من معركة التحرير إلى معركة التشييد

مسيرة دولة اجتماعية وفية لمبادئها النوفمبرية

مسيرة دولة اجتماعية وفية لمبادئها النوفمبرية
  • القراءات: 835
يانيس . ر يانيس . ر

❊ مواصلة تكريس الطابع الاجتماعي الذي نص عليه بيان نوفمبر 1954

❊ تعزيز نظام الحماية الاجتماعية وإعفاءات ضريبية للأجور المنخفضة

❊ رفع الأجر الأدنى المضمون وتثمين منح التقاعد والبطالة والطلبة وذوي الاحتياجات الخاصة

❊ قانون الاستثمار الجديد حرر المبادرات وشجع على خلق الثروة

❊ مشاريع ضخمة في المناجم تدخل الخدمة قريبا 

❊ إطلاق مشاريع لمحطات تحلية مياه البحر ضمانا للأمن المائي

❊ إطلاق مشروع السكك الحديدية الضخم لبعث أقطاب اقتصادية جديدة

لازال تاريخ الجزائر وبيان ثورتها الخالدة يشكل مرجعا يصنع مجدها ويوجه سياستها الداخلية والخارجية وفق مبادئ ثابتة، تكرس الطابع الاجتماعي للدولة في مسيرة التنمية الشاملة التي قطعت فيها اليوم أشواطا كبيرة، وحققت خلالها تطورا اقتصاديا هاما، تترجمه الأرقام والمؤشرات التي تبشر بنجاح باهر في تحقيق رهان التنويع الاقتصادي.

كما يظل تاريخ الجزائر مصدر أمل لعديد الدول التي لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار، حيث لعبت الجزائر، التي افتكت استقلالها من أحد أكبر القوى العسكرية في العالم، بعد ثورة تحريرية غراء، تصنع فخر الجزائريين ومعهم شعوب كل الدول التي تشارك الجزائر انتماءها القومي والديني والسياسي، حيث سارت على نهجها مختلف الحركات التحررية لا سيما في قارة إفريقيا.

تحيي الجزائر اليوم الذكرى الـ69 لاندلاع ثوة الفاتح نوفمبر التي رسمت للعالم أجمع مبدأ المقاومة والكفاح المسلح من أجل اقتلاع الاستقلال والحرية، والذي تستلهم منه اليوم الحركات التحررية ومنها المقاومة الباسلة في فلسطين قوتها وعزيمتها على تخليص الأراضي الفلسطينية الشريفة من الاحتلال الصهيوني الجائر، وكذا شأن المقاومين الصحراويين الذين لم يكفوا عن دك خنادق جيش الاحتلال المخزني، بعد انتهاكه لاتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2020.

وبعد أكثر من 7 سنوات من الثورة التحريرية التي وضعت حدا لاستعمار فرنسي غاشم، استطاعت الجزائر أن تنعم بالاستقلال، معلنة بذلك إطلاق معركة أخرى للبناء والتشييد والتطوير، تمكنت خلالها وفي ظرف وجيز، من تحقيق إنجازات معتبرة، أولها تمثل في بناء جيش وطني شعبي قوي وعصري، سليل لجيش التحرير الوطني، مع إرساء قواعد إدارة عصرية ومنظومة تربوية وطنية لازالت تحقق المكاسب بفضل الإصلاحات المتوالية، مع توفير العلاج المجاني والمضي في تكريس نظام حماية اجتماعية للجميع، علاوة على تأميم القطاعات الاستراتيجية وإطلاق سياسة صناعية وفلاحية.

فقد كانت الجزائر تحصي عام 1962، جامعة واحدة وبعض الثانويات وبعض قاعات العلاج دون أدنى تأطير، وكان الجزائريون يقطنون أكواخا وبيوتا قصديرية.. أما اليوم فالجزائر الجديدة تحصي قرابة 12 مليون تلميذ متمدرس، وأكثر من مليون ونصف المليون طالب يدرسون في أزيد من 100 جامعة يتخرج منها 250.000 طالب في السنة، كما تحصي جزائر 2023 العشرات من المراكز الاستشفائية الجامعية.

ولازالت السلطات العليا في البلاد بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي بنى برنامجه الرئاسي على 54 التزاما نراها اليوم تتحقق الواحد تلو الآخر، وفية لعهدها ووعدها بصون رسالة الشهداء التي لخصت محاورها بنود بيان أول نوفمبر 1954، أهمها تكريس الطابع الاجتماعي للدولة، وإرساء جمهورية جزائرية ديمقراطية شعبية واجتماعية، وهو ما تجلى من خلال القرارات والإجراءات العملية التي تم اتخاذها في السنوات الثلاث الأخيرة، من رفع في أجور العديد من الفئات العمالية والإعفاء من الضرائب لصالح أصحاب الأجور المنخفضة وإقرار منحة البطالة لصالح الشباب، ثم الرفع من قيمتها، مع رفع منح التقاعد والمنح المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة ومؤخرا منحة الطلبة.

