المرشد السياحي كادير الزمني:

المهنة تبحث عن التفعيل

المهنة تبحث عن التفعيل
  • القراءات: 1082
مريم . ن مريم . ن

يتحدّث المرشد السياحي كادير الزمني عن تجربته الطويلة في استقبال الزوّار الوافدين للقصبة، وكيف يتم توجيههم وتقديم المعلومة التاريخية الصحيحة لهم، كما أبدى المتحدّث عنايته الفائقة بتاريخ الثورة التحريرية التي بقي أثرها ممتدا يفرض نفسه في كل جولة سياحية، ليطلب هذا المرشد من الجهات المعنية التكفّل أكثر بالمرشدين المعتمدين والأكفاء كي لا تسود الفوضى، ولا تتحوّل هذه المهنة النبيلة إلى "بزنسة"

هل تمارس مهنة المرشد السياحي بشكل رسمي أو هو مجرد تطوّع منك؟

 أمارس هذه المهنة بشكل رسمي منذ أكثر من سنتين، ونتبع نحن المرشدون وزارة الفنون والثقافة، وأنا مكلّف بالعمل داخل حي القصبة، أقوم بمرافقة الزوّار والسوّاح من داخل وخارج الوطن.

كيف جاءت فكرة مزاولتك لهذا النشاط؟

❊❊ ولدت بالقصبة وأقيم فيها مع أبنائي وأحفادي (دويرة) تماما كما كان أجدادي رحمهم الله، مُطّلع على تاريخها الحافل وعلى تاريخ الجزائر عموما، كما أني تجاوزت عقد الستين من العمر، وبالتالي كان لي الحظ في الاحتكاك بمن سبقونا من أهل القصبة من كبار السن (الشيوخ) الذين نهلت منهم الكثير من المعلومات عن القصبة، سواء في العادات والتقاليد أو من حيث الأماكن والأحداث التي جرت فيها، وكذلك أسماء العائلات وتفاصيل عن الثورة التحريرية وما قبلها وأمور كثيرة منها حركة التجارة وأشهر الدكاكين والباعة وغيرها الكثير، ناهيك عن الفنون والحركة الثقافية والدينية السائدة في زمانهم وما قبلها بقرون حفظوها هم أيضا عن أجدادهم.

ماهي أهم المعلومات التي تحرص على تقديمها خلال الخرجات السياحية؟

 أحرص على أن أكون دقيقا في إعطاء المعلومات الصحيحة لكي لا يكون هناك مجال للتراجع أو التصحيح فهذا ينال من مصداقيتنا، خاصة نحن أبناء القصبة التي يجري حبها في دمنا، كما أنّني لا ألتزم ولا أحصر كلّ ما أقدّمه على الفترة العثمانية بالجزائر، فالقصبة كانت كائنة كمدينة قبل القرن الـ15 م فيكفي أنها كانت "مزغنة" عاش بها أهل الجزائر من مناطق شتى، وطبعا كان هناك أطماع لنيل خيراتها، من ذلك أطماع إسبانيا وهجماتها ما جعل العثمانيين يصدون هذا الخطر، ثم يبسطون حمايتهم على الجزائر.

كما أتوقّف عند زلزال القرن الـ17 الذي ضرب الجزائر واختفت معه الكثير من المعالم المهمة، لكني في المقابل لا أركّز كثيرا على الوجود العثماني من خلال الجانب الاجتماعي والثقافي، حيث يقال إنّهم بقوا أجانب عن الحياة الجزائرية خاصة في بداية تواجدهم بالعاصمة، عكس ما كان من ترحاب لباقي الجزائريين الوافدين من مناطق أخرى من الجزائر كمنطقة القبائل ومن بني مزاب وغيرهم.

أحاول كجزائري أن لا يطغى الوجود العثماني بالقصبة على الخصوصية والتاريخ الجزائري، فلنا نحن أيضا تاريخنا وثقافتنا وليس من الإنصاف أن ننساق وراء فكرة ترسخ أننا كنا بحاجة لمن يحضرنا، ومن بين ما أسرده على الوافدين حكاية العجار مثلا الذي كان يهدف إلى حجب الجزائريات من نساء القصبة عن عيون الانكشاريين، وكذا آداب الدخول والخروج وبعض القيم التي صنعت مجد أجدادنا.

