المواطن محور السياسات العمومية في جزائر جديدة ومنتصرة
مكاسب اجتماعية ملموسة وخيارات استراتيجية مدروسة

- 148

❊ دعم القدرة الشرائية وزيادات تصل 47 من المائة في الأجور
❊ خلق بيئة اجتماعية هادئة
❊ عناية خاصة بمرضى السرطان
❊ المرأة العاملة والشباب في قلب المعادلة الاجتماعية
❊ "عدل 3".. التزام بتكريس حقّ المواطنين في السكن
تحلّ الذكرى الثالثة والستون لاسترجاع الجزائر للسيادة الوطنية، من استكمال مسيرة البناء والتشييد، بعد أن نال الشعب الجزائري مراده من ثورة نوفمبر المجيدة، من خلال الكفاح المسلّح والتضحية بالنفس والنفيس لاقتناص الحرية من المستعمر الفرنسي الغاشم، لتنطلق بعدها مسيرة البناء والتشييد، التي تميّزت بتحقيق مكاسب اجتماعية هامة، تمثّلت في بناء مؤسّسات الدولة، وتطوير قطاعات التعليم والصحة، مع السعي للتغلّب على التحديات الاجتماعية التي خلّفتها فترة الاستعمار.
تحيي الجزائر الجديدة الذكرى 63 لعيدي الاستقلال والشباب، التي تعدّ مناسبة متجدّدة لاستحضار مسيرة البناء الشاقة التي باشرتها غداة الاستقلال، حيث عملت على ترميم ما هدّمه المستدمر الغاشم طيلة 132 سنة، حيث سعى بكلّ الطرق إلى طمس الهوية الوطنية، وإيقاف النمو الحضاري والمجتمعي للجزائر، إلاّ أنّها بسواعد شبابها، تمكّنت من النهوض باقتصادها، وقطعت أشواطا كبيرة في مجال تكريس الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان.
انطلقت الجزائر بعد استرجاعها للسيادة في معركة جديدة، من خلال تكريس الحقوق الاجتماعية للمواطن، ووضعها في صلب أولوياتها، لتحقيق التنمية المتوازنة في ربوع الوطن، لتتمكّن بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، من قطع أشواط كبيرة في معركة البناء، وتحقيق مكاسب ملموسة في مجالات التعليم، والصحة، والسكن، والتشغيل، والحماية الاجتماعية، من أجل صون كرامة المواطن، وتعزيز التضامن الوطني والتكفل بجميع المواطنين في ظلّ الإنصاف والمساواة.
عناية خاصة بالطبقة العاملة والشباب
أولت الجزائر الجديدة عناية فائقة لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال عدد من التدابير المصيرية، على غرار مراجعة شاملة للضريبة على الدخل الإجمالي والرفع من الأجور بزيادات وصلت إلى 47 من المائة، واستحداث منحة البطالة، صيانة لكرامة الشباب، بالإضافة إلى جهود توفير مناصب الشغل وتسوية أوضاع الكثير من الموظّفين الذين استفادوا من الإدماج النهائي، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل اتّخذت السلطات العليا للبلاد قرارا تاريخيا مفاده تمديد عطلة الأمومة من 98 يوما إلى ستة أشهر، في إطار تعزيز حقوق المرأة العاملة، لتصبّ كلّ هذه الإجراءات في إطار حماية القدرة الشرائية، وخلق بيئة اجتماعية هادئة.
بلغة الأرقام، شهد قطاع الوظيفة العمومية، أربع زيادات متتالية بنسبة إجمالية بلغت 47 من المائة، استفاد منها أكثر من 2.8 مليون موظف ومتعاقد، بالإضافة إلى إعفاء الأجور التي تقل عن 30 ألف دينار من الضريبة على الدخل الإجمالي، فضلا عن سلسلة التثمينات التي أدرجت على معاشات التقاعد، التي تراوحت بين 10 و15 من المائة.
كما عمدت الدولة إلى دعم الفئات الهشة لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال زيادة في الدعم المباشر للأسر الفقيرة، بتخصيص حوالي 5 ملايير دينار لدعم الأسر ذات الدخل المحدود ضمن برنامج المساعدة الاجتماعية الشاملة، ومن المنتظر أن تتجاوز التكاليف المتعلقة بدعم وترقية التشغيل أزيد من 475 مليار دينار، فيما استفاد نظام الحماية الاجتماعية، من مبلغ قدره 353 مليار دينار.
