مختصون في علم الاجتماع يكشفون:

نعيش مرحلة غُيّبت فيها المنظومة القيمية والروابط الاجتماعية

نعيش مرحلة غُيّبت فيها المنظومة القيمية والروابط الاجتماعية
  • القراءات: 816
رشيدة بلال  رشيدة بلال

يرى المختص الاجتماعي مراد سالي، أن التكنولوجيا على الرغم من أنها قربت المسافات بين الأفراد، إلا أنها لعبت دورا كبيرا في تهديم الرابط الاجتماعي، موضحا: "في وقت مضى، كنا نتحدث عن ظهور الأسرة النووية المكونة من الأب والأم والأبناء، والانشقاق عن الأسرة الكبيرة والممتدة. غير أننا، اليوم، نتحدث عن أثر التكنولوجيا، التي جعلت حتى الأسرة النووية، تنشق عن نفسها؛ إذ نجدهم تحت سقف واحد، ولكن كل واحد منهم في عالم خاص به؛ الأمر الذي أثر، بشكل سلبي، على العلاقات الاجتماعية في الأسرة الواحدة؛ فما بالك بالمجتمع الذي أصبح يسبح في الفضاء الافتراضي! ".

وحسب المختص الاجتماعي، فإن " النتائج التي نعيشها لما خلفته التكنولوجيا من أثر على النسيج العمراني والعلاقات الاجتماعية، هي حتمية مرجعها التغير الاجتماعي والتطور، والتأثير السلبي للتكنولوجيا، والانسياق التام وراءها، والسماح لها بالتحكم في الحياة الاجتماعية إلى درجة أنها تمكنت حتى من إلغاء الروابط الاجتماعية؛ إذ تم تغليب ما تحمله التكنولوجيا من امتيازات، على حساب القيم المجتمعية"، مردفا: " لعل المناسبات الدينية مثل الأعياد، خير دليل على ذلك؛ فبعدما كان التواصل في الأعياد يتم بالتنقل والمعايدة واحتضان الشخص الذي تزوره وتجلس إليه وتدردش معه، أصبحت العلاقات الاجتماعية مبنية على رسائل نصية، تصاحبها مشاعر باردة"، لافتا إلى أن المسؤولية يتحملها الفرد في حد ذاته؛ لأنه لم يعرف كيف يسيّر التكنولوجيا، ويجعلها تتحكم فيه في ظل تفشي النزعة الفردية.

من جهته، يرى المختص الاجتماعي الأستاذ حسين زبير، أن "التكنولوجيا نقلت المجتمع من الحداثة إلى ما بعد الحداثة. وهو العالم الذي يوصف بأنه ذلك الذي لا يخضع لأي سلطة ". ويشرح المختص الاجتماعي: "إن التكنولوجيا وما تؤمّنه من امتيازات في الفضاء الافتراضي عبر المنصات والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، جعلت المنظومة التقليدية تتهدم بغض النظر عن أبعادها الدينية، والعرفية، والاجتماعية والسياسية"، مشيرا إلى أن "البناء الاجتماعي في المنظومة الغربية، زال كليا بالمفهوم التقليدي.

أما في المجتمعات العربية فنجد أنه لايزال موجودا، ولكن بنسب قليلة؛ إذ نجد أن العلاقات الاجتماعية كانت تتم في أطر واضحة. ولعل أبسط مثال على ذلك، العلاقة بين الذكور والإناث؛ رغم أنها كانت موجودة، إلا أنها كانت دائما تخضع للأطر التي تحكمها القيم الاجتماعية، التي تحدد مكان وزمان العلاقة. ولكن اليوم في العالم الافتراضي الذي تغيب فيه سلطة الضبط الاجتماعي للأولياء والمجتمع ككل، يغيب فيه المكان والزمان، وشجع مقولة " اِفعل ما شئت".

وحسب المتحدث، فإن ما يعكس غياب سلطة الضبط الاجتماعي بالفضاء الافتراضي، انتشار ما يسمى "المؤثرين "، الذين " زادوا الطين بلة "، لا سيما أن الكثيرين ممن يؤثرون في المجتمع هم من أصحاب المحتوى الفارغ بالنظر إلى ما يقدمونه من محتوى متدنّ؛ لأنهم، ببساطة، يملكون من الجرأة ما يكفي مقارنة بأصحاب المحتوى الراقي، وهو الأمر الذي يؤكد على فكرة غياب السلطة الدينية والاجتماعية بالفضاء الافتراضي.

تأثير التكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية مرجعه ثقافي بالدرجة الأولى، حتى لا نقول دينيا؛ لأنها تهمة سهلة يقول المختص الاجتماعي؛ "وهذا يقودنا إلى القول بأننا لم نؤسس لمشروع مجتمع واضح. ولم نحدد مواصفات الفرد الجزائري، الذي نحتاج إليه، وعلاقته بمرجعيته الدينية، وبالآخر، والبيئة التي يعيش فيها"، وبالتالي يمكن القول بأن التكنولوجيا فضحت النسيج الاجتماعي، الذي لم تعد تحكمه أي ضوابط، مشيرا في السياق، إلى أن "تأثير التكنولوجيا على الروابط الاجتماعية هو تأثير حتمي لا مفر منه بحكم التطور، ولكنه يخضع لثقافة كل فرد على حدة، التي يُفترض أن تكون ثقافة متحدية، على حد قول مالك بن نبي".