الجالية الوطنية بالمهجر بين نضال الأمس واليوم

مد جسور التواصل للانخراط في مسار البناء المستديم

مد جسور التواصل للانخراط في مسار البناء المستديم
  • القراءات: 585
مليكة. خ مليكة. خ

❊ تعزيز التواصل للاندماج في التحولات السياسية والاقتصادية

ستظل تضحيات الجالية الوطنية بالخارج إبان الثورة التحريرية المظفرة مرجعا في ذاكرة الأجيال، بالنظر إلى الأعمال البطولية التي دوت عقر دار العدو الفرنسي، الذي لم يكن يتوقع البتة أن يصل صدى نضال الاحرار إليه، لتخلط بذلك أوراقه بعد محاولاته الفاشلة في  نزع الهوية شخصية الوطنية من جزائريي المهجر الذين حملوا معهم القضية المصيرية في قلوبهم، فكانوا أن تركوا بصماتهم خالدة بعد أن ابلوا البلاء الحسن في كفاحهم، ومازالوا يواصلون المسيرة في التنمية باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من أبناء الوطن. 

فقد كانت مظاهرات 17 أكتوبر 1961 عنوانا لارتباط الجالية الوطنية بوطنها وبقداسة قضيتها، حيث قدمت أجمل صور التضحية من أجل استعادة الكرامة والسيادة، في الوقت الذي عكست فيه الجريمة الوحشية التي اقترفتها الشرطة الفرنسية آنذاك في حق الجزائريين المتظاهرين بفرنسا وجها من الأوجه البشعة لسلسلة المجازر الشنيعة ضد الإنسانية التي تحتفظ بمآسيها ذاكرة الأمة.

ونجحت  الجالية الوطنية في فضح ادعاءات المستعمر بأنه بلد حقوق الإنسان، حين قابلت الشرطة الفرنسية بأمر من السفاح موريس بابون، المظاهرات السلمية للجزائريين بالقمع والقتل ورمي المئات منهم مكبلين بنهر السين على مرأى ومسمع من العالم.

80 بالمائة من ميزانية الثورة مصدرها الجالية الوطنية

وأعطت الجالية الوطنية أجمل صور أساليب الكفاح على كافة المستويات بما فيه المادية، حيث تشير إحصائيات الحكومة المؤقتة الأولى والثانية إلى أن 80 بالمائة من ميزانية الثورة الجزائرية جاءت من الجالية الوطنية.

وعليه، فإن احياء الجزائر كل عام لليوم الوطني للهجرة، يعكس النظرة العميقة والمتبصرة للدولة الجزائرية باعترافها بأفضال الجالية الجزائرية التي ظلت  مرتبطة ببلدها،  متمسكة بإيصال  رسالة للأجيال مفادها  أن تضحيات أبناء الجزائر، ستظل مرجعا مشرفا وحاضرا في الذاكرة، حيث تبقى هذه المظاهرات حلقة هامة في تاريخ الثورة الجزائرية، كونها  توجت مسارا طويلا من نضال الجزائريين وفتحت عهدا جديدا مهد لمفاوضات إيفيان التي كانت المرحلة الأخيرة التي أفضت الى استقلال الجزائر سنة 1962. 

ولعل ذلك ما جعل الجزائر تولي الأهمية اللازمة لبناتها وأبناءها في المهجر بعد الاستقلال، من خلال  التكفل الأمثل بانشغالاتهم ومد جسور التواصل لتمكينهم من الانخراط في مسار البناء المستديم باعتبارهم جزءا من النسيج الوطني.

وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد حرص في  كل خطاباته  بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر ، على ضرورة التأكيد  على الوفاء للذاكرة المجيدة والالتفاف حول مشروع التجديد الوطني والتوجه بعقيدة راسخة نحو المستقبل لكسب رهان بناء اقتصاد وطني صاعد وواعد وتحقيق التنمية المستدامة التي تشهدها الجزائر الجديدة المعول على قدرات بناتها وأبناءها في الداخل والخارج.