وما اختيار القيادة العليا في البلاد لموقع المحمدية، لإنشاء جامع الجزائر الأعظم وتنظيم الاستعراض العسكري غير المسبوق لإحياء ستينية استرجاع السيادة الوطنية في الخامس جويلية 2022، إلا تعبيرا عن الفارق الحاصل بين جزائر 1962 وجزائر اليوم، حيث تكرس الرمزية التي يحملها هذا الاختيار بسط الجزائر لسيادتها وسيادة قرارها، في رسالة قوية تبعثها إلى الداخل والخارج، مضمونها "لقد انتزعنا استقلالنا بإرادتنا وتخلصنا من شوائب الاستعمار ومخلفاته الأخيرة.. وها نحن اليوم في معركة البناء بعد معركة بطولية حررنا خلالها أرضنا وشعبنا من نير الاستعمار، نبني وطننا على ثوابت هويتنا ومرجعيتنا الدينية والسياسية".

مسار بناء الجزائر الجديدة يصل مراحل متقدمة

تضمنت الالتزامات الانتخابية الـ54 لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، جميع مطالب الحراك الشعبي الذي رسم منطلق التغيير في 22 فيفري 2019. وبعد انتخابه رئيسا للجمهورية في اقتراع حر شهدته الجزائر في 12 ديسمبر 2019، بادر الرئيس تبون، إلى إرساء أسس جزائر جديدة، تعلو فيها قيم الحرية والعدالة والرفاه، وتكون لها مكانة مرموقة في العالم.

وتتجلى اليوم، معالم نجاح سياسة الرئيس تبون، في الميدان من خلال تحقق التزاماته من استعادة هيبة الدولة إلى استكمال عملية البناء المؤسساتي، مرورا بأخلقة الحياة العمومية، وإعادة الثقة للجزائريين في دولتهم، لا سيما وأن برنامج الرئيس يضع المواطن في صلب الأولويات، ويتخذ من حماية وصون قدرته الشرائية أم المعارك على المستوى الداخلي.

واستطاعت البلاد في ظرف ثلاث سنوات أن تقطع أشواطا هامة في كافة المجالات وهي تسير بخطى ثابتة نحو القمة، بفضل مسار التحول الذي تشهده على مختلف المستويات، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، حيث أعطت التدابير التي أقرها السيد الرئيس دفعا قويا لمسار تنويع الاقتصاد الوطني، بفضل قوانين جديدة تستهدف تحرير المبادرات والتشجيع على خلق الثروة، على غرار قانوني الاستثمار والمحروقات الجديدين.

في هذا الإطار، تعرف الصادرات خارج المحروقات تطورا استثنائيا منذ 2020، فيما يتم إيلاء أهمية خاصة للقطاع الفلاحي الذي تعزز باستراتيجيات مدروسة لتثمين المنتوج الفلاحي وتنويعه واستغلال كافة الأقاليم الجغرافية للجزائر وفي مقدمتها الجنوب، وذلك من أجل ربح رهان الأمن الغذائي في ظل التغيرات العصيبة التي يشهدها العالم. ومن المرجح أن يعرف مستوى صادرات السلع تراجعا ليستقر عند مبلغ 52،8 مليار دولار خلال السنة الجارية.

وقد عرفت الجزائر وفقا للمؤشرات الاقتصادية وباعتراف البنك الدولي، اليوم، كيف تثبت صمودها من خلال الحفاظ على نمو اقتصادي معتبر يرتقب أن يصل إلى نسبة 5،3 بالمائة نهاية السنة الجارية، فيما يتوقع أن يبلغ نمو الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات 4،9 بالمائة، مع تسجيل نسبة التضخم خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية 9،5 بالمائة.

وبلغت صادرات المحروقات، إلى نهاية سبتمبر الماضي، حوالي 38 مليار دولار بمتوسط سعر قدره 82 دولارا للبرميل، بزيادة قدرها 69 بالمائة مقارنة بإنجازات 2021. أما في المجال الصناعي، فقد استفاد القطاع من تدابير تحسن جاذبية مناخ الاستثمار بالجزائر وتأطير نشاطه من قبل الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، التي عرفت تسجيل 3734 مشروع إلى غاية 30 سبتمبر الماضي، بمبلغ استثماري إجمالي يقدر بـ1951 مليار دينار، ومشاريع من المتوقع أن تخلق ما يفوق 94 ألف منصب شغل عند دخولها حيز الاستغلال، فيما بلغ عدد المشاريع المسجلة لدى الشباك الوحيد للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية 103 مشروع، منها 29 استثمارا أجنبيا مباشرا، 50 مشروعا بالشراكة مع مستثمرين جزائريين و24 مشروعا استثماريا كبيرا لمستثمرين محليين.

وبخصوص شعبة الصناعات الميكانيكية، لاسيما صناعة المركبات بجميع أصنافها، أشار السيد بن عبد الرحمان إلى أن الحكومة وضعت إطارا تشريعيا وتنظيميا "متكاملا" لتطويرها، لكون هذه الشعبة "أحد روافد الاقتصاد الوطني، و أحد روافد استبدال الواردات بمركبات منتجة محليا بنسبة إدماج كبيرة".

