طباعة هذه الصفحة

رقمنة سجلات الحالة المدنية

مصالح ”نموذجية” وأخرى لازمتها البيروقراطية

مصالح ”نموذجية” وأخرى لازمتها البيروقراطية
  • القراءات: 1980
❊ ع. د/المراسلون ❊ ع. د/المراسلون

هل حققت رقمنة سجلات الحالة المدنية بالبلديات الهدف المرجو منها؟ وما رأي المواطن الذي كان ينتظر لساعات طويلة أمام شبابيك مصالح الحالة المدنية في طوابير لا متناهية؟ وهل توافقت الجهود المبذولة من طرف الجهات الوصية مع ما هو موجود في الميدان؟ هي استفسارات حملها صحفيو ومراسلو المساء، بحثا عن إجابات انحصرت بين الرضا والاستياء، وبين معطيات أخرى ذهب من خلالها المستجوبون إلى إظهار الجوانب الإيجابية أكثر من تلك المتعلقة بالمتاعب التي مازالت في بعض الحالات ترهق المواطن، فرغم أن بعض البلديات تجاوزت أزمة الطوابير والاكتظاظ الذي كان يميز مصالحها، خصوصا خلال فترات الدخول المدرسي والاجتماعي، إلا أن البعض الآخر مازال يئن تحت وطأة الممارسات البيروقراطية التي لم يقض عليها التطور التكنولوجي. وما زاد الوضع تأزما في مصالح أخرى، ضعف التكوين والأخطاء المرتكبة في تسجيل الأسماء والألقاب، وهو ما كان وراء متاعب، قال عنها الكثير من المواطنين إنها كوابيس مازالت تلاحق قاصدي البلديات، هذا المشهد شذت عنه بعض المصالح التي اعتبرت، وفق ما ورد في تصريحات المسؤولين، نموذجية، بالنظر إلى نوعية الخدمات المقدمة، وفي ظرف زمني وجيز، مما أراح المواطنين والمشرفين على تلك المصالح. لكن في المقابل، أثيرت مسألة التكوين المتواصل للإطار البشري المؤهل سواء من حيث التحكم في التقنيات الحديثة أو في التعامل مع المواطنين، الذين يأملون في أن تتجسد الحوكمة الإلكترونية، انطلاقا من البلدية، بهدف ترقية مختلف الخدمات والتخفيف من الاحتقان الذي يعيشه الشارع، بسبب الكثير من الممارسات التي دفعت به للاحتجاج والمطالبة بالرقي إلى مستوى طموحاته.

ع. د

مصالح الحالة المدنية بالعاصمة ... الملحقات خففت الاكتظاظ والرقمنة لم تقض على الطوابير

رغم تطور الوسائل التقنية وتخفيف الوثائق الإدارية بمختلف الملفات، واستعمال التكنولوجيات الحديثة في استخراج الوثائق، مع فتح ملحقات للحالة المدنية بمختلف الأحياء الكبرى في البلديات، إلا أن صور الطوابير تبقى قائمة في العديد من بلديات العاصمة التي زارتها المساء، حيث وجدنا بعضها يعج بالمواطنين، وكأن الأمر يتعلق بوقت مضى لم تدخل فيه بعد التقنيات المتطورة مصالح البلديات، لاسيما مصالح الحالة المدنية بالمقرات المركزية للبلديات، وهو الأمر الذي لم تجد له الإدارة حلا نهائيا.

لا يختلف اثنان بشأن التطور الذي عرفته الخدمات الإدارية المتعلقة باستصدار مختلف الوثائق، التي انطلقت من مبدأ الأرضية الرقمية، التي تم من خلالها تقييد المعلومات الخاصة بشهادات الميلاد، ثم تلتها وثائق أخرى تباعا، وهي الإجراءات التي لقيت استحسان المواطنين في كل ربوع الوطن، حتى بالنسبة للجزائريين في المهجر، إذ يدخل ذلك في إطار الحكومة الإلكترونية التي تريد الدولة تحقيقها، حيث تمتد تسهيلاتها إلى مختلف القطاعات، كالعدالة، التجارة، المالية وغيرها.