ويراهن الرئيس تبون، على دور الجالية الوطنية في رفع التحديات التي تفرضها المرحلة الحالية في سياق بناء الجزائر الجديدة، خاصة وأن التعديل الدستوري مكنها من الانخراط في الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد و بناء دولة المؤسسات والحق والقانون وتكثيف مساهمتها في المجهود الوطني.، كونها تبقى جزء لا يتجزأ من أبناء الوطن

كما حرص رئيس الجمهورية على منح فرص للشباب الجزائري في الخارج لتجسيد مشاريعهم في بلدهم الأصلي، مع دعمه المتواصل لإقامة جسر الترابط المتين والقوي بينها وبين الجزائر، حيث سبق وأن دعا في هذا السياق السلك الدبلوماسي إلى ايلاء الاهتمام الخاص بهذه الفئة في إطار ما تقتضيه الدبلوماسية الاقتصادية، من منطلق أن الكفاءات والمهارات التي  تتمتع بها يمكن أن تقدم إضافة نوعية لجهود التنمية في البلاد.

وعليه، أولت الدولة خلال السنوات الثلاث الأخيرة اهتماما خاصا بالجالية الوطنية، بصفتها قوة تأثير واقتراح في مسار التنمية الذي باشرته الجزائر، ضمن مقاربة متجددة تندرج في إطار رؤية شاملة وطويلة الأمد ترمي إلى تعزيز مكانة ودور المواطنين المقيمين بالخارج، باعتبارهم جزء لا يتجزأ من الأمة، حيث  كانت أولى بوادرها إعادة البعد المتصل بالجالية الى التسمية التي تحملها وزارة الشؤون الخارجية.ومن بين أهم الإجراءات المتخذة حديثا في إطار هذه المقاربة،  توسيع النظام الوطني للتقاعد ليشمل الرعايا الجزائريين المقيمين بالخارج الأجراء منهم و غير الأجراء (رؤساء المؤسسات) وذلك بمقتضى مرسوم رئاسي يتعلق بانتسابهم إراديا لهذا النظام

مد جسور التواصل للاندماج في التحولات السياسية والاقتصادية

كما تم إطلاق العديد من المبادرات تجاه الجالية الوطنية في المهجر، الغاية منها مد جسور التواصل مع أفرادها وتوفير المناخ الذي يمكنهم من الاندماج مع التحولات السياسية والاقتصادية التي تعيشها الجزائر والمساهمة في رسم مختلف السياسات الوطنية.

وحرص رئيس الجمهورية في هذا السياق على عقد لقاءات مع أفراد الجالية للإنصات الى انشغالاتهم والاطلاع على طموحاتهم وآمالهم، في تقليد أضحى يميز الزيارات الرسمية التي يقوم بها إلى مختلف الدول، في الوقت الذي عبر فيه  العديد من المهاجرين عن انفتاحهم على المبادرات المتاحة واستعدادهم للانخراط فيها.

وثمنت هذه الفئة هذا النوع من الالتفاتات التي تجعلهم على قدم المساواة مع مواطنيهم بالداخل، ما جعلهم يؤكدون على رغبتهم القوية لتقديم إضافة نوعية للجهود الجماعية التي تبذل في الجزائر ضمن مسار التنمية الشاملة.

كما سطرت الحكومة في مخطط عملها جملة من التدابير التي تصب في خانة تلبية انشغالات أفراد الجالية الوطنية في الخارج، مع تركيزها في ذلك على الشقين السياسي والجمعوي، من خلال تحديد الآليات والإجراءات الكفيلة بإشراك الجالية أكثر فأكثر، لاسيما نخبتها في تعزيز التماسك الوطني ودولة القانون والديمقراطية ومحاربة أشكال التطرف التي قد تتعرض لها وتشجيع انتظام الحركة الجمعوية في شكل أفواج اجتماعية مهنية وفدراليات ومراكز اهتمام وحسب البلدان على أساس برنامج مشترك