سؤال كبير عما يأكله الجزائريون

هل غذاء الجزائريين .. صحي ؟

هل غذاء الجزائريين .. صحي ؟
  • القراءات: 2085
 نسيمة زيداني / نور الهدى بوطيبة نسيمة زيداني / نور الهدى بوطيبة

هل يأكل الجزائريون غذاء صحيا ؟ بصيغة أخرى هل يضطر الجزائريون إلى حمل غذائهم وعشائهم إلى الطبيب أو المخبر قبل الأكل؟

سؤال يمكن أن يثير الاستغراب عند البعض، لكنه أيضا قد يستوقف الكثيرين منّا ويطرح سؤالا جديا عن مدى «نوعية» ما يأكله الجزائريون (النّوعية من الجانب الصحي وسلامة المأكولات ومختلف المواد الغذائية التي يتناولها الجزائريون يوميا في أطباقهم).

طرح سؤال بهذه المباشرة يمكن أيضا أن يدفعنا إلى «زرع الشك» في نفوس العديد منّا. وأحيانا إثارة هاجس «الخوف» في نفس كل واحد يجلس إلى مائدة الطعام سواء في بيته مع عائلته أو في المطاعم وعلى الخصوص المطاعم المتنقلة في محطات النقل وعلى قارعة الطرق، أو حتى عندما يُقدم على شراء الخضر والفواكه والغلال من أسواق اللحوم الحمراء والبيضاء.. فما بالك باستهلاك المصبرات و«الأكلات السريعة» أو ما يعرف بـ«الفصول الأربعة»...

حمل صحافيونا ومراسلونا هذا السؤال الكبير إلى عديد الأطراف والمصالح المختصة بهدف تشخيص ما يأكله الجزائريون والإجابة عن سؤال جوهري: هل غذاء الجزائريين صحي؟ (طبعا بكل المقاييس والمفاهيم).

الصحافيون والمراسلون تطرقوا في هذا الملف إلى عديد الجوانب سواء ما تعلق بتركيبة الأغذية المستهلكة نفسها أو ما ارتبط بشروط إنتاجها وتخزينها وظروف استيرادها ونوعيتها أو حتى وسائل نقلها وأماكن بيعها وعرضها (ما تعلق بشروط النّظافة).

خطورة طرح مثل هذا السؤال تستند إلى ما يشاع على أن كثيرا من الأمراض المنتشرة حاليا لدى الجزائريين مثل السكري والسرطان والسمنة... تعود أساسا إلى أنماط الأكل وإلى ما يستهلكه الجزائريون يوميا في أطباقهم. والكثيرون يدور في مخيلتهم «لحم العيد» الماضي، وكذا تزايد حالات التسمّم الجماعي في الأعراس على الخصوص والولائم وما يتناقل عن «غرائب» تسمين الدجاج والخرفان بحبوب وأدوية وهرمونات مخصصة للبشر أي ما ارتبط بالملونات الغذائية. أو حتى باستهلاك مواد منتهية الصلاحية أو غير «محفوظة» بطريقة صحية وجيدة.

أو ما يشاع عن استعمال أدوية كيميائية وحتى بتروكيميائية في زراعة الدلاع وجعله يأخذ أحجاما كبيرة أو لزيادة لونه إحمرارا... بالمختصر المفيد هل يجد الجزائريون أنفسهم مجبرين على حمل فطورهم وعشائهم إلى المخابر أولا قبل الأكل؟!

أسئلة أخرى طرحت على الأطباء والخبراء والباحثين والممونين وجمعيات حماية المستهلك ومصالح الرقابة وأطراف عديدة ننشرها في هذا الملف.

التجارة الموازية تتسبب في قتل المستهلك   .... سموم وجراثيم على موائد الجزائريين

الواقف على مشاهد عرض مختلف السلع والمشروبات عبر المحلات المرخصة، أو تلك التي تمارس نشاطها بصفة غير قانونية، يدرك حجم المخاطر التي تحدق بصحة المستهلك الجزائري. وفي هذا السياق، حاولت «المساء» رصد هذا الواقع خلال خرجتها لعدد من أسواق العاصمة.