إذن على ماذا كان التركيز؟

 غالبا ما أربط تاريخ القصبة بتاريخ النضال والجهاد خاصة إبان الاحتلال الفرنسي، وذلك كوفاء من جيلي ومن أجيال لاحقة لما قدّمه الرجال الذين كان لهم الفضل، بعد الله، في تحقيق نعمة الحرية للجزائريين، ولذلك أطوف بالزوّار عبر شوارع وساحات وبيوت شهدت أحداثا مهمة، خاصة إبان معركة الجزائر وإضراب الـ 8 أيام، مثلا أتوقف عند دار الشهيد بوعلام رحّال أوّل من قطعت المقصلة رأسه وهو الشاب الذي غنى عنه الراحل الباجي في رائعة "يا المقنين الزين، يا أزرق الجنحين"، كذلك الحال مع دار جميلة بوحيرد التي هي آية في الإبداع المعماري. 

في مرات أخرى أحن شخصيا لأماكن أخرى تحكي عن الثورة خلدتها السينما من ذلك دكان "عمي العربي" في فيلم "أبناء نوفمبر" للراحل موسى حداد ومفاتيح الدكان لا تزال عندي، إضافة إلى بطل الفيلم "مراد بن صافي" الذي كان جاري في القصبة وبيته يقابل بيتنا.

 حدّثنا عن مسار وبرنامج الرحلة التي تقترحها على الزوّار؟

 يأتي الزوار من مناطق مختلفة من الوطن ومن ديار الغربة وأيضا من الأجانب من مختلف البلدان والقارات، وقد شهدت سنة 2023 إقبال أكثر من مليون زائر، ما فاق التوقعات، وبالنسبة لي فأنا أختلف مع باقي المرشدين من خلال برنامجي معهم فأنا لا ألتزم بجولة ساعة ونصف بل تصل الزيارة إلى 4 ساعات متواصلة، أجوب فيها كل القصبة بدون استثناء بداية بالقصبة السفلى حتى العليا ومن الجهتين اليمنى واليسرى، وذلك ناتج عن حبي للقصبة التي أسعى لتقديمها بكل التفاصيل، كما أن هذا الحب والحرص جعلني أبحث أكثر في التاريخ علما أني أحتفظ ببعض الوثائق والصور خاصة للشهداء والمجاهدين، منها إعلانات للشرطة الفرنسية تبحث فيها عن الشهيد محمود بوحاميدي، وكذا صور استشهاد علي لابوانت مثلا.

ماهي أمنيتك في عيد القصبة الوطني؟

 أتمنى من المؤرخين البحث أكثر في تاريخ القصبة، ففيه الكثير من الأمور التي لا تزال مخفية، كما أوجّه رسالة إلى الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الثقافة لتحديد مهنة المرشد السياحي وتضبط عمله واختصاصه، فأنا مثلا أتقاضى 500 دينار عن الزائر الواحد في 4 ساعات من التجوال بينما مرشدون آخرون تابعون لوكالات أخرى يكون المبلغ بـ2000 دينار للفرد في جولة ساعة ونصف ولا تقدّم فيها الأماكن والتواريخ كما يجب.

وغالبا ما تكون زيارتهم ترفيهية تعتمد على المطاعم والمقاهي (منها سطح البهجة) والتقاط الصور، وهناك أمر آخر وهو تحويل بعض المعالم إلى أماكن للترفيه أو للطعام مثلما هو الحال مع حمام العواتق، ما يفرض التساؤل التالي هل هي أماكن تابعة لوزارة الثقافة أو لجهات أخرى، كما أن هناك بعض النشاطات الثقافية والتجارية المقامة في القصبة لا تمتد لمعالم أخرى وتبقى مقتصرة مثلا على القصور منها قصر "خداوج العميا" الذي يقام فيه الآن معرض للزخرفة على الخشب، كنا نتمنى أن يقام هو وغيره في دكاكين القصبة التي كانت تشهد هذه الحرفة.