التسممات الغذائية.. الظاهرة التي تحولت إلى "وباء"

التسممات الغذائية.. الظاهرة التي تحولت إلى "وباء"
  • القراءات: 5728
 رشيدة بلال/ نور الهدى بوطيبة رشيدة بلال/ نور الهدى بوطيبة

تحولت التسممات الغذائية من ظاهرة مناسبتية وفصلية (في موسم الحر) إلى ظاهرة بكل ما تعنيه الكلمة في أبعادها الصحية والاجتماعية والسلوكية.

ولم تجد الأخبار اليومية التي تقرأها حول تسجيل حالات تسمم جماعي هنا وهناك في الولائم والأعراس وحتى المطاعم الجماعية خاصة منها المدرسية والجامعية، في حمل القائمين عليها أو المقبلين عليها من ادراك خطورتها ومحاربتها بإجراءات وقائية، أو ردعية أو قانونية أو تأهيلية للقائمين عليها.

هذا إذا يتعلق الأمر بالتسممات الجماعية التي لا يمكن التستر عليها، فماذا عن التسممات الفردية وقد انتشرت نقاط الأكل السريع في كل مكان وفي الطرقات السريعة التي كثيرا ما يقع المسافرون ضحية لجشع أصحابها على سبيل المثال.

هذا الملف يلقي الضوء على بعض جوانب هذه الظاهرة الخطيرة  على صحة المواطن، والتي وصلت حتى البيوت وأصبحت تهدد السلامة الصحية لأفراد الأسر.

60 بالمائة تسجل بالمطاعم الجماعية  …. 86 ألف حالة تسمم غذائي بين سنتي 2016 و2017

يرى خالد بلبواب، نائب رئيس جمعية «الأمان» لحماية المستهلك، أن المواطن الجزائري اليوم أصبح يستهلك دون وعي، الأمر الذي جعل معدلات التسمم الغذائي ترتفع من سنة إلى أخرى. وقال لـ»المساء»، أن جمعية «الأمان» سبق لها في تجربة فريدة من نوعها، أن أنشأت شبابيك لطرح أي نوع من الشكاوى، غير أن المؤسف ـ هو أن الشكاوى المتعلقة بالتسمم الغذائي قليلة جدا ـ وأغلب ما تم تسجيله يتعلق بالهواتف النقالة، مشيرا إلى أن غياب ثقافة التبليغ عن التسمم الغذائي، دفع بالجمعية إلى التفكير في تسطير إستراتيجية تحسيسية وطنية تهدف إلى توعية المواطنين ونشر ثقافة الاستهلاك الصحي.

من جهة أخرى، أكد محدثنا أن النتائج الميدانية للحملات التحسيسة التي بادرت إليها جمعية «الأمان»، كشفت عن تمسك المستهلك ببعض التقاليد الغذائية الخاطئة التي يأبى التخلي عنها، وهذا «ما تكشفه الأرقام التي تشير إلى تسجيل 86 ألف حالة تسمم غذائي خلال الفترة الممتدة بين 2016 و2017 المصرح بها من المستشفيات، والتي أحصتها وزارة التجارة، مشيرا إلى أن هذا الرقم يبقى بعيدا كليا عن الرقم الحقيقي لأن أغلب الحالات لا تصل إلى المستشفيات». وردا على سؤال حول الحالات التي عادة ما يسجل فيها التسمم الغذائي، أشار محدثنا إلى أن جمعية «الأمان» في حملتها التحسيسية، انطلقت من الإحصائية التي قدمتها وزارة التجارة، التي تشير إلى أن 60 بالمائة من التسمم الغذائي تحدث عادة في الولائم الجماعية ومطاعم الإقامات الجامعية وقاعات الحفلات. يقول المتحدث أن جمعيته بادرت «بالعمل على مستوى هذه الأماكن لرفع الوعي الغذائي بالتركيز على أهم النقاط المسؤولة عن إحداث التسمم، ومنها عدم احترام سلسلة التبريد والاعتماد على بعض المعلبات منتهية الصلاحية، وعدم حفظ الأغذية في الأماكن التي تمنع تلفها، خاصة إذا كانت سريعة التلف بفعل عامل المناخ الذي يلعب دورا بارزا في إحداث حالات التسمم الغذائي.