بالمقابل بلغ عدد المستفيدين من منحة البطالة، أزيد من 2 مليون مستفيد.قطعت الجزائر أيضا أشواطا هامة في مجال التشغيل، ترجمتها الجهود الكبيرة المبذولة في سبيل توفير مناصب شغل وتحسين بيئة العمل، من خلال الاعتماد على برامج تشغيل متعدّدة الصيغ، وهو الأمر الذي شكّل تجربة جزائرية رائدة في مجال التشغيل بصفة عامة، وتشغيل الشباب بصفة خاصة.
ومكّنت سياسة التشغيل في الجزائر من توفير عشرات الآلاف من مناصب الشغل وإدماج عشرات الآلاف من المستفيدين من أجهزة الإدماج، وكذا التوظيف المباشر لآلاف الأساتذة الجامعيين من حملة شهادات الماجستير والدكتوراه، في عملية توظيف واسعة لم تشهدها الجزائر من قبل، فضلا عن إنشاء المؤسّسات الناشئة وتطوير منظومة دعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة وتوفير ترسانة قانونية لتشجيع الاستثمار.كما تجسّدت جهود الدولة في مجال خفض مستويات البطالة سيما لدى فئة الشباب من خلال تعزيز آليات الإقلاع الاقتصادي الذي يضمن توفير مناصب الشغل وخلق الثروة، حيث بلغت 9.7 من المائة نهاية 2024، فيما كانت تبلغ في وقت مضى أكثر من 30 من المائة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل استفادت المرأة العاملة، لأوّل مرة، من تمديد عطلة الأمومة، حيث يعدّ القرار، مكسبا اجتماعيا هاما يعزّز الحماية الاجتماعية لها، ويسهم في تحقيق التوازن بين الحياة الأسرية والمهنية، ويضمن حقوق الطفل في الرعاية الصحية. ويمنح قرار التمديد، المرأة العاملة فترة أطول للتعافي بعد الولادة والاهتمام بمولودها الجديد، ما يخفّف الضغوط النفسية والجسدية عليها، حيث انتقلت من 98 يوما إلى خمسة أشهر للأطفال المولودين بصحة جيدة، مع إمكانية تمديدها للأمهات اللواتي يلدن أطفالا يعانون من إعاقات أو أمراض خطيرة، ما يعكس حرص الدولة على توفير الرعاية اللازمة لهؤلاء الأطفال.
مجانية التعليم.. رهان بناء جزائر جديدة
شهد قطاع التعليم في الجزائر عديد المكتسبات الهامة منذ الاستقلال، بما في ذلك تعميم التعليم، وتوسيع تدريس اللغة الإنجليزية، ورقمنة القطاع، وتخفيف وزن المحفظة المدرسية، وتحسين وضعية الأساتذة، كما تمّ استحداث مسارات مهنية جديدة والتكفّل بمستخدمي جهاز المساعدة على الإدماج المهني.
ارتفع عدد التلاميذ من أقل من مليون في 1962 إلى أكثر من 11 مليون تلميذ في 2024، إلى جانب أكثر من 2 مليون طالب في الجامعات ومؤسّسات التعليم العالي، إضافة إلى مئات آلاف المتكوّنين في مؤسّسات التكوين المهني.
وحقّق نظام التعليم العالي إنجازات هامة على المستوى الكمي، خصوصا في مجال العدالة والوصول إلى التعليم العالي بسبب مجانية وديمقراطية التعليم، وما تبعه من مرافق بيداغوجية وبحثية منجزة، حيث أطلقت الجزائر برامج طموحة لدعم البحث العلمي، وتحسين ظروف التعليم، عبر الرقمنة، والمطاعم والنقل المدرسي، ومنح الإيواء والمنح الجامعية، كما تمّ اتّخاذ عديد الإجراءات لتخفيف وزن المحفظة المدرسية، مثل استخدام الألواح الإلكترونية وتوفير نسخ ثانية من الكتب المدرسية.
وتمّ العمل كذلك على تحسين وضعية الأساتذة، من خلال تسوية وضعية المتعاقدين، ووضع مسارات مهنية جديدة لهم إلى جانب استحداث مسارات مهنية لموظّفي التغذية المدرسية ومستخدمي جهاز المساعدة على الإدماج المهني، ما يعزّز استقرارهم الوظيفي ويحسّن أوضاعهم.
