نقابة الخبازين والتجار ترافع عن النشاط وتؤكّد:

نوفر الخبز رغم الوضعية المهنية الهشّة

نوفر الخبز رغم الوضعية المهنية الهشّة
  • القراءات: 1271
 رشيد كعبوب رشيد كعبوب

ننتظر تطبيق قوانين الحكومة بشأن تحسين هامش الربح

 المطلوب تشديد الرقابة على المطاحن لضمان وفرة الفرينة

❊ ثلثا المخابز غلقت أبوابها بسبب محدودية الدعم وارتفاع حجم الأعباء

يستعد الخبازون، خلال هذه الأيام القليلة التي تفصلنا عن حلول شهر رمضان المعظم، لتوفير مادة الخبز على اختلاف أنواعها للمواطنين، الذين يتهافتون على هذه المادة بشكل كبير، في وقت تضاءل فيه عدد المخابز كثيرا لعدّة عوامل، يفصّلها أصحاب المهنة، الذين أكّدوا لـ«المساء" أنّ مهنة "الخبّاز" صارت صعبة وغير مضمونة الأرباح، بالنظر إلى جملة أسباب اجتمعت كلّها لتقضي على هذه المهنة الشريفة، التي تخلى عنها ثلثا المهنيين، ولازال الباقي منهم "الأوفياء للمهنة" يواجهون متاعب كبيرة، بسبب الأعباء المالية والمنافسة غير الشريفة وفوضى توزيع محلات هذا النشاط الهام.

أكّد رئيس الفدرالية الوطنية للخبازين، عز الدين بن ناصر، في اتصال مع "المساء" أنّ المهنيين يستعدون لاستقبال الشهر الفضيل لتحضير كلّ الاحتياجات الأساسية لتوفير مادة الخبز، خلال الشهر الكريم، لكنهم يتأسّفون لكون مطالب تحسين هامش الربح المرفوعة، العام الماضي، لوزارة التجارة والتي وافقت عليها الحكومة، بقيت دون تطبيق على أرض الواقع.

وأفاد السيد بن ناصر بأنّ المهنيين ينتظرون، على أحرّ من الجمر، تجسيد الحكومة المطالب المرفوعة، التي لم تطبّق منها منذ سنة إلا تعليمة واحدة تخصّ استبدال الضريبة على رقم الأعمال بالضريبة على هامش الربح المقدّرة بنسبة 5 بالمائة، وهي لا تفي بالغرض المطلوب، بالنظر إلى عوامل أخرى أثنت الخبازين عن ممارسة نشاطهم وتقديم خدماتهم الجليلة للمواطن، متسائلين عن سرّ التباطؤ في إصدار تعليمات أخرى تخصّ تجسيد كامل المطالب المرفوعة.

حذّر رئيس الفدرالية الوطنية للخبازين، عز الدين بن ناصر، من زوال هذه المهنة وانكماش نشاطها إلى حدّ غير مريح، على خلفية الوضعية الصعبة التي يواجهها المهنيون، الذين ظلوا منذ أكثر من عشريتين يشتكون قلة الدعم وعدم الاستجابة للمطالب المرفوعة في كلّ مرة، والتباطؤ في مناقشة متطلّبات الخبازين، الذين لم يجدوا من يقدّر نشاطهم ويتفهّم وضعيتهم، التي وصفوها بـ "غير المريحة"، والتي أدّت إلى تخلي عدد كبير منهم عن ممارسة هذه المهنة.

ثلثا المخابز توقفت بسبب غياب الدعم

وقال بن ناصر إنّه يجدر بنا أن نطلق على الخبازين "المكافحين" لأنّهم يكافحون من أجل البقاء، فمهنتهم لم تعد سهلة ومدرّة للأرباح، بالنظر إلى عدّة أسباب، أجبرت قرابة ثلثي المهنيين على مغادرة المهنة وتغيير النشاط، مفصّلا ذلك بكون الإحصائيات الرسمية تؤكّد أنّ عدد المخابز تهاوى بشكل يدعو إلى التحليل والمناقشة، حيث نزل إلى  8200 مخبزة، بعدما كان يناهز 22 ألفا.

وذكر محدّث "المساء" أنّ الخباز لم يعد ذلك التاجر الرابح في تجارته، المرتاح في عمله، مثلما كان من قبل، حيث صار تاجرا بسيطا "يكافح" من أجل تحصيل قوت عياله وتحصيل أرباح قد لا تعدو أن تكون مرتّبا لا يفي بالغرض المطلوب.

