السد الأخضر بعد 45 سنة من إطلاقه

من حزام أمام الرمال إلى مشروع اقتصادي

من حزام أمام الرمال إلى مشروع اقتصادي
  • القراءات: 2447
 استطلاع نوال. ح  استطلاع نوال. ح

 يُعتبر التصحر من بين أكبر المشاكل التي أضحت تقلق العديد من حكومات الدول، وما زاد من تعقد الوضعية انعكاسات التغيرات المناخية التي رفعت من المساحات المهددة بالجفاف؛ ما أصبح يهدد الأمن الغذائي.

الجزائر تقع ضمن المناطق شبه الجافة، وبعد أن سجلت ارتفاعا في فترات الجفاف خاصة في الموسم الشتوي، تقرر إعادة إحياء مشروع السد الأخضر بطريقة تسمح بتحوله من مجرد حاجز أمام زحف الرمال إلى مشروع اقتصادي منتج، من شأنه توفير مداخيل جديدة للمديرية العامة للغابات وحتى للسكان الذين يقطنون بمحاذاة السد الأخضر.

المشاريع الجوارية للتنمية أنعشت الحزام الأخضر

السد الأخضر هو ذلك المشروع الذي أريد له أن يكون "الحصن المنيع" المشيَّد بسواعد أفراد الجيش الوطني الشعبي سنة 1974، لوقف زحف رمال الصحراء، كما صُنف آنذاك بين أكبر المشاريع الإيكولوجية في إفريقيا، وأهم إنجاز عملت الجزائر على تحقيقه؛ كونه يربط شرق الوطن بالغرب على مسافة 1500 كيلومترا وبعرض يزيد عن 20 كيلومترا، وهو ما سمح بغرس 3 ملايين هكتار من المساحات الغابية بولايات تبسة، خنشلة، باتنة، المسيلة، البويرة، المدية، الجلفة، الأغواط، البيّض والنعامة.

ولتنفيذ المشروع الكبير تم تقسيمه إلى ثلاث مراحل، امتدت المرحلة الأولى من 1974 إلى 1980، واقتصرت خلالها الإنجازات على عمليات تهيئة الأرضية وغرس عدد من أشجار الصنوبر الحلبي، وكانت نسبة النجاح متواضعة نظرا للظروف البيئية المحلية غير المواتية، وعدم توفر الدراسات التقنية وأنواع الأشجار التي تتكيف مع الطبيعة الجغرافية.

وبين 1981 و1990 تم التغلب على الصعاب تدريجيا بعد إدخال مجموعة من التحسينات، ليتم تنسيق العمل ما بين الجيش الوطني الشعبي الذي تجنّد لتنفيذ المشروع، والمديرية العامة للغابات التي ساهمت بإعداد الدراسات واختيار أنواع الأشجار؛ تماشيا ونوعية التربة ومناخ كل ولاية.  

أما بالنسبة للمرحلة الثالثة التي امتدت من 1990 إلى 1993، فقد تميزت بانسحاب وحدات الإنجاز التابعة للجيش الوطني الشعبي، وأُسندت باقي الأشغال لمصالح الغابات، وهو ما أثر سلبا على المشروع الذي عرف تأخرا خاصة في جانب التهيئة والصيانة، ليتم سنة 2000 إطلاق مخطط وطني لإعادة التشجير، أخذ، لأول مرة بعين الاعتبار، السكان الذين يقطنون بالقرب من مساحات السد الأخضر في الحسبان، مع العلم أن أغلبهم تم  نزع الملكية منهم لإنجاز السد الأخضر من دون تعويض، وهي الفكرة التي ساهمت في إنجاز أكثر من 30 بالمائة من المشاريع الجوارية للتنمية الريفية المدمجة لصالح أكثر من  250 ألف عائلة ريفية استفادت من عدة مشاريع اقتصادية مست نشاط تربية الماشية وغرس الأشجار المثمرة، بالإضافة إلى إنعاش نشاط خلايا النحل؛ ما جعل نشاطهم مرتبطا بالسد الأخضر.  

حصيلة أهم إنجازات مشروع السد الأخضر من 1970 إلى 2015

تطرقت الأرقام الأخيرة التي أعدتها المديرية العامة للغابات، لغرس 300 ألف هكتار من الأشجار؛ تنفيذا لمشروع السد الأخضر، وهو ما ساهم، بشكل فعال، في تثبيت الكثبان الرملية وحماية المناطق الداخلية من التصحر.