حول كيفية تغيير الذهنيات الغذائية، واكتساب ردود الفعل الإيجابية للتبليغ  عن حالات التسمم الغذائي من أصعب الأمور، لأن الكثيرين تعودوا على  مواجهتها وتلخصها عبارة «نوكل ربي عليهم»، تفاديا لمباشرة الإجراءات القانونية التي تتطلبها عملية متابعة حالات التسمم الغذائي، التي تعتبر واحدة من أهم الأسباب التي تجعل ضحايا التسمم يرفضون التبليغ. ولعلّ هذا ما يصعب عملنا، ويقول «نراهن اليوم الغذائي على توعية الأطفال بظاهرة التسمم في محاولة لإكسابهم بعض المفاهيم المتعلقة بتجنب الوقوع ضحية لها». مشيرا إلى أن الجمعية في هذا الإطار، سعت بعد الحصول على ترخيص من وزارة التربية سنة 2016، إلى تسطير برنامج عمل تحسيسي يخص مختلف الأطوار التعليمية.

رشيدة بلال

بسبب بعض سلوكيات الطبخ والتخزين الخاطئين   ربات البيوت أيضا مسؤولات!

تقع العديد من النساء في البيوت ضحية العديد من الأخطاء، تتحمّل عواقبها الأسرة كافة، عادة ما تكون تلك العادات الخاطئة مرتبطة بالمطبخ، وكلّ ما يحصل داخله من تحضير للأغذية، وخطورة تلك الأخطار تترتّب على حساب صحة كل أفراد العائلة، أبسطها تسمّم غذائي حاد.

تمارس بعض النساء في مطبخهن الكثير من السلوكيات التي تجهل أحيانا حيثياتها، يعود البعض منها إلى عادات وتقاليد قديمة مارسها الأجداد، في حين تبنت أخريات سلوكيات جديدة كيّفتها مع حياتهن المكتظة لتسهيل تحضير الغذاء.

البعض من تلك السلوكيات التي تراها المرأة أحيانا سهلة، اقتصادية، أو غير ذلك، قد تكون جد خطيرة على الصحة، وحول هذا الموضوع اقتربت «المساء» من بعض النساء لمعرفة مدى احترامهن لقواعد المطبخ، وهل لهن ثقافة استهلاكية رشيدة تحفظ صحتهن وصحة عائلاتهن.

بداية كان لنا حديث مع (وسيلة.ص) متزوجة حديثا، أوضحت أن كل ما تقوم به داخل البيت هي من العادات التي توارثتها عن أمها، والتي بدورها تبنتها عن جدتها، مشيرة إلى أنها لم يسبق لها محاولة معرفة مدى سلامة تلك السلوكيات من عدمها، وهل هناك انعكاسات سلبية لبعضها في حال  كانت خاطئة.

كان هذا حديث غالبية الفتيات اللواتي حدثنهن، وكانت لهن ثقة عمياء في كل ما تقمن به، مشيرات إلى أنهن في بعض الأحيان يتصرفن بعفوية تجعل المرأة أو ربة البيت تحسن ما تقوم به، أخذت دائما بعين الاعتبار صحة عائلاتها، كحفظ الأغذية في الثلاجة، ومراعاة النظافة، والتعقيم والتنظيف لكل ما يتم تحضيره، فضلا عن الطبخ الجيد والأخذ بعين الاعتبار جودة الأطعمة التي يتم تحضيرها وتناولها.

على صعيد آخر، أوضحت أخريات متقدمات في السن مقارنة بحديثات الزواج، أنّ هناك العديد من التفاصيل التي لا تولي لها المرأة اهتماما خاصا في البيت، مما يجعلها تتحول إلى سلوكيات خاطئة مضرة بالصحة، ومن بين تلك السلوكيات، تقول زهرة (ربة بيت وأم لأربعة أطفال) أن اليوم وبحكم الحياة العملية وخروج المرأة للعمل، ومحاولتها التوفيق بين الأمرين، تقع الكثيرات في فخ «التطور» الذي مس الأطعمة التي نتناولها، دون أن تدرك مدى خطورة ذلك.