وبالنظر إلى التطوّر الهائل في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، تمّ إعداد المخطط التوجيهي لرقمنة القطاع، في إطار تعميم سياسة "صفر ورقة" في الوسط الجامعي، وكذا رقمنة خدمة النقل الجامعي عبر منصة "حافلتي" التي سمحت بتزويد 5855 حافلة للنقل الجامعي بأجهزة تعقّب ومكّنت من اقتصاد مبالغ مالية معتبرة للخزينة العمومية.ولتطوير المقاولاتية في الوسط الجامعي، خُصّص 1200 مكتب كفضاءات لاحتضان المؤسّسات الناشئة داخل مؤسّسات التعليم العالي والبحث العلمي، مع إحصاء 6050 مشروع مبتكر، كما تمّ إنشاء 102 مركز لتطوير المقاولاتية، 33 دارا للذكاء الاصطناعي، وإنشاء أول حاضنة رقمية بمواصفات دولية لمرافقة مشاريع الطلبة والباحثين هي الأولى من نوعها في الجزائر. أما على مستوى الهياكل فقد تمّ رفع عدد الغرف الفردية والثنائية في الإقامات الجامعية، وإعادة تأهيل الإقامات والمطاعم الجامعية وتزويد الإقامات بسيارات إسعاف.
مجانية العلاج وصحة المواطن في صلب الأولويات
تبنّت الجزائر سياسة صحية فاعلة للتكفّل الأمثل بصحة المواطنين، مكّنتها من القضاء على عدّة أمراض معدية وتقليص عدد الوفيات الناجمة عنها، كما تحقّقت إنجازات كثيرة سواء تعلّق الأمر بالتغطية الصحية والهياكل أو التجهيزات، إلى جانب توفير المورد البشري وبرامج صحية سمحت بتسجيل نتائج ملموسة.ويعدّ التكفّل الطبي المجاني لكلّ المواطنين خيارا استراتيجيا منذ السنوات الأولى للاستقلال، حيث تمّ العمل على توسعة خارطة الهياكل الصحية عبر كافة الولايات والبلديات، وتكوين آلاف الأطباء والإطارات الطبية، حيث يبلغ اليوم عدد الممارسين الصحيين أكثر من 80 ألف ممارس، فيما تجاوز عدد الأطباء العامين 40 ألف، و15 ألف أخصائي في المستشفيات.
كما سجّل قطاع الصحة، تحسّنا ملموسا في تدعيم الموارد البشرية والمادية من خلال إنشاء المؤسّسات الجوارية للصحة العمومية، بهدف تقريب الخدمات الصحية للمواطن، وتبنّت السلطات الصحية مخطّطات وقائية لمواجهة التهديدات التي قد تطرأ على الساحة الصحية العالمية وذلك بفضل الخبرة المتراكمة والدروس المستخلصة من تجربة "الكوفيد" التي وصفها بالناجحة.
وحظي مرضى السرطان، برعاية خاصة من خلال ضخ 30 مليار دينار في الصندوق الوطني لمكافحة السرطان، وإطلاق عملية تسليم بطاقات "الشفاء" لمرضى السرطان غير المؤمن لهم اجتماعيا، ما أتاح لهم الاستفادة من نظام الدفع من قبل الغير والحصول على العلاج بالمجان، حيث تمّ توفير 1700 دواء لفائدتهم ما ساهم في تخفيف الأعباء المالية عنهم.
كما تمّ توفير 21 مركزا لمكافحة السرطان، فضلا عن توسيع العلاجات الكيميائية بمختلف الهياكل الصحية، مع تخصيص 50 من المائة من ميزانية الصيدلية المركزية للمستشفيات لاقتناء المواد الصيدلانية الخاصة بمرضى السرطان، كما سيتعزّز القطاع بـ 29 مسرعا إضافيا مع بداية السنة المقبلة.
"الشفاء 2"..تعزيز الحماية الاجتماعية للمؤمّنين
لتحسين مستوى التكفّل بالمرضى المؤمنين اجتماعيا، اعتمدت الدولة عديد التدابير على غرار تخفيف الإجراءات الإدارية والتكفّل بالانشغالات المطروحة، وفق رؤية شاملة تضع الرقمنة في صلب الإصلاح الإداري وتحسين الأداء، حيث تمّ إطلاق عملية تحيين بطاقات الشفاء لدى الصيادلة، دون الحاجة إلى التنقل إلى وكالات الضمان الاجتماعي.
