استهلكت الملايير وبقيت عرضة للإهمال

نافورة "باب قسنطينة".. أو عندما يهدر المال العام

نافورة "باب قسنطينة".. أو عندما يهدر المال العام
  • القراءات: 1862
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

ما تزال النافورة التي أنجزت وسط مدينة سكيكدة، بالمكان المسمى "باب قسنطينة" في ساحة الشهداء، منذ أكثر من 5 سنوات تقريبا، تصنع الحدث عند العام والخاص بعاصمة "روسيكادا"، بالنظر إلى التدهور الفظيع الذي آلت إليه.

أمام هذا الوضع، يلح مواطنو مدينة سكيكدة، على ضرورة فتح تحقيق حول هذا المشروع الذي اعتبره رئيس بلدية سكيكدة الحالي، الشريف بودعاس، أغلى محور دوران أو نافورة في الجزائر، كما يعد أيضا نموذجا من نماذج إهدار المال العام في وضح النهار، وصورة من صور إهانة إحدى الشخصيات التاريخية المتمثلة في القائد الرمز البطل الشهيد زيغود يوسف، كون أن هذا المعلم الذي يتواجد في وسط المدينة، أضحى مرتعا للمنحرفين بغض النظر عن المعلومات المغلوطة المدونة في القطعة الرخامية المثبتة تحت التمثال، من جهة، ومن جهة أخرى، افتقاده للمسحة الجمالية التي أفقدت هذا النصب التذكاري رمزيته في مدينة تعد عاصمة للحركة الوطنية، ومهدا للثورة والثوار وصانعة ملحمة 20 أوت التاريخية.

عند إنجازنا لهذا الموضوع، صادفتنا العديد من المشاكل، للحصول على تصريحات بعض المنتخبين ممن زاولوا مهامهم في العهدة السابقة، إذ منهم من رفض الإدلاء ولا حتى إعطاءنا معلومات حول المشروع، رغم أنهم صادقوا عليه عند عرضه أمام أعضاء ذلكم المجلس البلدي، فيما تحدث البعض الآخر عن بعض الضغوطات التي مورست عليهم من قبل بعض النافذين، من أجل المساهمة في إنجاز هذا المشروع، خصوصا من قبل الوالي الأسبق بلحسين الموجود في سجن الحراش، لتورطه في قضايا فساد، وتحت ضغط رئيس الدائرة الأسبق المنتهية مهامه، والأكثر من ذلك، فإن كل من تحدثنا معهم، كان كل واحد منهم يرمي الكرة في مرمى الطرف الآخر، بما فيها توريط الأسرة الثورية التي ـ كما قيل لنا ـ ساندت المشروع، والأصح، حسب المعلومات التي جمعناها، ساندت فكرة إنجاز معلم للشهيد الرمز زيغود يوسف يليق بمكانته التاريخية، والمحير في كل هذا، ورغم تحفظات البعض أمام ضخامة المبلغ المخصص للمشروع، الذي تم إنجازه على حساب ميزانية البلدية، بعد أن تم تمريره بسهولة من خلال مداولة صادق عليها الجميع بأغلبية.

9 ملايير سنتيم لإنجاز أغلى نافورة في الجزائر

رئيس بلدية سكيكدة الحالي، السيد الشريف بودعاس، وعند اتصالنا به، أكد لنا أن الغلاف المالي الذي خصص لهذا المشروع بكل حصصه، والذي أسندت أشغال إنجازه إلى 3 مقاولات، قد وصل إلى 9 ملايير سنتيم، مضيفا أن المقاولة الأولى أسندت إليها أشغال البناء من خرسانة وغيرها، أما المقاولة الثانية، فقد تكفلت بأشغال المضخات والأضواء، في حين كلفت المقاولة الثالثة، وهي من تلمسان، بإنجاز التمثال، والغريب في أمر هذا المشروع، طريقة إسناد الأشغال للمقاولين، والتي، حسب المعلومات التي جمعناها من هنا وهناك، لم تتم حسب الإجراءات القانونية المعمول بها، بل أكثر من ذلك، فقد كان الأجدر على البلدية آنذاك، إطلاق مسابقة وطنية لاختيار أحسن مجسم يتناول أحداث 20 أوت 55، يليق بمقام الشهيد البطل الرمز زيغود يوسف، ويليق أيضا بمكان الإنجاز الذي له خصوصية، وحسب المعلومات التي بحوزتنا أيضا، فإن الوالي الأسبق بالحسين، هو الذي اقترح فكرة إنجاز المعلم على شكل باخرة يقودها البطل الشهيد زيغود يوسف، وقد تمت الموافقة عليها دون نقاش، رغم أن المشروع هو مشروع بلدية سكيكدة، وكان على المجلس البلدي آنذاك على الأقل إبداء التحفظ على المجسم، والتحفظ على المبلغ، والأكثر من عدم إطلاق استشارة ملاءمة أو عدم ملاءمة، في إطار ما يعرف بالديمقراطية التشاركية، لكن تجري الرياح بما لايشتهيه المواطن، ليتقرر إنجاز مشروع النافورة كما أراده الوالي الأسبق بلحسين، تحت إشرافه الشخصي، بعد أن كلف رئيس الدائرة الأسبق بمتابعة مدى تطور الأشغال، بالتنسيق مع مصالح البلدية.