إغراق الأسواق بمواد فاسدة ومنتهية الصلاحية

الزائر لسوق باش جراح الفوضوية، يستغرب عند مشاهدته  مواطنين يقتنون مختلف المنتجات المعروضة على الأرصفة وفي الطرق، دون مراعاة العواقب الوخيمة من استهلاك مواد أغلبها بقي على مدة صلاحيتها أيام أو ساعات. وجهة استطلاعنا ارتكزت على عرض المواد الغذائية دون مراعاة شروط الحفظ وما يمكن أن تسببه من خطورة. قبل أن يعرف الموضوع منعرجا آخر عندما حدثنا الشباب عن وجهة هذه المواد الغذائية.

أجبان، مصبرات، خبز، مواد غذائية كلها منتجات يستهلكها المواطن من على الطرق، والأغرب من ذلك اقتناء المستهلك لها، كون الأثمان التي تباع بها أقل من المحلات. فثقافة الاستهلاك لدى الجزائريين مرتبطة بالمال، لاسيما في ظل انخفاض القدرة الشرائية مع سياسة التقشف التي تعرفها البلاد.

في هذا السياق، أكد أحد التجار لـ«المساء»، أنه يسترزق من هذه المواد التي بقي على انتهاء مدة صلاحيتها خمسة أيام، بعد أن تحصل عليها من أحد الموزعين، حيث اشتراها بثمن رخيص،  ليقوم هو الآخر بعرضها بثمن، قال عنه، في متناول «الزوالي» .

وبالصدفة، اكتشفنا أن بعض المحلات بباش جراح هي الأخرى تعرض منتجات بتواريخ غير منتهية الصلاحية، لكنها فاسدة ومغشوشة، مثل الأجبان والكاشير، لذا على المواطن مراقبة المنتوج قبل استهلاكه.

مواد مشكوك فيها تستهدف بطون الزوالية

الزائر لسوق «باب الوادي» يلاحظ علب الطماطم معروضة على الأرض، تحاذيها علب مختلف أنواع «الأجبان»، قارورات «الجافيل» وأكياس المنظفات، وعلب «التونة» و«السردين»، تحاذيها طاولة أخرى عرض عليها صاحبها أكبر ما استطاعت أن تحمله من ماركات علامات التجميل و«الماكياج». وفي هذا الشأن أكد أحد المواطنين أن السوق يطلق عليها تسمية «مفرغة المواد الغذائية» التي بقي على مدة صلاحيتها أيام أو ساعات.

جموع غفيرة من المواطنين تتجه نحو واحد من أكبر الأسواق الموازية بالجزائر العاصمة «باب الوادي»، وبدا الأمر وكأن كل العاصميين جاءوا للتبضع من مكان واحد.. الدخول إلى السوق أشبه ما يكون بالمعركة، المئات من الشباب والأطفال وحتى الشيوخ احتلوا الأرصفة وحتى الطريق.. «هنا يباع كل شيء».

اقتربنا من بعض المواطنين لأخذ رأيهم فيما يخص شراء المواد الاستهلاكية من التجار غير الشرعيين، ومن أماكن لا تراعي شروط النظافة والحفظ، فأكد البعض منهم أن الغلاء المعيشي ورفع التجار القانونيين الأسعار دفعهم للأسواق الموازية. 

   خدعة «الصولد» تستهوي المستهلك  وتوقعه في الفخ

زيارتنا الميدانية، جعلتنا نكتشف أن الكثير من أصحاب المصانع ومراكز التوزيع يقومون بصرف منتجاتهم التي قربت آجال انتهاء صلاحيتها للبطالين من أجل عرضها بأثمان رخيصة في الأسواق الشعبية التي تشهد إقبالا من مختلف الزبائن.

ولعل أبرز هذه المنتجات التي تعرف طريقها إلى التحايل «المواد الغذائية»، بل أن الكثير منها انتهت مدة صلاحيتها منذ شهور ولا تزال تسوق في الأسواق الموازية، بحكم عدم وجود مصالح للمراقبة وقمع الغش. فالبرغم من مطاردات قوات الأمن بأمر من الداخلية للقضاء على التجار غير الشرعيين، تنتهي المعركة في النهاية بتفوق البطالين في عرض منتجاتهم وتسويقها في إطار ما أصبح يسمى بخدعة «الصولد»، الكلمة التي خدع بها الجزائريون، والتي تكلف حياة المستهلك أمراضا خفية تظهر مستقبلا.