كما سمحت البرامج التنموية المعتمدة من طرف وزارة الفلاحة، بزرع أكثر من 42 ألف هكتار من النباتات الرعوية، وأزيد من 21 ألف هكتار من الأشجار المثمرة، مع تخصيص  2 مليون هكتار من المساحات المزروعة للرعي. بالمقابل، تم فتح 14 ألف كلم من المسالك الفلاحية والريفية، مع إنجاز أزيد من 1500 وحدة لتعبئة الموارد المائية.

 وتشير المعطيات إلى أن الولايات الـ 10 التي يمر عبرها السد الأخضر مصنفة ضمن المناطق السهبية، وتم اختيارها بغرض حماية النشاط الرعوي من الزوال، خاصة أن هناك أكثر من 7 ملايين شخص ينشطون في هذا المجال، غير أن الرعي العشوائي والتوسع العمراني على حساب الغطاء النباتي، أضحى يهدد السد الأخضر؛ مما تطلّب إعداد دراسات دقيقة لحماية المساحات المغروسة من الضياع.

وقصد التعرف عن قرب على وضعية السد بعد 45 سنة من الإنجاز لجأت المديرية العامة للغابات إلى مركز تقنيات الفضاء بأرزيو لإعداد خريطة لتحديد المناطق المهددة بالتصحر. وحسب الصور الملتقطة من طرف الأقمار الصناعية فقد تم التأكد من قابلية تصحر 52 بالمائة من مساحة السد الأخضر بسبب ظاهرة التعرية، في حين غطت الرمال 33 بالمائة من المساحة.

ولاستدراك الوضع واعتماد خطة عملياتية مستعجلة لحماية هذه الثروة الغابية من الضياع كلفت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، مكتب الدراسات الخاصة بالتنمية الريفية (BNEDER)، بإنجاز أول دراسة حول إعادة تأهيل وتوسعة مساحة السد الأخضر. وتهدف الوزارة من خلال الدراسة إلى تحديد نوعية التهديدات التي يتعرض لها السد الأخضر، مع تقييم الآثار البيئية والاجتماعية لهذا الاستثمار، وتقييم مختلف برامج مكافحة التصحر التي أجريت منذ الثمانينات إلى غاية اليوم، بالإضافة إلى اقتراح خطة عمل قابلة للتنفيذ في أقرب وقت، تسمح بتحقيق الانتعاش، واقتراح استراتيجية تتماشى مع المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والإيكولوجية التي يفرضها واقع اليوم.

توقُّع تمديد مساحة السد الأخضر بـ 1,7 مليون هكتار في آفاق2019

الدراسة المعتمدة من طرف مكتب الدراسات الخاصة بالتنمية الريفية مست حتى الآن 100 ألف هكتار للسد الأخضر من أصل 1500 هكتار، ولاتزال أعمال التقييم والدراسة متواصلة إلى غاية الانتهاء من كل المساحة؛ بغرض تحديد الوضعية الحالية ورفع الاقتراحات إلى الوصاية.

وحسب المعلومات الأولية فقد سُجلت عدة انتهاكات، على غرار إنجاز السكنات الريفية بطريقة غير مدروسة؛ ما جعل السلطات المحلية تسمح بإنجاز المباني على مساحات رعوية، ناهيك عن غياب الرقابة عن النشاط الرعوي؛ ما جعل الرعاة سببا في تعرية المساحات المغروسة بسبب استعمالهم الشاحنات لنقل الماشية من منطقة إلى أخرى، بالإضافة إلى فتح العديد من المنابع المائية، وهو ما خلق عددا كبيرا من المسالك وسط المساحات الرعوية.

ومن مجمل الاقتراحات التي رفعها المكتب إلى الوزارة الوصية ضرورة تحديد الإطار القانوني لحماية المراعي، والسهر على عدم تملّك العقار السهبي الذي يبقى ملكا للدولة، بالإضافة إلى تحديد نوعية الأراضي المخصصة للرعي وتلك المخصصة للمنشآت القاعدية، مع تحديد المساحات السهبية التي تكون خاصة بعملية التشجير لدعم السد الأخضر وتلك المخصصة للزراعة، والمساحات القابلة للاستثمار الفلاحي. 

يُذكر أن وزارة الفلاحة تقترح تمديد منطقة السد الأخضر لمساحة إضافية تقدر بـ 1,7  مليون هكتار على مستوى 10 ولايات، مع إعادة تأهيل المزروعات على مساحة 159 ألف هكتار لتجديد الغطاء النباتي، والسهر على توسيع المساحات الرعوية بـ 1,8 مليون هكتار.