تأتي هذه التسهيلات لإنهاء وضعية التأخر المسجل والمشاق الحاصلة في مجال استخراج الوثائق الإدارية، وما يترتب عنه من ضياع مصالح المواطنين، حسبما ذكره أحد المواطنين بالكاليتوس لـ«المساء، الذي قال إن الظروف كانت صعبة للغاية، حيث كان المواطن الراغب في استخراج شهادة ميلاد، يحسب ألف حساب للأمر، فينهض باكرا ليجد مكانه وسط الحشود، بل وكانت الأدوار في الطوابير تباع، كما تباع الأشياء والخدمات الأخرى، وقد امتد طاعون البيروقراطية، حسب تعبير محدثنا، إلى بيع حتى استمارات الوثائق الإدارية، فعندما تستخرج شهادة ميلاد لا تجد استمارة شهادة إقامة أو غيرها، ليضيف بأن هذا المشكل تم تجاوزه اليوم، لأن تخفيف الوثائق بالملفات الإدارية، وضع حدا للمبالغ الضخمة التي كانت تنفق من أجل طبع وثائق الحالة المدنية.

ضغط دائم رغم نعمة الرقمنة 

عندما زرنا مصلحة الحالة المدنية ببلدية برج الكيفان، شاهدنا زحمة كبيرة، ذكّرتنا بالوضعية التي كانت عليها الخدمات قبل أكثر من خمس سنوات؛ شبابيك ممتلئة على آخرها بالمواطنين، وآخرون جالسون على مقاعد الانتظار، وموظفون وراء المكاتب لم يستطيعوا تلبية الكم الهائل من الطلبات، رغم وجود ستة فروع إدارية تم توفيرها بمختلف الأحياء، منها درقانة، اسطنبول، فايزي وسي اسماعيل، لتخفيف الضغط القائم بالمصلحة المركزية، وأكد لنا أحد الموظفين بشباك التصديق على الوثائق، أن الأمر الذي لم تجد له الإدارة حلا، هو أن العديد من مواطني هذه الأحياء لا يزالون يتنقلون إلى المقر المركزي للبلدية من أجل استصدار وثائقهم، رغم وجود ملحقات بمقرات سكناهم، لذلك بقي الاكتظاظ قائما، يقول محدثنا، ويبذل الموظفون بالمصلحة جهودهم من أجل تلبية الطلبات في حدود ما توفر من إمكانيات متاحة، مشيرا إلى أن الفروع الموجودة في الأحياء تتوفر على نفس الخدمات، ما عدا بعض الوثائق التي تتوفر بالمصلحة المركزية للحالة المدنية فقط.

نفس الأمر بالنسبة لبلدية الكاليتوس، التي تم بها فتح سبعة فروع في مختلف أحيائها، كالقصر الأحمر، العرايسية، 1600 مسكن، النخلة، 917 مسكنا، الجمهورية والدالية، إلا أن ذلك لم يقضِ على الضغط المحسوس الذي لا يزال مسجلا على المصلحة بالمقر المركزي للبلدية، التي يقصدها عدد هائل من المواطنين، حسب أحد الموظفين الذي أكد أن الوافدين نحو المصلحة لا يأتون من إقليم البلدية فحسب، بل من البلديات المجاورة، كسيدي موسى، الحراش والدار البيضاء، ويفضلون الكاليتوس من أجل خدماتها الجيدة والتوقيت المناسب، مشيرا إلى أن مصلحة الحالة المدنية بالبلدية تعمل إلى غاية السابعة مساء، على عكس البلديات الأخرى التي تتوقف بها الخدمات على الساعة الرابعة عصرا، علما أنه لولا هذه الفروع، لكانت درجة الضغط لا تطاق، لاسيما أمام تزايد عدد السكان واستحداث أحياء جديدة.

تخفيف الوثائق لم يقض على الاكتظاظ

لا يختلف الأمر ببلدية الحراش، التي وجدناها أكثر اكتظاظا، حسبما لاحظناه، حيث لم يسع مقر مصلحة الحالة المدنية الحشود الكبيرة من المواطنين المتوافدين من مختلف بلديات العاصمة، حسبما لاحظناه، وأكده مسؤولو المصلحة، مشيرين إلى أن موقع مقر البلدية الاستراتيجي، وقربها من مقرات هيئات هامة، مثل محكمة الحراش، جعل عشرات المتقاضين يتدفقون يوميا على شبابيك الحالة المدنية لطلب مختلف الوثائق، ويصنعون ضغطا كبيرا داخل أروقة المصلحة، مما يزيد في مشاق الموظفين ويجعلهم تحت طائلة الضغط.