ومنذ بداية العمل بنظام "الشفاء"، بلغ عدد بطاقات الشفاء التي تم إصدارها أكثر من 20.5 مليون بطاقة، يستفيد منها حاليا أكثر من 30 مليون مؤمّن له اجتماعيا وذوي حقوقهم، في سياق استكمال ورشات التحوّل الرقمي في الجزائر، التي تسهر عليها وتتابعها المحافظة السامية للرقمنة.
كما أصبحت النسخة الجديدة من بطاقة "الشفاء 2"، مزوّدة بشريحة إلكترونية أكثر تطوّرا، تسمح باستيعاب آخر 40 وصفة إلكترونية موصوفة وآخر 400 دواء مسلم، مع رفع السقف المسموح به لاقتناء الأدوية من 3 آلاف إلى 5 آلاف دينار لفائدة غير المصابين بالأمراض المزمنة، وقد مكّنت هذه النسخة الجديدة من تعزيز مرونة معالجة الملفات الطبية، وتكاملها مع التطبيقات الذكية والمنصات الرقمية الخاصة بالتأمين عن المرض.
السكن الاجتماعي.. كرامة المواطن فوق كلّ اعتبار
واصل قطاع السكن حركيته المتسارعة، التي تميّزت بحصيلة قياسية في تسليم السكنات، حيث تمّ تسليم أكثر من 450 ألف سكن موزّع بمختلف الولايات، كما أُطلق البرنامج الثالث لسكنات البيع بالإيجار "عدل"، استجابة للطلب المتزايد من المواطنين ذوي الدخل المتوسط على هذه الصيغة السكنية.
وعملت الجزائر، على توفير مجمّعات عمرانية وسكنية متكاملة الخدمات ومناسبة لكافة فئات المجتمع، من خلال تخصيص برامج ضخمة، كما تم فتح المجال أمام البنوك الإسلامية لتيسير التمويل، وإطلاق مشاريع كبرى كبناء مدن جديدة مثل بوغزول، وبوينان وسيدي عبد الله.
وتمكّن القطاع من تجاوز 1.7 مليون سكن موزّع في الفترة 2020-2024، بينما يستعد لإطلاق برنامج جديد يتضمن مليوني سكن، تطبيقا لالتزامات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في برنامجه الرئاسي للعهدة الثانية.
وعلاوة على ذلك، سعت الدولة إلى تمكين مختلف الفئات الاجتماعية من الاستفادة من سكنات جديدة، على غرار طالبي السكن الاجتماعي وقاطني البناءات الفوضوية والهشة والعائلات المقيمة في العمارات المهدّدة بالانهيار أو في الشقق الضيقة والأسطح، تحقيقا لمبدأ الإنصاف في توزيع السكن وإعادة الإسكان.
ترسيخ الحريات النقابية والحوار الاجتماعي
تعزّز المشهد النقابي في الجزائر، بترسانة قانونية لحماية الحريات النقابية وتنظيمها، مع تشديد العقوبات على المخالفين لأحكامها، حيث تمّ توفير آليات قانونية لترسيخ أسس دولة الحق والقـانون، وتعزيز الحوار الاجتماعي والحريات الفردية والجماعية، في خطوة مهمة نحو تعزيز حقوق العمال وحمايتهم، والمساهمة في بناء علاقات عمل أكثر توازنا وشمولية.
ويمنح قانون النقابات العمال الحق في تكوين منظمات نقابية دون قيود أو تدخّل من أصحاب العمل أو السلطات، مع ضمان الحماية من التمييز بسبب انتمائهم أو نشاطهم النقابي. كما يتيح القانون للمنظمات النقابية المشاركة في المفاوضات الجماعية والتشاور في القرارات التي تمسّ مصالح العمال، مع ضمان حقّ الدفاع عن مصالح العمال المادية والمعنوية ومتابعة حقوقهم، بشكل يعزّز الديمقراطية، ويساهم في تحقيق التوازن بين أصحاب العمل والعمال.
ويضمن القانون الحقّ في الإضراب كأداة للضغط والمطالبة بالحقوق، مع تحديد شروط وضوابط لممارسته، ويعزّز التمثيل النقابي في المؤسّسات، ما يتيح للعمال فرصة التعبير عن آرائهم ومشاكلهم، كما ينصّ على فرض عقوبات على أي عرقلة للعمل النقابي أو تضييق على الحريات النقابية.