أموال ضخمة، عيوب بالجملة ومصالح الرقابة خارج مجال التغطية

من غرائب هذا المشروع؛ غياب المتابعة من قبل الجهة الوصية المكلفة بمراقبة الأشغال، التي غضت الطرف عن العديد من العيوب التي يدركها حتى الأعمى، منها السلالم التي لم تنجز بدقة، ناهيك عن العيوب فيما يخص الجهة الأعلى، خصوصا ما يتعلق بتمديد الأنابيب والمضخات وغيرها، دون الحديث عن رداءة نوعية الرخام والإنارة الداخلية ونوعية الأنابيب، والنافورة التي لا تعكس صراحة المبلغ المالي الذي خصص لهذا المشروع، فيما شوهت النافورة مدخل المدينة، إذ حجبت الرؤية عن شارع الأقواس الذي يعد فريدا من نوعه على المستوى الوطني، كما تعرضت العديد من الركائز الحديدية، وحتى قطع من الرخام للتلف والكسر ولم ينجو منها حتى الراية الوطنية.

رئيس بلدية سكيكدة الحالي الشريف بودعاس، وخلال حديثه مع "المساء"، اعترف صراحة بالوضع المزري الذي أضحت عليه النافورة، مشيرا إلى أن البلدية شرعت في إنجاز دراسة تشخيصية، من أجل تحديد الأعطال والأعطاب والنقائص على مستوى النافورات وشبكة الإضاءة، مع إمكانية إحالة الملف أمام العدالة.

مدير المجاهدين: "لا علاقة لنا بالمشروع"

من جهته، نفى مدير المجاهدين نفيا مطلقا كل ما قيل عن دور الأسرة الثورية، بما فيها قطاعه فيما يخص الموافقة على إنجاز هذه النافورة، مؤكدا لـ"المساء"، أنه لا دخل لقطاعة لا من قريب ولا من بعيد في هذا المشروع، كونه أنجز بميزانية البلدية، والأكثر ـ كما قال ـ "لم يتم حتى استشارتنا فيه".

مواطنو سكيكدة يطلبون من رئيس الجمهورية التدخل

أما المواطنون، فقد أجمعوا كلهم على عدم حاجة مدينة سكيكدة لهذا المشروع الذي شوه المدينة، بعد أن استهلك أموالا جد ضخمة، محملين المجلس البلدي الأسبق، وكذا والي سكيكدة الأسبق، مسؤولية إهدار المال العام، والمؤلم ـ حسبهم ـ الإهمال الذي طال هذا المعلم

الذي تحول إلى وكر للمنحرفين والمتشردين، ويطالب السكيكديون بإلحاح كبير من رئيس الجمهورية إيفاد لجنة تحقيق رفيعة المستوى، للوقوف على فضيحة نافورة "باب قسنطينة" التي تعكس صراحة تبديد المال العام وإهداره، لأنه، حسبهم، لا يمكن بأي حال السكوت عن هذه الجريمة التي زادت من مأساة مدينة ما تزال تبحث عن نفسها، بينما طالب البعض الآخر صراحة تهديمها، مع إعادة إنجاز معلم صغير يتناسق مع المدينة.

مؤسسة "الشهيد العقيد زيغود يوسف" تندد

من جهتها، نددت مؤسسة "الشهيد العقيد زيغود يوسف" التاريخية للشمال القسنطيني، خلال اتصالنا برئيسها الدكتور أحسن تليلاني، بالخطأ التاريخي الجسيم في هذه الجدارية، بمقام تمثال الشهيد البطل زيغود يوسف وسط مدينة سكيكدة، والذي ينبغي تصحيحه، خاصة ونحن ـ كما قال ـ "مقبلون هذا العام على الاحتفال بالذكرى 65 لهجومات 20 أوت 1955"، ويتمثل الخطأ ـ حسبه ـ فيما جاء من معلومة أن استشهاد زيغود وقع في نفس مكان استشهاد ديدوش مراد، بوادي بوكركر، قرب سيدي مزغيش، والصحيح ـ حسب الدكتور ـ أن ديدوش مراد استشهد يوم 18 / 01 / 1955 في وادي بوكركر، قرب السمندو بولاية قسنطينة، بينما استشهد زيغود يوم 23 / 09 / 1956 في منطقة الحمري، قرب سيدي مزغيش بولاية سكيكدة. أما الخطأ الثاني، وهو خطأ جسيم، فيتمثل في كتابة الآية القرآنية تحت أرجل تمثال زيغود، وهذا غير مقبول تماما، كما صرح الدكتور تليلاني لـ"المساء"، مضيفا أن الذين أنجزوا هذا التمثال لم يكن يهمهم التاريخ الصحيح، ولا أي شيء آخر، بقدر ما كان همهم المال، مطالبا من والي سكيكدة ورئيس البلدية التدخل العاجل، قبل تنظيم وقفة احتجاجية أمام هذا التمثال لتصحيح ما فيه من أخطاء.