لا يختلف الأمر بالنسبة لبلدية حسين داي التي وجدناها عند زيارتنا لمصلحة الحالة المدنية، كخلية نحل تعج بالمواطنين، رغم أن العديد من الملفات الإدارية تم تخفيفها، كون العديد من المواطنين يفضلون استصدار وثائقهم من البلدية الأم، لقربها من مقرات عملهم، حيث أن البلدية تضم العديد من الشركات والمؤسسات الإدارية والاقتصادية، وقال لنا أحد المواطنين، الذي يأتي من باب الزوار ويعمل بجوار مقر البلدية، إنه يفضل استخراج ما يحتاج من وثائق من حسين داي، بل وأن العديد من سكان البلديات المجاورة مثل المقرية، باش جراح، وبوروبة يفضلون أو يضطرون لذلك، رغم أن الخدمات نفسها موجودة في مقرات بلديتهم.

الإعلام الآلي خفف المتاعب في انتظار تسهيلات أخرى

لا ينكر من حاورتهم المساء، أن عصرنة مصالح الحالة المدنية واستغلال تكنولوجيا الإعلام الآلي خففت من وطأة الاختناق، خاصة على موظفي المصلحة الذين كانوا يحررون الوثائق يدويا، ويقع العديد من غير المؤهلين منهم، ومن يتأثرون بالضغط في أخطاء، بعضها جسيم، مما يشكل متاعب أخرى لهم وللمواطنين، حسبما ذكرته لنا سيدة كانت بمصلحة الحالة المدنية لبلدية القصبة، وأنه حتى كراسي الانتظار لم تكن موجودة من قبل، وهي نعمة لم نكن نلمسها.  أما في بلوزداد، فلاحظنا إقبالا متوسطا للمواطنين على شبابيك الحالة المدينة، إذ يزيد الضغط وينقص وفق الظروف والمناسبات، على غرار فترة الدخول المدرسي، والسكن وغيرها، أما في باقي أيام السنة، فإن ظروف العمل لا تدعو إلى القلق، بفضل استعمال تقنيات الإعلام الآلي التي خففت الكثير من المتاعب، ووفرت الجهد والوقت، فيما زادت في قضاء حاجيات المواطنين.

كذلك الأمر بالنسبة لبلدية بئر خادم ودالي ابراهيم، حيث خفت وطأة الزحمة، بشهادة المواطنين الذين أكدوا لنا أن أحسن ما فعلته الدولة لفائدة المواطن، هو تبسيط الإجراءات الإدارية وتخفيف الوثائق، مع تزويد البلديات بقاعدة البيانات للأحوال الشخصية.

 رشيد كعبوب

بلدية قسنطينة رقمنة 98 بالمائة من سجلات الحالة المدنية

تعد بلدية قسنطينة الأم من بين البلديات النموذجية في تطبيق رقمنة الحالة المدنية، حيث بلغت نسبة رقمنة السجلات الخاصة بعقود شهادة الميلاد، الزواج وكذا الوفاة بالبلدية الأم، نسبة 98 بالمائة، بعد استكمال السجلات التي يعود تاريخها إلى ما قبل الاستقلال، وتحديدا إلى سنة 1870، تاريخ أقدم وثائق الحالة المدنية المتواجدة في أرشيف البلدية، والتي تمت معالجتها.

أكد السيد صلاح الدين بوهرور، مسؤول رقمنة الحالة المدنية على مستوى بلدية قسنطينة، أن تطبيق تعليمة وزارة الداخلية القاضية بتحسين الخدمة العمومية، من خلال تقريب الإدارة من المواطن ومحاربة الظواهر، كالرشوة والبيروقراطية وغيرها، سمح منذ سنة 2010  بالوصول إلى تسجيل نسبة 98 بالمائة من رقمنة الحالة المدنية بالنسبة لعقود الزواج والميلاد، وحتى الوفاة، باللغتين العربية والفرنسية، وأضاف خلال تقديمه لحصيلة رقمنة هذه العقود بالبلدية الأم وقطاعاتها الحضرية الـ11، أنه تم استخراج أزيد من مليون و900 ألف شهادة مكتوبة، فيما بلغ عدد الشهادات المنسوخة أو المرقمنة أزيد من مليون و949 ألف شهادة بين ميلاد، زواج ووفاة منذ عام 1870 إلى غاية أوت 2019، لتصل بذلك نسبة إدخال البيانات لاستخدام أجهزة الإعلام الآلي 98 بالمائة.

