الحلاقون يكشفون .. والحلاقات يؤكدن:

هزمنا التكنولوجيا... والثرثرة جزء لا يتجزأ من مهنتنا

هزمنا التكنولوجيا... والثرثرة جزء لا يتجزأ من مهنتنا
  • القراءات: 950
رشيدة بلال رشيدة بلال

تمكنت مختلف الأجهزة الإلكترونية الحديثة، على غرار الهواتف الذكية واللوحات الرقمية من القضاء على أهم عنصر في العلاقات الاجتماعية، والمتمثل في التواصل، إذ تكاد هذه الأخيرة تعزل الناس عن عالمهم الحقيقي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لهذه الأجهزة الذكية القضاء على ثرثرة بعض الأشخاص الذين لطالما عرفوا بهذه الصفة،"المساء" فضلت تسليط الضوء على مهنة الحلاقين الذين عرفوا بالثرثرة، في محاولة لمعرفة إلى أي مدى تمكنت مختلف الوسائط التكنولوجية من تغير طباع هؤلاء. في جولتنا الاستطلاعية إلى محل للحلاقة الرجالية  بنواحي بوزريعة، تبادر إلى أذهاننا أننا لسنا بمحل للحلاقة بسبب حالة الهدوء الذي كان يسود المكان، حيث كان بعض الحاضرين يطالعون الجريدة وأعلبهم من كبار السن، بينما انشغلت فئة الشباب بين متصفح لأهم المواقع على هاتفه الذكي وبين من اختار الابتعاد بوضع سماعات في أذنيه والاستمتاع بالأغاني.

وفي حديثنا إلى الحلاق كريم، وهو شاب في الثلاثينات حول صفة الثرثرة التي لطالما عرفوا بها قال "فعلا، الثرثرة هي صفة كانت ولا تزال لصيقة بالحلاقين لسبب بسيط وهو أن الحلاق بحكم احتكاكه الدائم بسكان الحي الذي يعمل فيه، يربط علاقات صداقة مع زبائنه، وبالتالي يسمح لنفسه بالدردشة معهم في مواضيع مختلفة، طبعا حسب نوعية الزبون، فالمواضيع التي تفتح مع المثقف تختلف عن تلك التي تناقش مع غير المثقف وطبعا تغاير تلك التي تخص الشباب، مشيرا إلى أن وسائل التواصل الحديثة لم تتمكن من التغلب عليهم لأن الزبون يكون ملزما بترك كل ما في يديه ليتسنى للحلاق أداء عمله على أحسن وجه، ولأن عملية الحلاقة تتطلب فترة معينة من الزمن يستغلها الحلاق في الحديث إلى زبونه فمن جهة يشغل وقته بالحديث حتى لا يشعر بالملل ومن ناحية أخرى يعطي انطباعا حسنا لدى زبونه ليزوره مرة أخرى. 

أما عمي سعيد الذي تجاوز سن الأربعين، فيقول: "فيما مضى كانت قاعات الحلاقة الرجالية بمثابة خلية نحل، لأن كل المترددين على الحلاق من أبناء الحي يعرفون بعضهم البعض حيث يدردشون فيما بينهم ومع الحلاق أيضا الذي يكون مطلعا على الحياة اليومية لأغلب الوافدين عليه"، ولكن اليوم ـ يضيف ـ "ومع انتشار هذه التكنولوجيا، أصبحنا نعجز عن فتح حوارات مع زبائننا من فئة الشباب طبعا بسبب انشغالهم الدائم بما يرد على هواتفهم الذكية، مشيرا إلى أنه لم يتخل عن عادة الدردشة إلى زبائنه وإن كان يتجنب كثرة الحديث بسبب عزوف البعض عن الكلام". بينما اختار بعض الحلاقين وضع حد للثرثرة داخل محلاتهم وهو ما أقدم عليه الحلاق كمال الذي علق بداخل محله ورقة كتب عليها "ممنوع الجلوس بدون سبب" ويشرح "حقيقة، الحلاقين معروف عنهم حب الثرثرة ربما لكسر الروتين والملل والرغبة في تمكين زبائنهم من الشعور بالراحة أثناء الحلاقة، وهو نوع أيضا من كسب الثقة ولكن لن أقبل أن يتحول المحل إلى مقهى للدردشة، من أجل هذا علقت هذا الإعلان حتى يفهم من يقصدني أنه ليس مكان  للراحة وإنما للحلاقة، مشيرا إلى أن البعض كانوا يلجؤون إلى المحل ويمكثون مطولا آخذين في الدردشة عبر هواتفهم الذكية ومن ثمة يغادرون متحججين بتغيير رأيهم.