وقد رافع الخبازون عن مهنتهم منذ سنوات طويلة، لتحسين هامش الربح، الذي اعتبروه غير مريح، مؤكّدين أنّه انكمش بشكل مقلق وغير محفّز، وفي هذا السياق أفاد ممثل الخبازين بأنّ الفدرالية رفعت هذا الانشغال مرارا إلى الوزارة الوصية، لكن لم يتحقّق ذلك، وبقي الدعم الوحيد متمثّلا في دعم الفرينة فقط، وهذا غير كاف بالمنظور التجاري، لكون المواد المدخلة ارتفعت بأضعاف مضاعفة بينما بقيت تسعيرة الخبز ثابتة، حيث قال السيد بن ناصر إنّه من غير المعقول أن يبقى سعر الرغيف ثابتا منذ 1996، وهناك مواد مدخلة تضاعف سعرها أكثر من سبع مرات.

23 مادة مدخلة غير مدعّمة تنتظر تدخّل الحكومة

يشتكي الخبازون من سعر المواد المدخلة في صناعة الخبز، الذي ارتفع دون أن يرافقه ذلك دعم من طرف الدولة وعلى رأسها مادة الخميرة، التي تضاعف سعرها عدّة مرات، حيث كان سعر الكيلوغرام من خميرة الخبز قبل عامين لا يتعدى 270 دينار، ثم فاق 3  آلاف ليصل اليوم إلى 720 دينار، ما يزيد في تكلفة الرغيف، علما أنّ الخميرة مادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.

ولدعم هذه المادة، يناشد الخبّازون السلطات العمومية، تمكينهم من اقتناء هذه المادة بدون دفع الرسم على القيمة المضافة، ما يخفّف من سعرها المرتفع والأمر نفسه بالنسبة للملح، وحتى الأكياس البلاستيكية، التي أكّد لنا الخبازون أنّ استعمالها دون احتساب ثمنها في البيع، يؤثّر أيضا على مردود الخباز، وفي هذا السياق أكّد رئيس الفدرالية أنّ اقتراح الخبازين بشأن استبدال الأكياس البلاستيكية قفة من الكتان صديقة للبيئة.

وذكر بن ناصر لـ«المساء" أنّ ارتفاع سعر الخميرة بهذا الشكل، له أسبابه، على رأسها توقّف مصنع الخميرة والعجائن ببوشقوف في ولاية قالمة عن العمل، حيث كان المموّن الأكبر للخبازين في كلّ ولايات الوطن، ليتم اللجوء بعدها لاستيراد هذه المادة من الأسواق العالمية المتقلبة، في هذا السياق، ذكر المصدر أنّ فدرالية الخبازين طالبت، منذ أكثر من سنة، السلطات العليا للبلاد بالتدخّل لتكليف المجمع العمومي للصناعات الغذائية "أقروديف" بالتكفّل باستيراد هذه المادة الأساسية وتوفيرها بسعر لائق لفائدة المهنيين. 

كما تشكّل فاتورة الكهرباء والغاز، عبئا آخر يعترض نشاط الخبازين، الذي يعتمد كثيرا على هاتين الطاقتين الأساسيتين في صناعة الخبز، ويؤكّد المهنيون أنّ الفاتورة المرتفعة التي تضاف إلى الأعباء الأخرى، تؤثّر على مداخيل وأرباح صاحب المخبزة، ما دفعهم إلى مطالبة الدولة بتخفيف هذه الفاتورة واعتماد تعريفة مريحة، وهو ما استجابت له السلطات العمومية، حيث اقترحت شركة توزيع الكهرباء والغاز التعريفة رقم 53، التي لم يقبلها الخبازون لأنّها تخفض بشكل طفيف سعر الاستهلاك ليلا، لكن الخبازين يستهلكون هذه الطاقة ليلا ونهارا.

ولم ينف محدّثنا أنّ عتاد المخابز وقطع الغيار، الذي التهبت أسعاره، يشكّل عبئا كبيرا على المهنيين، فسعر "العجّانة" ارتفع سعرها من 50 مليون إلى 70 مليون سنتيم، كما ارتفع محرّكها من مليون سنتيم إلى 17 مليون سنتيم، فضلا عن أعباء أخرى كرواتب العمال.