أشار المتحدث في نفس السياق، إلى أن عملية الرقمنة التي جاءت تنفيذا لمخطط عمل الحكومة الذي يهدف إلى تحسين أداء الإدارة العمومية، وجعله يتميز بالفعالية والشفافية، خاصة في مجال عصرنة المرفق العام باستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة، خلفت آثارا وانعكاسات إيجابية على مستوى التكفل بالخدمة العمومية في مصالح الحالة المدنية، الأمر الذي حقق ارتياحا بين المواطنين وحتى العاملين في القطاع، بالنظر إلى حجم التعامل اليومي والتكفل الأفضل بتلبية طلبات المواطنين يوميا.

كما أكد مسؤول الرقمنة، أن العملية مكنت من تفادي الأخطاء الإملائية المرتكبة في تحرير وثائق الحالة المدنية عند إصدارها، والتي كانت من بين الأسباب التي تشكل عائقا للمواطنين، خاصة في ما يتعلق بتكوين الملفات الإدارية التي يقابلها رفض الجهات الإدارية المعنية بسبب هذه الأخطاء، فضلا عن إنقاذ وتجديد أرشيف عقود الحالة المدنية الخاصة بالميلاد والزواج والوفاة في البلديات التي تعاني من قدم سجلاتها أو التي أتلفت.

ثمّن رؤساء المصالح والمواطنون الذين التقت بهم المساء، عند الشبابيك الخاصة بالحالة المدنية، ما وصلت إليه من خلال الإجراءات التي أعطت ثمارها وأزالت البيروقراطية والطوابير الطويلة، في ظل رقمنة جميع سجلات الحالة المدنية، وتمكين المواطن من استخراج كل الوثائق بصفة آنية من أية بلدية أو ملحقة إدارية، دون أن يتكبد عناء التنقل.

من جهة أخرى، وخلال جولتنا في عدد من البلديات والمندوبيات، لاحظنا بعض العجز المسجل في الجانب البشري، حيث لازال العجز في الأطقم البشرية وكفاءة الأعوان مطروحا على مستوى العديد من مندوبيات البلدية في عاصمة الشرق، وعلى رأسها مندوبيات المدينة الجديدة علي منجلي التي تعرف ضغطا كبيرا، خاصة أنها تغطي حاجيات 20 وحدة جوارية، ورغم تواجد ثلاث مندوبيات على مستوى المدينة الجديدة، غير أن المندوبية الأولى علي منجلي تعرف ضغطا رهيبا، حيث تعرف توافد حوالي ثلاثة آلاف مواطن يوميا لاستصدار مختلف الوثائق، من شهادات الميلاد والإقامة وغيرها، وهو الرقم الذي يرتفع، حسب القائمين عليها، إلى خمسة آلاف خلال أيام الدخول الاجتماعي.

لتبقى رقمنة الحالة المدنية على مستوى بلديات الولاية الـ12، متفاوتة من بلدية لأخرى، حسب الإمكانيات المادية والبشرية لكل بلدية.

شبيلة.ح

بومرداس  تحسين الأداء مرهون بتكوين المورد البشري

مكنت رقمنة مصالح الحالة المدنية من تحسين الخدمة العمومية كثيرا في ولاية بومرداس، حيث سمحت بالقضاء على ظاهرة تلف الوثائق واختصار الوقت، ناهيك عن تفادي إصابة أعوان الشبابيك بالقلق والتوتر، بسبب ضغط العمل والتعامل المباشر مع الزبائن، إلا أن مطلب تحسين هذه الخدمات أصبح يفرض نفسه في الوقت الحالي، لاسيما ما تعلق بتكوين ورسكلة المورد البشري.

