“انتفاضة” التشكيليين:

لسنا فنانين من درجة ثانية

لسنا فنانين من درجة ثانية
  • القراءات: 1043
لطيفة داريب لطيفة داريب

يواجه الفنان التشكيلي في الجزائر صعوبات غير منتهية، بداية من غلاء المواد التي يستعملها لترجمة خوالجه، مرورا بانعدام الورشات التي يجد فيها الفضاء المناسب لإنجاز عمله وانتهاء بالنقص الفادح في عدد الأروقة الحاضنة لأعماله ومعارضه. ولا تتوقف صعوبات الفنان التشكيلي عند هذه النقاط، إذ ليس من اليسير أن يبيع أعماله وسط غياب ثقافة شراء التحف لدى الجزائريين في ظل انعدام سوق فن تشكيلي واضحة المعالم رغم تصريح وزير الثقافة الأخير حول تأسيس قواعد لهذه السوق عما قريب. يجد الفنان التشكيلي بمختلف ولايات القطر، صعوبات أكبر حينما ينظم معرضا بأحد أروقة الجزائر العاصمة تحديدا، سواء كانت عمومية أم خاصة، وهذا من ناحية غياب التكفل به، فيجد نفسه مجبرا على الاهتمام بمكان مبيته وطعامه، علاوة على نقل لوحاته من "ورشته" إلى فضاء العرض، بدلا من الاهتمام بتعريف أعماله إلى الجمهور والاحتكاك بالفنانين الآخرين، وهكذا يكتفي في أغلب الأحيان، بـ" زيارة" معرضه يومين فقط، أي يوم الافتتاح، حيث يهتم غالبا بمجمل تفاصيل معرضه ويوم الاختتام حينما يأخذ لوحاته، التي لا يبيع ولا لوحة واحدة.

أغلب الفنانين التشكيليين في الجزائر لا يملكون الإمكانيات المادية التي تسمح لهم بعرض أعمالهم في الفضاء الذي يبتغونه خاصة على مستوى الجزائر العاصمة باعتبار أنها قلب البلد، كما أن ولاياتهم لا تملك أروقة، لذا يجبرون على إقامة المعارض في العاصمة وهنا تبدأ المعاناة. ولا يجد الفنانون نفس الصعوبات حينما يعرضون بدور ومديريات الثقافة التي تطلبهم وتتكفل بهم من ناحية الإطعام والإيواء وأحيانا من ناحية النقل، ولكن من النادر أن تشتري منهم اللوحات. بالمقابل، لو وُجدت سوق للفن التشكيلي مضبوطة لما احتاج الفنان التشكيلي خاصة المتفرغ للفن لمساعدة وتكفل من طرف السلطات ولو احتاجها لما كانت بهذه الشدة، فمتى يحسب للفنان التشكيلي حساب مثله مثل الفنانين الآخرين ولو أنه لا يدر على الدولة بالأرباح في غياب ثقافة جمع التحف؟. “المساء" في محاولة منها نقل هموم وانشغالات الفنان التشكيلي القادم من مختلف الولايات القاصد العاصمة لعرض أعماله، اقتربت من عدة فنانين من ولايات الاغواط، بسكرة، سيدي بلعباس وأم البواقي لنقل معاناتهم، كما اتصلت أيضا بجهيدة هوادف، فنانة من العاصمة، لمعرفة ما إذا كانت، وهي ابنة العاصمة، تعاني من نفس مشاكل الفنانين الآخرين.


 

في انتظار تحويل فضاءات غير مستغلة إلى ورشات فنية

الفنان التشكيلي يطالب بالاعتراف 

لم يبق الفنانون التشكيليون مكتوفي الأيدي وهم يرون أنفسهم يعملون في ظروف صعبة، خاصة أن معظمهم لا يملكون ورشة فنية تحتضن إبداعاتهم، فطلب بعضهم تحويل "مذابح العاصمة" (الرويسو) إلى فضاء يجمعهم ويسمح لهم بالتعبير عن فنهم، مثلما هو الأمر في بعض الدول، مثل إيطاليا والصين، وكان يمكن أن يحدث ذلك، إذ أنه تمت في وقت سابق، محاولة تصنيف المذابح في عهد الوزيرة تومي، إلا أنه سرعان ما تم إلغاء ذلك في زمن السيدة لعبيدي، فزال الحلم إلى حين. في المقابل، هناك أيضا مشروع تحويل "أقواس خير الدين" إلى متحف بحري، فهل سيكون للفنان التشكيلي نصيب منها؟  بينما لا يلجأ الفنان التشكيلي إلى قرية الفنانين بزرالدة، التابعة لوزارة الثقافة، رغم أنها تقدم تخفيضات لهم مقارنة بالفنادق، وتبقى بدورها مبهمة وهي حاليا تخضع لعملية تحويل، حيث سيشرف على تسييرها الديوان الوطني للثقافة والإعلام. فهل سيأتي يوم تنظر فيه السلطات العليا إلى الفنان التشكيلي الذي يعمل في الظل؟ وهل من الصعب توفير فضاءات واسعة له أو حتى تحويل مقرات أو مصانع أو شيء من هذا القبيل يكون غير مستغل، إلى فضاء يجمع الفنانين ويعرّف بأعمالهم ويدفع بهم إلى الاحتكاك مع الجمهور؟ إنه أمر يسير، خاصة في حال تخصيص سوق للفن التشكيلي بضوابط عالمية تجني منه الجزائر مداخيل كبيرة، في زمن مجبرون فيه على إيجاد بدائل تنموية تساهم في تحرير البلد من تبعيته للمحروقات. 


 

وزارة الثقافة لا ترد

في وقت يطالب وزير الاتصال، السيد حميد قرين، كافة الإدارات بالتعامل مع الإعلام ومساعدته للوصول إلى المعلومة، لم تشأ السيدة مباركة قدوري، مديرة تطوير الفنون وترقيتها بوزارة الثقافة، الإجابة عن سؤال "المساء" المتعلق بالتكفل بالفنانين التشكيليين القادمين من الولايات المختلفة والعارضين في الجزائر العاصمة، وطالبت بالمرور على خلية الإعلام بوزارة الثقافة، والاتصال  بالسيدة ميهوبي، وكان لها ذلك، إلا أن "المساء" تلقت ردا سلبيا من خلية الإعلام بالوزارة، بحجة أن الإجابة عن السؤال من صلاحية مديرية تطوير الفنون وترقيتها، لتجد "المساء" نفسها مثل كرة المضرب تنتقل بين المصلحتين، وبعد انتظار دام أياما، تلقت ردا من السيدة قدوري، مرده أن وزارة الثقافة لا تنظم التظاهرات، بل تشرف عليها، وأنه يجب التوجه إلى مؤسساتها الثقافية للنظر في هذه القضية، وعندما طرحت "المساء" عليها سؤالا ثانيا، حول قرية الفنانين بزرالدة، لم تجب المعنية وأعادت طلبها بالتوجه إلى مصلحة خلية الاتصال مرة أخرى.