، بينما وصل المبلغ الإجمالي للمحجوزات خمسة ملايير و652 مليون سنتيم خلال تدخلات فرق مراقبة الممارسات التجارية والنوعية وقمع الغش التي بلغت 190806 تدخلا في السنة، حيث تعرض 29646 متعاملا اقتصاديا لمتابعات قضائية، واقتراح غلق 1283 محلا، كما تم اقتطاع 410 عينة من أجل تحليلها منها139 تحليلات فيزيوكيميائية و101 ميكروبيولوجية مطابقة للمعايير أي بمجموع 240 عينة مقابل 170 أخرى غير مطابقة، منها 60 فيزيوكيميائية و110 ميكروبيولوجية.