أفاد بعض عمال مصلحة الحالة المدنية لبلدية بومرداس، بخصوص مزايا العصرنة، أن رقمنة مختلف المعاملات ساهمت بشكل كبير في تحسين مستوى الخدمة العمومية المقدمة، والقضاء على الضغط الكبير الذي كان مسجلا من قبل، خاصة أن الأرقام تشير إلى تسليم حوالي ألف وثيقة حالة مدنية يوميا، حسبما يوضحه ضابط حالة مدنية أمضى قرابة 20 سنة في هذه المصلحة، مؤكدا أن الرقمنة سمحت بتقليص العدد إلى النصف، وكان يشترط العديد من المواطنين عدم استعمال الكربون الذي يظهر الوثيقة المسلمة كأنها نسخة طبق الأصل، وهو ما يساهم، إلى جانب ورود بعض الأخطاء أثناء تحرير الوثيقة، في استعمال مضاعف لوثائق الحالة المدنية.

وهو ما يفسر، حسب المتحدث، اللجوء إلى طلب 20 ألف مطبوعة لوثائق الحالة المدنية من مديرية التنظيم والشؤون العامة كل 20 يوما، وهو رقم قال المتحدث، إنه عادي بالنظر إلى الطلب المتزايد على وثائق الحالة المدنية، متسائلا في هذا الصدد، عن سبب طلب المؤسسات التربوية مثلا، من نفس التلميذ إحضار شهادة ميلاد في كل سنة دراسية جديدة، رغم أن الإدارة تملك ملفا عن كل تلميذ عندما يسجل أول مرة، والتغيير الوحيد يكمن في الصورة والإقامة لا غير.

رغم ذلك، أقر الضابط أن الرقمنة ساهمت بشكل كبير في اختصار الوقت والجهد، بينما في السابق، كانت أصابعه تفشل حتى يكاد لا يحس بها، لكن اليوم، بنقرة فقط على الحاسوب، يتم نسخ الوثيقة المطلوبة، داعيا الوصاية إلى التفكير جديا في الاستعانة بالشباك الآلي لوثائق الحالة المدنية الذي أعلنت عنه مسبقا، حتى يتمكن المواطن من خدمة نفسه ذاتيا، على غرار استخراج الأموال من الموزعات الآلية، ناهيك عن مطالبتها بالتفكير في تخصيص دورات تكوين ورسكلة أعوان الشبابيك مثلا، ساعتين مساء كل سبت لمدة شهر في السنة، وهي المدة التي يراها المتحدث كافية لتلقين الأعوان أصول الخدمة العمومية المبنية على تعلم كلمة "نعم"، بدل مواجهة الزبون بكلمة "لا"، معتبرا أن الخدمة العمومية مبنية على تحسين وسائل العمل وتمكين المورد البشري من تقديم خدمة في المستوى، ومنه الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة التي تنتقل فيها المعلومة بين إدارة وأخرى، بدل تنقل المواطن نفسه بكومة من الأوراق والوثائق، مع تضييع الوقت والجهد والتسبب في خسارة أخرى للاقتصاد الوطني.

من جهتها، تعترف موظفة عون شباك أمضت 12 سنة بمصلحة الحالة المدنية، أن ضغط العمل بالورقة والقلم كاد يسبب لها انهيارا عصبيا من فرط تحرير الوثائق، ناهيك عن الأخطاء والاضطرار إلى إعادة تحريرها من جديد، لكن اليوم وبفضل الرقمنة، فإن استخراج الوثائق أصبح لا يكلف سوى دقيقتين على الأكثر لكل مواطن، مع انعدام الأخطاء، بينما تشير عون شباك أخرى، تعمل في نفس المصلحة منذ سبع سنوات، إلى أنها فكرت أكثر من مرة في الاستقالة نظرا للضغط الرهيب الذي يسببه العمل بالورقة والقلم، خاصة أنها لم تخضع لأي تكوين، مما جعلها تقع في الأخطاء، ثم تضطر إلى إعادة كتابتها، أما حاليا، فتحسنت الأمور كثيرا، لاسيما بعد أن ظفرت بمنصب عمل، إلا أنها تطالب بتحسين ظروف العمل أكثر.

حنان.س

 الإدارة الإلكترونية في ولاية سكيكدة ... تحسين الخدمات بتطوير الشبكة

ساهمت الرقمنة، أو ما يسمى بالإدارة الإلكترونية في ولاية سكيكدة، حسب حديث جمع "المساء" بالعديد من المواطنين بالمصلحة البيومترية المتواجدة في ممرات 20 أوت 55، أو بمصلحة جوازات السفر في الدائرة، في تطور العمل الإداري، مما أدى إلى تحسين الخدمة العمومية، رغم بعض المشاكل التي اعترضتها في البداية، بسبب الأخطاء التي مست بعض عقود الميلاد، إلا أنه تم تصويبها.