من جهته، ألحّ رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين على ضرورة إعادة النظر في تسعيرة الخبز، لأنّ الاكتفاء بصناعة الخبز العادي بالسعر المسقف، لم يعد في صالح الخبازين، ما اضطرهم إلى الاستعانة بصناعة الأنواع الأخرى كالخبز المحسن والخبز المصنوع بزيت الزيتون وغيرها من الحلويات البسيطة، مفيدا بأنّ الخبازين يعانون وضعية غير مريحة لأزيد من عشرين سنة، تقلّص خلالها هامش الربح واقتصر دعم الدولة على الفرينة وحدها دون المكوّنات الأخرى المدخلة في صناعة الخبز، ما نفّر المهنيين وأرغمهم على تغيير النشاط، فيما اجتهد آخرون ومالوا نحو صناعة أنواع أخرى من الخبز المحسّن، حتى يعوّضوا التكاليف الأخرى.

الزيت والسميد.. متاعب إضافية في رمضان

ويخشى الخبازون، أن تفتقد مادة الزيت خلال شهر الرحمة، جراء المضاربة التي ما فتئت تخلخل نظام التوزيع كلّما اقترب هذا الشهر الكريم، وقال السيد بن ناصر إنّ مادة الزيت ضرورية للخبازين في رمضان لكونها تدخل في صناعة مختلف أنواع المخبوزات

والحلويات، وكذلك الأمر بالنسبة لمادة السميد، التي يزداد عليها الطلب في صناعة أنواع أخرى من الخبز والمخبوزات المسكرة والحلويات، مطالبا الجهات الوصية بتسهيل وصولها للمهنيين، لتمكينهم من توفير ما يحتاجه المواطن من المواد الاستهلاكية الضرورية والكمالية.

ومعلوم أنّه مع اقتراب شهر رمضان يسعى مصنّعو "الزلابية" وما شابهها من الحلويات الرمضانية، إلى البحث، في أيّ مكان، عن الزيت والسميد كمادتين أساسيتين، ما يؤدي إلى نفادهما في الأسواق ويضطر أصحاب المخابز لاقتنائها من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، تقلّل من أرباحهم ولا تعكس أتعابهم وجهودهم في توفير السلع الاستهلاكية المصنّعة.

المطلوب تشديد الرقابة على المطاحن

ويؤكّد ممثّل الخبازين أنّ فئة كبيرة من الخبازين يجلبونها بوسائلهم الخاصة، ما يكلّفهم أعباء إضافية ويصبح سعر الفرينة، التي يقتنونها، منزوع الدعم، لكونه يزيد عن السعر الحقيقي بـ200 دينار في كلّ قنطار، حيث اقترحت الفدرالية - يقول رئيسها- على الوصاية تنظيم عملية توصيل الفرينة للمخابز، ضمن اتفاقية مع المطاحن، كي لا تكون هناك أزمة في توزيع هذه المادة الأساسية في صناعة الخبز.

كما أفاد رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين بأنّ هيئته طالبت السلطات العمومية بتشديد الرقابة على المطاحن وإلزامها بتوصيل ما يحتاجه الخبازون من الكميات الكافية من مادة الفرينة وعدم إجبارهم على البحث عنها في السوق السوداء وبأثمان مرتفعة خالية من دعم الدولة وبذلك يفقد الخباز هامش الربح الكافي لتغطية كل النفقات والأعباء المترتبة على النشاط.

أعباء أخرى تؤثّر سلبا على هامش الربح..

سعر كراء المحلات تضاعف عدّة مرات، وفي هذا السياق أكّد محدّثنا أنّ الملاحظ أنّ نشاط المخبزة لم نعد نجده بالشوارع الرئيسية، لكون سعر تأجير المحلات بلغ حدا لا يطاق، حيث أصبح الخبازون يبحثون عن أماكن في شوارع فرعية وحارات شعبية، كي يمارسوا هذه النشاط.

كما طرح رئيس فدرالية الخبازين مشكل عدم احترام المسافات بين مخبزة وأخرى، فما إن يقوم أحد التجار بفتح مخبزة بحي معين، حتى يفاجأ بفتح بمخبزة أخرى بجواره، ما يؤثّر على النشاط، قائلا إنّ الفدرالية مستعدة لتنظيم المهنة بوضع مخطّط لتوزيع المخابز بطريقة عادلة. بل لازال الخبازون يعانون مما وصفوه بـ«المنافسة غير الشريفة"، بسبب بيع الخبز بمحلات المواد الغذائية، وفي هذا السياق يتساءل ممثل الخبازين عن مصدر بيع هذا الخبز غير المراقب، الذي تم صنعه بفرينة تم اقتناؤها من السوق السوداء.