مشروبات مجهولة بلا هوية

لم تثن الحملات التحسيسية التي تقوم بها جمعية المنتجين الجزائريين للمشروبات، توعية المستهلكين من خطر المشروبات مجهولة الهوية والمصدر من إنتاج آلاف اللترات من العصائر والمشروبات من قبل بعض الأشخاص. 

ورغم أن جمعية المنتجين الجزائريين للمشروبات تطلق حملات تحسيسية في كل مرة لتوعية المستهلك بخطر المشروبات «الطفيلية»، بعدما عجزت المصالح التجارية عن التصدي للظاهرة، إلا أن الأمور لم تتغير، حسبما يلاحظ في الأسواق، حيث تعرض مختلف المنتوجات على قارعة الطريق بلا هوية وتجد المواطن يستهلكها بسبب الأثمان الرخيصة التي تباع بها.

يعترف المهنيون أن شعبة المشروبات أصبحت محركا فعليا لقطاع الصناعات الغذائية، بل من أنشط القطاعات المنتجة، وبين القطاعات النادرة التي يغطي إنتاجها جميع أنحاء البلاد، حتى في أبعد النقاط وأنأى المداشر، لكن الأمور لا تسير وفق المعايير الاقتصادية والمهنية المطلوبة.

ومن بين هؤلاء ما لا تخضع منتجاتهم لا لمقياس المهنية ولا للسلامة والصحة، والدليل أن كل هذه الأنواع من المشروبات والعصائر التي تعرض على المستهلك على قارعة الطريق وعلى مستوى أبواب الأسواق في أكياس معرضة للتلف والعوامل الخارجية، لكن رغم الخطر تلقى إقبالا منقطع النظير.

بعض أنواع المشروبات، عصير الليمون وعصير الفواكه المشكلة ليست في الحقيقة إلا مياها لا يعرف مصدرها وخليطا من المنكهات والألوان المختلفة وقليل من قطع الفاكهة (إذا وجدت أصلا)، إضافة إلى المحليات من غير السكر، هي ما يتناوله معظم الجزائريين، بالأخص من أصحاب المستوى الاجتماعي المتدني والمتوسط، الذين يجدون فيها البديل عن الأسعار المرتفعة للمشروبات «النظامية» التي تزيد أسعارها بعيدا عن كل رقيب.

رقائق «الشيبس» وعلب العصائر ... سموم تهيّج أطفالنا وتسبب لهم إفراطا في الحركة

أرجعت الطبيبة المنسقة نادية مزنان «إفراط الحركة» الذي نلاحظه في سلوكات أطفالنا اليوم، وقلة التركيز إلى ما يستهلكونه من  منتجات تحولت إلى «لمجة» يومية لهم، خصوصا رقائق «الشيبس» وعلب العصائر، إلى جانب منتجات استهلاكية أخرى لا تحتوي على أية قيمة غذائية تنفع الصغير أو تساهم في بنية جسده أو عقله.

