"تبييض الدويرات".. "حمام شعبان".. وروح التضامن
نفحات راسخة لدى القصباويين

- 797

لا تزال بعض العائلات على قلتها بالقصبة العريقة متمسكة بجملة من العادات التي دأبت على إحيائها قبيل حلول الشهر الفضيل، وعلى الرغم من أن "بنة" رمضان لم تعد كما كانت عليه في الماضي بدويرات الحي العتيق لعدة أسباب، منها وجود أشخاص دخلاء عليها لا يعرفون قيمتها التاريخية والحضارية، ويقول الباحث بلقاسم باباسي رئيس جمعية "أصدقاء القصبة"؛ "لا يمكن ونحن في شهر شعبان إلا تذكر هذه العادات التي تعكس مدى التآزر والتضامن والتراحم والفرحة التي تظهر على العائلات استعدادا للصيام".
لعل أول ما ينبغي الحديث عنه من عادات تبييض الدويرات، حيث تحرص العائلات على عملية التنظيف، وكانت تلجأ إلى ما يسمى بـ«الدالة"، بحكم أن العائلات في الدويرات قديما كانت تتقاسم دويرة واحدة، من أجل هذا كان يتم الاعتماد على "الدالة" في التنظيف، يقول الأستاذ باباسي، ويضيف؛ "أما بالنسبة للمطابخ، فكان يتم تبييضها كونها المكان الذي تمضي في المرأة كل وقتها لتحضير الإفطار، إلى جانب تغيير كل ما يمكن تغييره من أفرشة وأغطية وأوان، مشيرا إلى أن العائلات قديما كانت لا تفطر في الشهر الفضيل إلا في أوان جديدة. أما الشوربة فكانت تحرص النسوة على تحضيرها دائما في قدور فخارية جديدة، وهو تقليد لا غنى عنه لضمان "بنة" الشوربة، إلى جانب "النافخ" الذي يجري تغييره بمجرد دخول شهر شعبان.
الطعام هو الآخر "كانت العائلات تحضره سلفا، حسب الباحث باباسي، حيث تبدأ في شهر شعبان بتحضير حلوى السهرة من "التشاراك" و«الصامصة" ولوازم خبز "المطلوع" الذي لا غنى عنه خلال شهر الصيام، لذا كان يحضر في الدويرة ويرسل إلى خباز الحي، أما الشوربة فكانت في القصبة تسمى شوربة "فرفارية بالفداوش"، وتحضر فوق "البوصيار" في السطح، حيث تحضر النساء وهن يتقاسمن أطراف الحديث عن رمضان "الفداوش" من العجين ويتم بعدها تجفيفها وتسمى "المقطفة"، ولا تحضر الشوربة إلا بها.
روح التضامن تبدأ في شعبان وتبلغ أشدها في رمضان
أهم ما كان يميز شهر شعبان، روح التضامن العالية التي كان يعرف بها سكان القصبة، ويذكر باباسي أن العائلات الغنية كانت تدعم العائلات الفقيرة، فمثلا مالكة الدويرة عند حلول شهر شعبان تخصص للأسر الفقيرة مساعدات خاصة متمثلة أساسا في اللحم، حيث تقوم بذبح أضحية وتوزعها، وهو ما يدل على روح التضامن التي تراجعت بشكل كبير بين العائلات اليوم، مضيفا "أن من بين أواصر التضامن أيضا، البحث عن الأشخاص من دون مأوى أو عابري السبيل، ليتم تفطيرهم، مشيرا إلى أن التضامن الاجتماعي لم يكن مقتصرا على الأغنياء فقط، بل حتى ميسوري الحال من أرباب العائلات، كانوا عند الذهاب إلى الأسواق يوزعون ما اقتنوه من مستلزمات الشهر الفضيل على قفتين، أحداهما للأسرة والأخرى صدقة.
“حمام شعبان" لا غنى عنه
من العادات التي كانت ولا تزال العائلات متمسكة بها في القصبة؛ التردد على الحمام قبيل حلول الشهر الفضيل، حيث كانت أغلب الحمامات تعج بالزبائن رجالا ونساء وحتى الأطفال، لأن فرحة حلول شهر رمضان تعادل فرحة العيد، يقول الأستاذ باباسي، ويضيف أن من بين الحمامات الأكثر شعبية في القصبة؛ حمام "بوشلاغم" وحمام "دارة بدارة" وحمام "الشباشق" وهي تسمية مستمدة من الأصوات الناتجة عن قرع "طاسات" الحمام، إلى جانب حمام "الباي" وحمام "سيدنا" الذي يعتبر من أقدم حمامات مدينة سيدي عبد الرحمان وأجملها، مشيرا إلى أن أهم ما كان يميز حلول الشهر الفضيل؛ الاستعداد للحظة الإفطار بتحضير طلقة المدفع ورفع العلم وإنارة "الفنار" الذي يضيئ لإعلام السكان بموعد الإفطار. والهدف من وراء التنويع في العلامات الدالة على حلول موعد الإفطار؛ تمكين الجميع من معرفة الموعد، فمن لا يسمع مثلا طلقة المدفع كونه مصاب بالصمم، يرى الراية مرفوعة أو ضوء "الفنار". أما أصحاب المقاهي فيسارعون إلى التعاقد مع فناني الشعبي المعروفين لإحياء السهرات، حيث كان كل مقهى يعرف بمغن معين له مستمعوه ومحبوه، بينما تبادر النساء إلى تحضير "البوقالات" التي لا تخلو السهرة إلا بها على سطوح الدويرات.