تقول المتحدثة بأن معظم تلك السلوكيات الخاطئة مرتبطة بشروط الحفظ، تجلها الكثيرات من ربات البيوت، وهذا ما يجعلها تعتمدن الأسلوب العشوائي، مثل خلط الأطعمة النيئة والأطعمة المطهية داخل الثلاجة، وهو ما يؤدي إلى تراكم البكتيريا وتشكل فطريات مضرة بالصحة، فضلا عن التجميد وإعادة التجميد التي تمارسها الكثيرات دون وعي منهن بخطورة السلوك، إلى جانب تصرفات أخرى، مثل عدم احترام قواعد النظافة أو الغسل الجيد للخضر والفواكه، والاستهلاك المفرط للحوم المجمدة، أو الاستعمال العشوائي للمسخن الكهربائي، وغيرها من السلوكيات التي قد تبدو بسيطة، إلا أن عواقبها وخيمة على الصحة، تتسبب في حالات كثيرة من التسمم الغذائي الحاد.

في هذا الخصوص، أكدت معظم من مسهن استطلاعنا، أنّه على الأقل مرة في السنة يصاب أحد أفراد العائلة بتسمم غذائي، وفي كثير من الأحيان توجه أصابع الاتهام لمحلات الأكل السريع أو بائع المواد الغذائية العامة، لكن قليلا ما يتحمل الفرد سلوكياته التي قد تكون خاطئة، وسببت له تسمما غذائيا بسبب غياب الوعي الصحي لديه.

هذا ما أشار إليه عبد الرزاق الذي اعترف أنه سبق وأن أصيب بتسمم غذائي دون أن يأكل أي غذاء خارج البيت، وهذا دليل على أن بعض الأخطاء قد نرتكبها بأنفسنا دون وعي بمخاطرها، لهذا يجب الحذر خلال تحضير الوجبات، لمعرفة ما نستهلكه ونبتعد قدر الإمكان عن كل تصرف له انعكاسات سلبية على الصحة.

نور الهدى بوطيبة

رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلكالمتدخلون لا يقومون بواجبهم

يرى مصطفى زبدي، رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه ردا على سؤال «المساء»، حول غياب ثقافة التبليغ عن حالات التسمم الغذائي، أن «المنظمة عادة لا تتدخل بأي شكل من الأشكال عند وقوع التسمم الغذائي، لأن العمل بعد وقوع الحادثة من مسؤولية مصالح الأمن، خاصة إن كان التسمم جماعيا».

دور المنظمة ـ يضيف المتحدث ـ «هو استباقي لأنه يتعلق بالتوعية والتحسيس وإرشاد المستهلك إلى جملة الإجراءات والخطوات التي تجنّبه الوقوع ضحية تسمم غذائي»، مشيرا إلى أن المنظمة من بين أهم أعمالها، المبادرة إلى إطلاق صفارة الإنذار عندما يتعلّق الأمر بوجود منتج غير مطابق يهدد صحة المستهلك، وهو ما حدث في عدة مرات، «حيث تم سحب منتجات هددت صحة المستهلك، وتم إعلام التجار بها لأخذ الاحتياطات اللازمة».

فيما يتعلق بغياب ثقافة التبليغ عن التسمم الغذائي، يقول زبدي أن هذا مرجعه إلى عدة أسباب، في اعتقاده، جعلت ثقافة التبليغ عن التسمم الغذائي تكاد تنعدم، ونجد حتى الطبيب الذي يفترض أنه ملزم بالتصريح بها ولا يفعل ذلك. وبالرجوع إلى الأرقام المصرح بها من وزارة التجارة،  والتي تشير إلى تسجيل من 5 آلاف إلى 6 آلاف حالة تسمّم سنويا، نجد أنّها تظل بعيدة عن الواقع، مشيرا إلى أن تكتّم بعض الأطباء عن حالات التسمم الغذائي مرجعها الإجراءات المعقدة، رغم أن التسمم الغذائي يعتبر من الأمراض التي ينبغي التبليغ عنها.

من جهة أخرى، حمّل محدثنا المواطنين الجانب الأكبر من مسؤولية عدم تمتعهم بثقافة التبليغ، كونهم يبادرون إلى علاج أنفسهم بالذهاب إلى الصيدليات، واقتناء الدواء اللازم ويرفضون في المقابل التبليغ، رغم أنّ التسمم الغذائي يعتبر من الجرائم التي ينبغي محاربتها.