ونظرا لارتباط نشاطات الصناعات الميكانيكية قبليا وبعديا بعدة شعب صناعية أخرى، "فإن وضع المناخ الملائم لتطوير هذه الشعبة من شأنه أن يكون له الأثر الإيجابي على العديد منها على غرار الصناعات الكيميائية، صناعات الحديد والصلب، والصناعات الكهربائية وكلها شعب تضم قاعدة صناعات قوية"، يقول الوزير الأول.

وفيما يتعلق بالتطوير الاستراتيجي لقطاع الطاقة، تمكنت الجزائر خلال السنة الجارية، من تحقيق 10 اكتشافات للمكامن الناضجة للمحروقات، تضاف إلى 16 اكتشافا انجز خلال سنة 2022، منها إنجاز 12 بئرا استكشافيا على مستوى الأحواض الناضجة و5 آبار بالأحواض الناشئة والحدودية.

وفي قطاع المناجم، أطلقت الجزائر مشاريع هيكلية ضخمة، ستمكن البلاد من دخول قائمة الدول العشر الكبرى في هذا القطاع، ولضمان الأمن المائي، وفي ظل تهديدات النزاعات المحتملة حول المياه، قامت الجزائر بإطلاق برامج شاملة لمحطات تحلية مياه البحر، يرتقب أن يتم استلام 5 محطات هامة بطاقة 300 ألف متر مكعب لكل منها، خلال العام القادم.

ويساهم إطلاق مشروع السكك الحديدية الضخم الرابط بين شمال وأقصى جنوب البلاد، في بروز أقطاب اقتصادية جديدة تضمن للجزائر استدامة النمو وتحضرها لغد مشرق بما يحمله من تغيرات ديمغرافية واقتصادية واجتماعية. كما كرست الجزائر الجديدة المتأقلمة مع عصرها عودتها بقوة إلى الساحة الدولية من خلال مساهمتها في تسوية الأزمات، ونصرتها للقضايا العادلة في العالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية المركزية وقضية الصحراء الغربية.

أحفاد الشهداء ينتصرون على الأعداء

في إحدى خطاباته البارزة، أكد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة، أن مسار بناء الدولة الوطنية، بمختلف مؤسساتها، وصل اليوم إلى مراحل متقدمة، بفضل جهود المخلصين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي يواصل بإصرار شديد المسار الإصلاحي الشامل والطموح المباشر فيه في السنوات القليلة الماضية والمرتكز على التوظيف الذكي لكافة المقومات لبناء المجتمع الجزائري المعاصر والاستثمار في كل ما يدعم قوة ومناعة الوطن.

وبعد أن اعتبر الرهان اليوم، هو أن يلتقي الجزائريون كلهم حول ما يجمعهم من تاريخ واحد. ومصير مشترك، ويحرصوا على تعزيز أواصر الوحدة والتآخي والتضامن بينهم، أشار الفريق أول إلى أن الشعب الجزائري انتصر على كل المشاريع التي حاولت أن تضرب كيانه عبر التاريخ، لأنه بقي على الدوام متمسكا بوحدته وهويته الوطنية، مبرزا في هذا الصدد بأن "استقراء تاريخ الجزائر قديمه وحديثه، واستعراض حلقاته، والمراحل التي قطعتها ثورة التحرير المجيدة، منذ اندلاعها، بعد ثورات ومقاومات شعبية وطنية متلاحقة، يؤكد عمق الانسجام والتلاحم بين فئات المجتمع الجزائري، بكل روافده ومقوماته الأساسية التي حالت، دون إخراجه من سيرورة التاريخ، وجعلته يحقق أكبر الانتصارات، ويخوض ثورة فريدة من نوعها، ساهمت في تحرر شعوب عديدة عبر العالم.

وشدد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي على أن الشعب الجزائري انتصر على كل المشاريع التي حاولت أن تضرب كيانه عبر التاريخ، لأنه بقي على الدوام متمسكا بوحدته وهويته، التي كانت أكثر قوة وتجذرا، وأكثر وعيا ونضجا، وهو ما أعطاه قوة الإصرار والصمود أمام كل الأساليب الخبيثة المنتهجة لضرب مرجعيته الأصيلة، الضاربة جذورها في أعماق التاريخ.

ومن أجل مواصلة السير على درب الأسلاف الأمجاد، ودرب الوطنيين المخلصين الذين حافظوا على أركان الدولة الوطنية والنظام الجمهوري من خطر الإرهاب الهمجي، دعا الفريق أول شنقريحة جميع الجزائريين، إلى الصمود في تمسكهم بهويتهم ومتحدين وأوفياء للقيم الوطنية والجمهورية، مثمنا وعي الشعب الجزائري بكل ما يحاك ضده وضد بلاده من مؤامرات ودسائس، وإحباطه لها بكل عزم وثبات معربين عن استعدادهم الدائم لرفع التحديات الراهنة والمستقبلية في ظل عالم مضطرب لايرحم الضعفاء والبقاء فيه للأقوى والأصلح.