يرى السيد مصطفى.ع، البالغ من العمر 35 سنة، إطار متخصص في الإعلام الآلي، أن الوضع الحالي في ظل التطور التكنولوجي، أضحى يستوجب التحول من التسيير التقليدي إلى التسيير الحديث، من خلال استخدام أساليب وتقنيات حديثة توفر المرونة اللازمة، وتستجيب للمتغيرات الداخلية والخارجية المتسارعة، ومنه الوصول إلى اختصار الإجراءات الإدارية التي كانت في السابق، تبدد الوقت والجهد، لاسيما فيما يخص النفقات في ممارسة أساليب الإدارة التقليدية.

من جهته، أكد السيد سمير.ل، إطار في مؤسسة عمومية، أن الرقمنة ساهمت بشكل كبير في التقليل من الجهد الإنساني في مجال الخدمات، وبأقل التكاليف، مضيفا أن تكنولوجيا المعلومات أصبحت اليوم عنصرا أساسيا ومهما في حياتنا اليومية، على جميع الأصعدة، أما الآنسة مريم بن عاشور، طالبة جامعية تبلغ من العمر 20 سنة، فقد اعترفت بأن رقمنة الإدارة سهلت على المواطن استلام وثائقه بيسر، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين ولدوا في ولايات بعيدة، إذ بإمكانهم استخراج شهادة ميلادهم من أية ولاية يكونون فيها، في حين يرى الأستاذ المتقاعد ساهل كمال، أن نجاح ما يسمى بالإدارة الإلكترونية يبقى مرهونا بتحسين وتطوير وعصرنة قطاع التكنولوجية والرقمنة، ومن ثمة جعل خدمات الأنترنت ذات التدفق العالي في خدمة كل المواطنين.

أكد أحد الموظفين ببلدية سكيكدة لـ«المساء"، أن إعفاء المواطنين من تقديم بعض وثائق الحالة المدنية المتوفرة ضمن السجل الوطني الآلي، في إطار تأهيل وعصرنة المرفق العام، ساعد على ترقية الخدمة العمومية المقدمة وتطويرها.

عن واقع الرقمنة على مستوى بعض بلديات الولاية، أشار السيد عراب بوجمعة، رئيس بلدية الغدير، إلى أن الأمور على مستوى بلديته تمشي بشكل عادي وطبيعي، في ظل وجود تحكم كبير في التكنولوجيا الحديثة من قبل الموظفين.

أضاف أن الإدارة الرقمية على مستواه أصبحت حقيقة ملموسة، ولا يجد المواطن صعوبات في استخراج كل وثائقه في بضع دقائق، مشيرا إلى استخراج حوالي 200 شهادة إقامة يوميا، وشهادات ميلاد وشهادات زواج، وغيرها من الوثائق.

نفس الشيء أكده السيد سعيد بوعزيز، رئيس بلدية خناق مايون، حيث اعتبر أن مواطني بلديته لا يجدون أية صعوبة في استخراج كل وثائقهم الإدارية وفي أقل وقت، مما ساهم في تقليص الازدحام والطوابير وساعات الانتظار المملة، أما السيد نغرة عبد الحميد، رئيس بلدية قنواع، فأكد بدوره لـ«المساء"، أن الإدارة الرقمية أصبحت على مستوى بلديته واقعا ملموسا، ساهم بشكل كبير في ترقية الخدمة العمومية المقدمة للمواطنين فيما يخص استخراج وثائقهم بيسر وفي وقت وجيز، خاصة أن ثمة تحكما فعليا في هذه التقنية من قبل موظفي البلدية، رغم بعض المشاكل التي قد تظهر من حين إلى آخر، بسبب الخلل الذي يمس الشبكة.

للإشارة، وحسب تقرير لنشاطات مصالح الولاية، تم خلال سنة 2018، إصدار 205912 جواز سفر بيوميتري، و242519 بطاقة تعريف وطنية بيوميترية، مع توقيف وبشكل نهائي، إصدار بطاقات التعريف الوطنية العادية، وتم الانتهاء من تحيين السجل الوطني الأوتوماتيكي، من خلال العمل على إحصاء وتبادل الإشعارات بين البلديات التي لم تتم بعد تسجيل بياناتها على هامش عقود ميلاد المواطنين، كما تم الانتهاء سنة 2018، من وضع حيز التنفيذ خطط العصرنة، تطبيقا للبرقية الوزارية رقم 82 المؤرخة في 13/01/2019، ووضع حيز الخدمة الشباك الإلكتروني على مستوى بلدية سكيكدة، في انتظار تعميمه على باقي البلديات.