أصابع الاتهام بخصوص التسممات الغذائية في السنوات الأخيرة، تتجه ـ حسب رئيس المنظمة ـ نحو المطاعم الجماعية والأعراس والولائم، ولعل ما وسع من دائرة التسمّم، يقول «تغيّر النمط الاستهلاكي، حيث نجد أن  المطاعم الجماعية أو الولائم، أصبحت تعتمد في قائمة الأطباق المحضرة  على المأكولات سريعة التلف، الأمر الذي رفع معدلات التسمم الغذائي».

وحول المطلوب اليوم لمحاربة ظاهرة التسمم الغذائي، يرى زبدي «أن الحد من التسمم يتوقف على الرفع من العمل التحسيسي الذي ينبغي ـ يقول ـ  «أن لا يبقى محصورا في الطرق التقليدية التي عادة ما زلنا نعمل بها، وفي المقابل لابد من الاعتماد على الوسائل العصرية وعلى ما تقدّمه التكنولوجيا من وسائل كفيلة بالرفع من معدل الوعي». بالمناسبة، كشف عن الشروع في إعادة إطلاق حملة «لا تسقني سما» التي لقيت نجاحا كبيرا، بالنظر إلى الاعتماد على وسائل متطورة في عملية التوعية والتحسيس والممثلة في مختلف الوسائط التكنولوجية»

رشيدة بلال

الدكتورة كريمة سعودي مستشارة في التغذية:الأكل «الميت» سبب خفي للتسمم

ربطت الدكتورة كريمة سعودي، مستشارة في التغذية، موضوع التسمم الغذائي بالعادات الغذائية الخاطئة التي تبنتها بعض الأسر، وقالت في حديثها لـ»المساء»، أن ربات البيوت يلعبن دورا بارزا في محاربة الظاهرة،  من خلال تعلم أسس الطبخ الصحي من جهة، وحمل أفراد العائلة على العودة إلى الأكل المعد بالمنازل، مشيرة إلى أنه يخطئ من يعتقد أن التسمم الغذائي ناجم عن انتشار بعض الميكروبات في الأغذية الفاسدة فحسب، وإنّما يرجع أيضا إلى الاعتماد على بعض الطرق الخاطئة في الطبخ، مثل «الاعتماد على ورق الألمينيوم في تحضير بعض الأطباق، والذي يعتبر من الأسباب التي تحدث تسمّما غذائيا، في المقابل، ينبغي تعويضه بورق الزبدة الذي يعتبر من الوسائل الصحية في الطبخ».

من بين الأسباب التي تحدث التسمم الغذائي أيضا، حسب المستشارة في التغذية، الطرق الخاطئة في حفظ اللحوم بالأكياس البلاستيكية، حيث يفترض أن يتم حفظها في ورق الزبدة، ومن ثمة يتم إخفاؤها في الأكياس، وبهذه الطريقة يتم تجنّب التسمم الناجم عن التفاعلات التي تحدث بين المادة الغذائية ومواد الحفظ، مشيرة إلى أنه على ربات البيوت تعلم تحضير بعض الأغذية في المنازل التي عادة ما تكون سببا في وقوع التسمم الغذائي، والتي يعرف عنها سرعة تلفها كمعجون الطماطم أو «المايونيز» أو بعض أنواع الحلويات.

من بين النقاط التي ارتأت الدكتورة التركيز عليها فيما يخص التسمم الغذائي، ما يعرف بالأسباب الخفية للتسمم، والمتمثلة ـ حسبها ـ في الأكل الميت، وتشرح «الأكل الميت الذي عادة ما تختاره النساء العاملات هو ذلك الذي يطبخ ويتم وضعه في الثلاجة، إذ يفترض أنه بعد الطبخ أصبح «ميتا»، أي فاقدا لقيمته الغذائية، مشيرة إلى أن «ربات البيوت عموما يحضرن أطباقهن لفترات زمنية طويلة، الأمر الذي يفقدها قيمتها الغذائية ويتم حفظها لمدة طويلة، وبالنتيجة نقدم غذاء خاليا من الفائدة ومسببا للتسمم الغذائي».

