عبر قوافل تضامنية

هبّة كبيرة للمجتمع المدني

هبّة كبيرة للمجتمع المدني
  • القراءات: 2530
رشيدة بلال /خ.نافع رشيدة بلال /خ.نافع

كثّفت حركات المجتمع المدني من نشاطاتها التضامنية لمواجهة سوء الأحوال الجوية وما خلّفته من أضرار مسّت العائلات الفقيرة والمعوزة، حيث بادرت كلّ من جمعية «جزائر الخير»، «الأنيس» ومجموعة «دير الخير» وغيرها، لمضاعفة الجهد وتوزيع أكبر عدد من الألبسة والأغطية والأغذية وحتى أجهزة التدفئة، على الفئات المنكوبة؛ في عمليات تضامنية واسعة شملت أكثر الولايات تضرّرا.

حاولت «المساء» تسليط الضوء على نشاط بعض الجمعيات الولائية، فكانت البداية مع جمعية «جزائر الخير». وحسب رئيسها عيسى بن الأخضر، فإنّ الجمعية رفعت شعار «شتاء دافئ» مع بداية شهر ديسمبر، غير أنّ برودة الطقس والتقلّبات الجوية التي صاحبها سقوط الثلوج، دفعت بالجمعية عبر كلّ المكاتب الموجودة بمختلف الولايات وتحديدا بغرب البلاد وشرقه، إلى تكثيف عمليات التدخل، حيث سارعت إلى تفعيل برامجها المرتبطة بـ «شتاء دافئ».

 تمثّلت أولى العمليات في توزيع الأغطية عبر مختلف المكاتب، التي سعت إلى جمع وتوزيع هذه المساعدات في ظرف قياسي. كما ركّزت «جزائر الخير» على الولايات الأكثر تضرّرا، مثل البيّض وبرج بوعريرج وتندوف وبشار ووهران وعنابة وتلمسان، مشيرا إلى أنّ توزيع الأغطية لم ينحصر في مقر المكاتب فقط، وإنّما بالنسبة للمناطق التي حاصرتها الثلوج. وانتقل المتطوّعون عبر قوافل إلى السكان المحاصَرين بالجبال، مثل المدية وبرج بوعريرج والمسيلة.

وتمحورت العملية التضامنية الثانية، حسب رئيس الجمعية، في الوجبات الساخنة لفائدة المشردين بالشوارع، وبعض العائلات التي حاصرتها الثلوج بالمنازل، حيث يجري يوميا توزيع من 150 إلى 200 وجبة، مشيرا إلى أنّه على الرغم من أنّ السلطات بادرت بجمع المشردين ونقلهم إلى المراكز، غير أنّ الخرجات الليلية كشفت عن فرار عدد كبير منهم من المراكز، مفضلين المبيت في الشوارع رغم برودة الطقس.

وفي ردّه على سؤال حول أكثر المساعدات الاستعجالية التي تحتاجها الفئات المتضّررة من موجة البرد، أكّد محدّثنا أنّها تختلف حسب الأشخاص الذين يجري إسعافهم، فالمشردون مثلا يحتاجون إلى الألبسة والأغطية والوجبات الساخنة، أما باقي التدخّلات فتختلف حسب الحالة، إذ مثلا هناك من كان يطلب الأغذية أو النقل. أما العائلات في المداشر والقرى فالمدافئ والأغطية أكثر ما يحتاجون إليه.

تتمثل الحملة الثالثة في توزيع المواد الغذائية، وهو الأمر الذي أخذته الجمعية على عاتقها، لتحالف عاملين هما موجة البرد الشديدة التي حرمت الناس من الخروج لاقتناء مستلزماتهم خاصة بالقرى، والغلاء الذي مسّ الحبوب الجافة والخضروات، وجعل العائلات الفقيرة عاجزة عن اقتناء طعامها. يقول رئيس الجمعية إنّ «الجمعية تتلقى المساعدات من المحسنين ومن بعض المؤسّسات، وتظلّ قليلة بالنظر إلى العدد الكبير من  المحتاجين بمختلف ربوع الوطن».

مخطّط استعجالي لدعم البيّض والمدية

من جهتها، سارعت جمعية «الأنيس» لتنشيط الشباب إلى تنظيم حملة تضامنية استعجالية واسعة في طبعتها الثالثة تحت شعار «وافعلوا الخير»، بالتنسيق مع مؤسّسة «فوزي غلام» الخيرية، حيث شملت، حسب رئيسها عادل لحبيب، ولايتين أساسيتين، هما المدية وتيسمسيلت، مشيرا إلى أنّ سبب اختيار هاتين الولايتين راجع إلى كون المدية من الولايات المتضررة خاصة بعد الزلزال الذي أضر بها مؤخرا، الأمر الذي جعل العائلات تبيت في العراء، حيث قامت الجمعية بجرد الاحتياجات التي تمحورت في الأغطية والألبسة والأفرشة إلى جانب المواد الغذائية واسعة الاستهلاك والأدوية الخاصة بالأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة. أما ولاية تيسمسيلت فلكونها هي الأخرى من الولايات التي تحوي عددا من الفقراء والمعوزين، موضّحا أنّ الجمعية تلقت كمية معتبرة من المساعدات، وهو ما يدعو للفخر والاعتزاز، فالهبّة التضامنية مع الجمعية شارك فيها كلّ المواطنين؛ حيث لوحظ إقبال العائلات على تقديم مساعدات مختلفة، فمن يملك مثلا غطاء إضافيا أو لباسا أو حذاء يسارع إلى التبرع به.