.. وثرثرة الحلاقات تتغلب على التكنولوجيا

لم تتمكن التكنولوجيا الحديثة من التغلب على ثرثرة الحلاقات وذلك بشهادة النسوة اللواتي التقتهن "المساء" بمحل للحلاقة والتجميل النسائي الكائن بنواحي الأبيار، حيث أكدت أغلب المستجوبات أن الثرثرة عادة سيئة التصقت بالحلاقات ودافعهم الوحيد هو الرغبة في التطفل على الحياة الشخصية للزبونات، حيث تبدأ الثرثرة من الجانب المهني بالسؤال عن الغرض الذي من أجله قصدت الزبونة الحلاقة إما لصباغة الشعر أوالقص أوالتصفيف، وصولا إلى التطفل على الحياة الشخصية بالسؤال عن مكان الإقامة ونوعية العمل وما إذا كانت مرتبطة أو لا في حين لا تجد الزبونة من حل إلا مسايرة الحلاقة لتحسن العناية بزبونتها أوتعيد النظر في التسعيرة، مشيرين إلى أنه على الرغم من توجه أغلب الزبونات إلى شغل وقت انتظار أدوارهن بتصفح مختلف ما تجود به مواقع التواصل الاجتماعي بهواتفهن الذكية، إلا أن ذلك لا يدوم طويلا، إذ بمجرد أن يحين دورهن حتى تبدأ الحلاقة في التواصل معهن انطلاقا من أسئلة عامة وصولا إلى التدخل فيما لا يعنيها.

اقتربنا من الحلاقة نورة بمحل للحلاقة النسائية كائن بالعاصمة، وحول اتهامهن بالثرثرة ردت بالقول "إن المهنة هي التي تفرض عليهن التحدث إلى الزبونات بغية إشعارهن بالراحة وكسب ثقتهن لأن الزبونات يحبذن المعاملة الحسنة وذلك لا يتحقق إلا بإعطائهن الانطباع بأنهن يتحدثن إلى صديقاتهن، من أجل هذا نحاول خلق  جوا لهن لا حتى يشعرن بثقل الوقت خاصة إن كان المطلوب هو صباغة وتصفيف الشعر، وهي العملية التي تستغرق وقتا طويلا، مشيرة إلى أن الحلاقات عموما يكثرن من الحديث ولكن في المقابل لابد أن لا ننسى بأن أغلب الزبونات يبدين رغبة جامحة في إفراغ مكبوتاتهن وآلامهن النفسية ومشاكلهن الشخصية ومقاسمة الحلاقة لها بمجرد أن نطرح عليهن سؤالا بسيطا وهو ذات الانطباع الذي لمسناه عند الحلاقة سعاد بباب الوادي التي قالت "أعرف كل التفاصيل عن الحياة الشخصية لزبوناتي  اللواتي يترددن علي بصورة دورية" وتعلق "الراحة التي أوفرها لهن تجعلهن يتحدثن إلي في كل المواضيع، بل ويطلبن نصيحتي"، مشيرة إلى "أن التكنولوجيا تنقطع بمجرد الدخول إلى محلي لأن كل الزبونات يرغبن في التحدث إليّ وأنا بدوري لا أتوقف عن الكلام وتعلق "بفضل ثرثرتي تمكنت من كسب العديد من الزبونات وتغلبت على التكنولوجيا".