حول سبل محاربة التسمم الغذائي، ترى مستشارة التغذية أن الطريقة الفعالة لمحاربة التسمم الغذائي، تبدأ من إخضاع النساء إلى دورات تكوينية لتعلم كيفية تحضير الأكل الصحي، مشيرة إلى أنها، في هذا الإطار، سبق لها وأن أطلقت حملة واسعة لتعريف ربات البيوت ببعض أسرار تحضير الطبخ الصحي، وقد لقيت الحملة تجاوبا كبيرا من ربات البيوت اللواتي أعربن على استعدادهن لتعلم عدد من الوصفات الصحية واكتساب مهارات الطبخ الصحي».

رشيدة بلال

سهام دحمان طبيبة عامة لدى المدرسة العليا لعلوم التغذية لـ»المساء»:لم تعد مرتبطة بالصيف فقط

كشفت الدكتورة سهام دحمان، طبيبة عامة بالمدرسة العليا لعلوم التغذية والصناعات الغذائية، عن أنه يستشيرها من 40 إلى 50 شخصا في الشهر الواحد مصاب بحالة تسمم حاد، مشيرة إلى أن هذه الحالة المرضية أصبحت تنتشر على مدار السنة وليس فقط خلال فصل الصيف، حيث كان التسمم الغذائي يعرف ذروته بسبب درجة الحرارة المرتفعة والإتلاف السريع للمنتجات الغذائية.

على هامش الأسبوع المغاربي لصحة الطالب، أوضحت الدكتورة أن التسممات الغذائية أصبحت اليوم مشكل صحة عمومية، يعاني منها الفرد على الأقل مرة واحدة في السنة، لأسباب عديدة أهمها ضعف الوعي الصحي لدى المستهلك في بعض الأحيان، وغياب الضمير المهني لدى البائع في أحيان أخرى.

في هذا الخصوص، قالت المتحدثة أن الانقطاع في سلسلة التبريد عادة هي السبب الرئيسي في إتلاف المواد الغذائية التي بدورها تعد المسؤولة عن التسبب في التسمم الغذائي، موضحة أن أكثر المتعرضين لهذا المشكل الصحي هم الطلاب، الذين يمضون معظم أوقاتهم بعيدا عن البيت، وهو ما يدفعهم إلى تناول الغذاء والعشاء خارج البيت، عادة تكون تلك الأطعمة متكونة من مشتقات الحليب أو بعض اللحوم المصنعة، باعتبارها مواد جد حساسة وتتلف سريعا، وفي بعض الأحيان لا يظهر عليها التلف، إلا أنها في حقيقة الأمر تحمل بكتيريا مضرة بالصحة.

تضيف المتحدثة أنه لا بد من الإشارة إلى أنواع التسمم الأخرى التي تكون ناتجة عن مواد كيماوية أخرى، كالأدوية أو منظفات البيت التي يستهلكها الطفل دون علم، وغير ذلك من المشاكل التي تعتبر هي الأخرى تسمما، لكنه ليس نفسه التسمم الغذائي الذي يتسبب فيه الأغذية،  وقالت «معظم حالات التسمم الغذائي تحدث بعد تناول غذاء يحتوي على كائنات مسببة للمرض أو مواد سامة لا يمكن رؤيتها ولا الإحساس بها ولا تذوقها، إضافة إلى ذلك يمكن لهذه الكائنات المجهرية التكاثر بسرعة والتضاعف إلى الملايين في ساعات قليلة، فتناول الأغذية الملوثة قد يسبب تسمما تظهر أعراضه من خلال ارتفاع درجة حرارة الجسم، الشعور بالغثيان، القيء، الدوار، الإسهال، وآلام حادة في المعدة، وشعور بالرعشة، وهو ما يعرف عادة بـ»الحمى الباردة».

قالت المتحدثة بأنّ التسمم الغذائي حالة مرضية لابد أن لا يستهان بها، فمن الممكن أن تكون خطيرة، كما يمكن أن تسبب مضاعفات صحية على المدى الطويل، تصل أحيانا إلى بلوغ درجة الجفاف والموت في بعض الحالات، مما يعرف بالتسمم الحاد، لذلك فإنه من المهم الوقاية منها بالاستعمال الصحيح للأغذية.