«دير الخير وانساه» في قلب الحدث

 كعادتها كانت  مجموعة «دير الخير وانساه» هي الأخرى في قلب الحدث، حيث تمكّن أعضاؤها من رفع التحدي وتحضير قافلة ألف غطاء نحو البيّض. وحسب الأعضاء الناشطين فيها فإنّ «المجموعة التي تتكوّن من عدد من الشباب المحبين لفعل الخير، وعلى خلاف السنوات الماضية، ضاعفوا الجهد لمواجهة برودة الطقس، ولم تزدهم الصعوبات والعراقيل التي واجهتهم للتنقل وسط الثلوج، إلاّ إصرارا ومثابرة؛ حيث تمكّنت الفرقة الأولى من الوصول إلى العائلات المنكوبة ومساعدتها بما تيسّر بولاية البيّض. أما بالنسبة للفرقة الثانية من المجموعة فاتجهت للتحضير لقافلة الأغطية الموجهة لولاية ورقلة.

لإطعام الأشخاص بدون مأوى في وهران  ... جمعيات خيرية تتسابق في هذه الأيام الباردة

تسعى العديد من الجمعيات الناشطة في ولاية وهران والمؤسّسات الاجتماعية هذه الأيام، إلى مدّ يد المساعدة للأشخاص بدون مأوى، الذين يتوزّعون عبر نقاط عديدة من مدينة وهران، لاسيما مع موجة البرد القاسية التي تضرب الولاية هذه الأيام، بتقديم وجبات ساخنة وملابس وأغطية.

في هذا الإطار، تحدى شباب فوج الكشافة الإسلامية لوهران مؤخرا الجوّ الممطر والبارد جدا، وقام أعضاؤه بتوزيع 180 وجبة ساخنة على الأشخاص بدون مأوى، الذين رفضوا محاولات فرقة مصلحة المساعدة الاجتماعية التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي جمعهم وتحويلهم نحو مراكز الإيواء مؤقتا، سواء بمسرغين أو ثكنة «شعبان»، أو دار المسنين بحي السلام، لقضاء هذه الأيام الباردة في مكان دافئ والاستفادة من التغطية الصحية ووجبات ساخنة.

وحسب رئيس مصلحة المساعدات الاجتماعية، السيد محمد بن تازي، باشرت الفرقة التابعة للمصلحة في خرجاتها الميدانية ليلا منذ بداية شهر ديسمبر الفارط، إلى جمع الأشخاص بدون مأوى، وتوجيههم إلى المراكز الاجتماعية المتخصّصة، وهي العملية التي لاقت تجاوبا نسبيا من قبل هذه الفئة، بينما يصرّ البعض منهم على البقاء في الشارع، بالرغم من المحاولات المتكرّرة وتدخّل الأخصائي النفسي لإقناعهم -على الأقل- بالمبيت ليلا، ثم الخروج في الصباح، لاسيما خلال هذه الأيام الباردة، وأضاف أنّ هذا الإجراء  اختياري، الغرض منه حماية هؤلاء الأشخاص من برودة الطقس وليس إجباريا.

وفي حصيلة لنشاط المصلحة، تمكّنت خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من جمع 83 شخصا بدون مأوى، من بينهم مختلين عقليا، تم توجيههم نحو مستشفى الأمراض العقلية بسيدي الشحمي، والحالات الأخرى نحو المراكز الاجتماعية، حسبما كشفه السيد بن تازي، الذي أكّد أنّ أغلب الحالات المسجّلة تنحدر من الولايات الداخلية للوطن، حيث كشفت التحقيقات النفسانية التي خضعت لها أنّ أحد أهم أسباب مغادرة البيت العائلي والتشرّد، هو التفكّك الأسري والطلاق، وما ينتج عنه من مشاكل أسرية، لاسيما للقصر والفتيات اللواتي يقعن ضحية الضغط والعنف الأسري، أو لأسباب عاطفية فيغرر بهن من قبل أشخاص للهرب نحو المدن الكبرى كوهران من أجل الزواج، ثم يتم التخلي عنهن، ويقعن فريسة للانحراف وحياة التشرد، حيث تم في السنة الفارطة إعادة إدماج ثلاث حالات من بينهم فتاتين وقاصر واحد بعد مساع حثيثة، وتدخّل أئمة من أجل إقناع عائلاتهم بإعادتهم إلى الكنف العائلي، حسب السيد تازي الذي دعا إلى ضرورة خلق لجان صلح على مستوى الأحياء والمساجد تعمل على إصلاح ذات البين ولمّ شمل العائلات، حفاظا عليها من التفكّك الذي تنعكس نتائجه الوخيمة على المجتمع.