الفتوى خلال الثورة التحرير

مقاومة مفتوحة على كل الجبهات وانتصار للهوية الجزائرية

مقاومة مفتوحة على كل الجبهات وانتصار للهوية الجزائرية
  • القراءات: 2826
❊  مريم .ن ❊ مريم .ن

احتضن المجلس الإسلامي الأعلى أمس، ندوة تاريخية خصصت لموضوع "الفتوى خلال الثورة التحريرية" نشطها مؤرخون وقفوا عند أهمية الفتوى كوجه آخر للمقاومة، حيث تصدت للدعاية الإستعمارية وواجهت التنصير وتفكيك المجتمع الجزائري، كما حرصت على أن تكون المشرع الأول والوحيد على يد شيوخ نزهاء وأساتذة متكونين كي لا يضطر الشعب إلى اللجوء للإدارة الفرنسية.

افتتح اللقاء السيد عبد الله غلام الله، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، مخاطبا الحضور قائلا "أنا الوحيد بينكم الأكبر سنّا وبالتالي أنا أكثر من عاش تحت نير المستعمر، حيث قضيت 20 سنة من عمري في الجزائر المستعمرة (طفلا وشابا)، ولذلك كان للحرية طعم آخر عند جيلي بعد الاستقلال، فالجزائريون الذين عاشوا مثلي هذا الوضع ذاقوا المر والمهانة ولذلك اعتبروا الفاتح نوفمبر عيدا"، كما أشار المتحدث إلى أهمية قطاع العدالة لأنه يمثل الدولة القائمة والسيادة لذلك حرص الاستعمار على فرضها، ثم قامت الثورة بتعزيز العدالة والقضاء من خلال تكليف الشيوخ بالولايات بمهمة الإفتاء.

تدخل بعدها الأستاذ محمد الصالح آيت علجت، نجل الشيخ الطاهر آيت علجت، الذي تغيب عن اللقاء لأسباب صحية قاهرة، ومن ضمن ما قاله محمد الصالح، أن والده اختاره الشهيد عميروش، ليتولى مهمة الإفتاء والقضاء في الولاية الثالثة، وبالفعل قام الشيخ بحل النزاعات ورد المظالم، زيادة عن الخوض في المعاملات والقضايا الاجتماعية وغيرها، كل ذلك كان يجري بالمساجد والزوايا وبعض الأماكن المختارة، وكان الشيوخ يلقون التهديد من أذناب المستعمر كونهم اغتصبوا وظيفة من حق فرنسا، ثم أقر مؤتمر الصومام عمل الشيوخ.

في الجلسة الثانية من هذا اللقاء تحدث الدكتور محفوظ بن الصغير، من جامعة المسيلة عن "البعد المقاصدي للفتوى زمن الاحتلال وأثرها في الحفاظ على الهوية"، وانطلق من النزعة المسيحية للاستعمار الفرنسي الذي أراد ضرب الإسلام في الجزائر ابتداء من لافيجري وغيره، وامتد الاستيلاء والطمس إلى كل مظاهر الهوية لكن الشعب كان لها بالمرصاد، حيث قاطع المحتل وزاد إصراره بعد احتفالات فرنسا بمئوية تواجدها بالجزائر سنة 1930، قائلة بأنها جنازة الإسلام في الجزائر، لكن ذلك الاحتفال كان ضربة للمستعمر على يد فتيات جزائريات رفضنّ التجنس وعكّرن الاحتفال مما دفع لاكوست، بعدها للقول "وماذا أفعل إذا كان القرآن أقوى من فرنسا"، وتواصلت المقاومة في الزوايا والجمعيات حتى الثورة وتبنّى الجزائريون فتوى تراعي مقاصد المقاومة والوطنية منها رفض التجنيس وموالاة الكفار وتفضيل التقويم الهجري على الميلادي في الحساب، ووهب أموال الزكاة للتعليم لتحضير الشباب واعتماد هلال رمضان من المغرب أو تونس وتجاوز السلطات الفرنسية غيرها وهكذا كانت الفتوى بأبعاد تحررية.

أما الدكتور يوسف مناصرية، من جامعة باتنة، فقال إن فرنسا اعتمدت هي الأخرى الفتوى عند دخولها الجزائر في عهد بيجو، وصكت ختما كتب عليه "إن الأرض لله يورثها من يشاء" لترسيخ فكرة أن الاستعمار قدر، لكن الفتوى على يد شيوخ الجزائر كسرت المطامع مثل الحال مع مصطفى كبابطي، وابن باديس وكذلك الزوايا، وفي الثورة قام الشهيد عميروش، بتأميم أملاك الحبوس لصالح الثورة، وفي ستة 1956 قدم المرحوم أحمد حماني، فتواه الشهيرة التي زلزلت المستعمر حين أفتى للمجندين والموظفين الجزائريين عند فرنسا بالمغادرة والالتحاق بالثورة وكان التجاوب مذهلا، وحين تم القبض على الشيخ حماني، في أوت 57 وجدوا كل طلبته بمعهد بن باديس بقسنطينة، ثوارا ولهم علاقات مع قيادات الثورة وهذا ما سجلته جريدة "لاديبيش دو كوستونتين"، كما تكفّل بتوعية الشعب بمسجد سيدي مبروك.

يرى المتحدث أن الفتوى كانت أداة فعّالة في إستراتيجية الثورة خاصة فيما تعلق بالحرب النفسية لمواجهة الدعاية الفرنسية، وأضاف الدكتور مناصرية، أن بعض الشيوخ تحولوا للعمل الإعلامي والثقافي إبّان الثورة، كما كان الحال مع الراحل عبد الرحمن شيبان، وبدورهم كونوا إطارات تحضيرا لمرحلة الاستقلال.

من ضمن الشيوخ أيضا كان الشيخ صالح بن يحيى، عم مفدي زكريا وهو من تكفّل بتربيته و أصدر فتوى في الحرب العالمية الأولى، يمنع فيها المجندين الجزائريين من قتل إخوانهم المسلمين في باقي الدول.

تجربة الإفتاء والقضاء والمحاكم والتوعية وصفها المتحدث بالرائدة ودعا لاستغلالها اليوم كي تكون حصنا للجزائر، حاثا على تأسيس مركز للبحث الاستراتيجي في هذا المجال يضم إطاراتنا كما هو الشأن مع باقي الدول الكبرى.