للحد من التلف، تضيف المتحدثة، ينبغي احترام سلسلة التبريد وتاريخ انتهاء الصلاحية للمنتوجات الطازجة والمجمدة، والحذر خصوصا من بعض المواد الحساسة، كالبيض، مشتقات الحليب والكاشير بأنواعه، وكذا تفادي إعطاء المنتجات التي نشك في صلاحيتها بالنسبة للأطفال، النساء الحوامل وكبار السن باعتبارهم أكثر حساسية من غيرهم.

في الأخير، دعت الدكتورة إلى احترام بعض قواعد السلامة، كحفظ المنتوجات الجافة في جو جاف، على أن يكون التجميد والذوبان في أسرع وقت ممكن، عدم اقتناء المعلبات المنتفخة أو المفتوحة، عدم شراء المنتوجات ذات الرائحة غير الطبيعية خاصة اللحوم، الأسماك..، وحفظ البيض في المبرد لمدة 3 أسابيع كحد أقصى، هذا فيما يخص المستهلك، في حين لابد أن يتسم البائع والمتعامل التجاري بضمير مهني والابتعاد عن بعض الحيل التي يمارسها البعض، كإطفاء المبرد ليلا لاقتصاد الكهرباء، أو يزور تاريخ انتهاء الصلاحية، أو بيع أي منتج لا يتوافق ومعايير السلامة الصحية.

نور الهدى بوطيبة

المختصة في التغذية فايزة حاجي: المحاربة تبدأ بالمستهلك

تؤمن السيدة فايزة حاجي، المختصة في التغذية، بأن تجنب الوقوع ضحية تسمم غذائي تبدأ بتعميم نشر الثقافة الغذائية في أوساط الأسر التي تعتبر في حقيقية الأمر، جزءا لا يتجزأ من التربية أو ما يسمى «بالتربية الغذائية الصحية»، التي لا تتحقق إلا بتوفر شروط، تلخصها ـ تقول المختصة ـ لـ»المساء»، في أن يستعيد الأولياء دورهم الرئيسي في البيت، وهو وضع قواعد لا بد من احترامها لكن بذكاء، لحمل الأطفال على تقبّل الغذاء المنزلي، مثل إشراكهم في وضع قائمة الطعام، وهي في نفس الوقت فرصة لتعريفهم بمكونات غذائية يجهلونها أو بالأحرى يتجاهلونها، وكذا النقاش الإيجابي حول ضرورة تغيير العادات السيئة في نمط الغذاء، بالتدرج طبعا».

من بين الأفكار البسيطة، حسب المختصة في التغذية، التي تجلب الأطفال لغذاء الصحي، ومن ثمة حمايتهم من الوقوع ضحية تسمم غذائي، خاصة أنهم لا يميزون بين الأكل الصحي وغير الصحي، مرافقتهم إلى السوق لتعريفهم بالخضر والفواكه المتنوعة وفتح حوار معهم، حول فوائد أكل الخضر والفواكه، مشيرة إلى أن إكساب الأطفال ثقافة غذائية صحية، يبدأ بتغيير فطور الصباح، لأنّه يعتبر عاملا رئيسيا حتى يقبلوا فكرة الغذاء الصحي، لأنّ من اعتادوا شراء فطورهم، مثل «الكرواصون» والعصير الغني بمكونات كيميائية، في رأيي ـ تقول المختصة ـ «معرضون يوما ما للإصابة بالتسمم الغذائي، لذا ينبغي في المقابل أن نصحح هذه العادات بإعادة الاعتبار لما يحضر بالمنزل».

من جهة أخرى، تعتقد المختصة أن ما رفع من معدلات التسمم الغذائي هو الاستقالة الجماعية للأولياء، بعدما أصبح كل شيء يشترى، ولعل هذا ما نقف عليه، تقول «بمطاعم الأكل السريع، حيث نجد الأولياء رفقة أبنائهم، يتناولون مختلف الوجبات السريعة مرفقة بمشروبات مصنعة تلعب دورا كبيرا في وقوع التسمم الغذائي، خاصة إن كان أصحاب المحلات لا يحترمون شروط الطبخ الصحي، ومن هنا تظهر»أهمية إكساب الأمهات ثقافة غذائية»، مشيرة إلى أنها لاحظت في الورشات الغذائية التي تشرف عليها وجود نوع من الوعي ورغبة في العودة إلى الأكل المنزلي.

رشيدة بلال