بوجعة ذيب

تبسة ... ضعف التكوين والأخطاء زاد من متاعب المواطنين

تدعمت مصالح الحالة المدنية في بلديات تبسة بتقنية الرقمنة، التي تندرج في إطار عصرنة الخدمات الإدارية الموجهة للمواطن، وتقريب الخدمة منه، وقد اقتصرت العملية في مراحلها الأولى على استخراج شهادتي الميلاد والوفاة فقط، لتتطور فيما بعد وتشمل جميع الوثائق، إذ ستسمح هذه التقنية الجديدة بتسريع عملية استصدار الوثائق، وتحسين الأداء على مستوى شبابيك الحالة المدنية ومصالح التنظيم، ناهيك عن تحسين استقبال وتوجيه وإعلام المواطنين، وضمان تأطير أفضل للمصالح الإدارية. 

في إطار جهود تحسين الخدمة الموجهة للموطن، أعد لهذه العملية برنامج سيساهم في تحسين مستوى وتأهيل الموظفين القائمين على عملية الرقمنة بالبلدية، الهدف منه تسهيل عملية الاتصال وتقريب الإدارة من المواطن، مع التخفيف من عناء التنقل وانتظار الطوابير اللامتناهية أمام مقر البلدية.

فيما تشهد، من جهة أخرى، أغلب البلديات من مشاكل ساهمت في عرقلة العملية، من بينها مشكل المقرات الضيقة وغير اللائقة، وقد تم تسجيل مشاريع لإقامة أخرى لائقة، نظرا للفوضى التي تعرفها، خاصة خلال أيام الاستقبال، ولا يمكن تجسيد رقمنة البلديات وحالة أغلب مقراتها كارثية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة؛ هل ساهمت عملية الرقمنة بالبلديات في تحسين مستوى خدمة المواطن، أو هل سهل استعمال التكنولوجيا الحديثة من مهمة أعوان البلديات، وحسن فعلا من مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين الذين اعتادوا على الانتظار مطولا أمام الشبابيك؟ هل قلصت هذه التقنيات من الأخطاء التي أثقلت كاهلهم؟.

من المعروف أن الهدف من عصرنة الإدارة يكمن في تخفيف الضغط عن المواطن، الذي عانى الكثير جراء الطريقة القديمة، إلا أنه بات يشعر بأنه وقع في مشاكل أكثر تعقيدا، على غرار تعطل الحواسيب باستمرار، إلى جانب الأخطاء المرتكبة في كتابة الأسماء، أو ما يسمى بالأخطاء الاسمية التي أرقت المواطن، وما يترتب عنها من تعطيل لمصالحه، باعتبارها تحتاج إلى وقت طويل لتصحيحها عن طريق المحكمة، فيصاب المواطن في هذه الحالة بخيبة أمل، لأنه بعد ظنه بأن الحصول على الوثائق أصبح أكثر سهولة، يجدها زادت تعقيدا وأعباء أخرى على عاتقه، لأنه يوجه للمحكمة أو المجلس لتصحيح اسمه.

كما أن عملية الرقمنة تمت في أغلب البلديات بجهود عمال لا يتعدى أجرهم 15 ألف دينار، إن لم نقل أقل، وهي من المشاكل المطروحة التي تواجه البلدية في سبيل تحقيق مشروعها المتمثل في عصرنة الإدارة، لأن غياب العمال المؤهلين الذين توكل لهم مهمة التكفل بعملية الرقمنة يشكل أزمة، ويجبر البلدية على استخدام عمال في إطار عقود ما قبل التشغيل، يتقاضون أجرا لا يتجاوز 15 ألف دينار، ناهيك عن غياب التكوين، خاصة أن استعمال مثل هذه التقنيات يتطلب تكوينا خاصا، لتفادي وقوع الأخطاء التي تفاقمت بشدة، والعمل على تحسين الخدمة العمومية.

نجية بلغيث