مظاهر نشهدها تقريبا يوميا أمام مدارسنا، أطفال يحملون أكياسا من «الشيبس» وعلبا من العصائر، أو أكياس من الحلويات والشكولاطة، عادات أكل غيرها الآباء وتبناها بكل سهولة الأطفال، حين تحولت «اللمجة» من طعام صحي يضم من سندويتش الزبدة أو الجبنة وحبات من الفاكهة كتفاحة أو إجاصه إلى أغذية مغلفة مجهولة المحتوى، تسوق لنا ويستهلكها طفلنا بطريقة ملفته للنظر،  دقّ من خلالها المختصون ناقوس الخطر، فهل من آذان صاغية؟لا يمكن اليوم الحديث عما نستهلكه دون التركيز على ما يستهلكه «الطفل»، ذلك الفرد الذي دائما ما تشّد انتباهه وتثير شهيته المنتجات الغذائية التي تحتوي على كمية أكثر من «السكر» أو «الملح»، لتصبح في حقيبته «ثنائيا» لا يمكنه الاستغناء عنه، وهو كيس من «الشيبس» وعلبة من العصير، يطلب المزيد منها في كل مرة، حتى إذا حان موعد الغذاء لأكل أطباق محضرة من الخضر  الطازجة واللحم، إلا أن الطفل يعزف عن الأكل لأنه فقد الشهية جراء تلك الأطعمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.خلال جولة ميدانية قادتنا إلى شوارع العاصمة، كان لنا حديث مع عدد من الأولياء، الذين طرحنا عليهم سؤالا بسيطا «هل تعرفون ما يستهلكه أطفالكم»، ليفاجئنا جواب العديدين، حيث تبين أنهم على غير وعي حقيقي بذلك، فرغبات الطفل بالنسبة للبعض تفوق أحيانا أساليب التحكم فيهم، مما يدخلهم في دوامة أو حلقة مفرغة، وهي تفادي معرفة الخلل والإصغاء لرغبات الطفل، وهو ما يدفع الأغلبية إلى تحاشي التدقيق فيما يتناوله صغارهم.بدافع الجهل أو بكل بساطة للتخفيف من حدة خطر تلك المنتجات، يقبل العديد من الأولياء على اقتناء أكياس «الشيبس» وعلب العصائر الاصطناعية، والحلويات والسكاكر المباعة في السوق،  ويحصل أحيانا أن يتقاسموها على أبنائهم ويستهلكون بذلك كمية منها، فكيف للطفل ألا يتناولها وقد سبق وأن استهلكتها أمه أمامه.

منتجات يثير مذاقها شهية الصغير والكبير، إلا أنها تحتوي على مواد صنّفت بـ«جدّ الخطيرة» على صحة الطفل، نذكر بداية أكياس «الشيبس» التي تعدت الدراسات حولها وشدّد المختصون على عدم استهلاكها، لدرجة أصبح لا يستلزم الرجوع إلى المختص لمعرفة مخاطرها، ورغم ذلك لا نزال نشهدها في أسواقنا تروج تحت أسام متعددة لا تعدّ ولا تحصى، منها المحلية والأجنبية بأذواق مختلفة كالدجاج، الجبنة، الشواء، الشوارما، البيتزا، الليمون، الكاتشوب، الجمبري، وغيرها من التي تثير أكثر فأكثر شهية الفرد.

من جهة أخرى، تبقى العصائر والمشروبات الغازية من المنتجات التي تتصدر قائمة ما يستهلكه الطفل، وبمذاقها «الحلو» تثير شهيته وتدفعه دائما إلى استهلاك المزيد منها، مثلها مثل السكاكر التي إلى جانب كونها تحتوي على نسب عالية من السكر، فهي أيضا تحتوي على الكثير من الملونات الغذائية والنكهات الاصطناعية.

في هذا الصدد، اقتربت «المساء» من الدكتورة مزنان، طبيبة منسقة، كشفت عن احتواء تلك المنتجات على العديد من المواد المصنفة في القائمة السوداء لدى الهيئة العالمية للصحة، وكثيرا ما أثبتت دراسات عديدة أنها سموم حقيقية على الفرد، مؤكدة أن الكثير منها يهيّج إلكترونات الحركة لدى الطفل، وتجعله في قمة «نشاط غير طبيعي»، يفقده الهدوء والتركيز، وهو ما يفسر الحركة المفرطة لبعض الأطفال، وهذا ناتج عن الإكثار من تناول العصائر والحلويات.

من جهة أخرى، قالت المختصة بأنّ «الشيبس» «مادة سامة» لابد أن يمنع تماما تسويقها، حيث أوضحت دراسات عالمية أثبتت أن «الشيبس»، إلى جانب مواد أخرى، يحتوي على مادة الأكريلاميد المسرطنة، وهي مادة ناتجة عن طريقة طبخها، هذا المكون قادر على التأثير على حمضنا النووي في حالة الاستهلاك المفرط له والتسبب في سرطانات مختلفة، كما أنها قادرة على التسبب في العقم.

وفي الأخير، دعت المختصة إلى ضرورة التقليل من استهلاك تلك المنتجات ومحاولة تفادي العديد منها، كـ«الشيبس» الذي يعد في نظرها أخطر منتج استهلاكي، ولا يحتوي مطلقا على قيمة غذائية مفيدة للصحة، وإنما هو فقط طعم يمنح مستهلكه الشعور بالرضا لاحتوائه على نسبة عالية من الملح ومواد أخرى..