المجاهدة جميلة بوباشا لـ"المساء":
كوني القدوة وتجاوزي الطموحات الضيّقة
- 1496
حاورتها: مريم. ن
عبّرت المجاهدة الكبيرة جميلة بوباشا، في حوار خصّت به "المساء" عن فخرها بالإنجازات التي حقّقتها المرأة الجزائرية في فترة الاستقلال، معتبرة ذلك ثمرة اجتهادها ونضالها على جميع الأصعدة، كما أوصت بناتها بالتمسّك بالوطن ومواصلة الدرب بثبات والسهر أكثر على رعاية الأسرة والأبناء كأولوية في عملية البناء الوطني.
❊❊ باعتبارك واحدة من جميلات الثورة هل ترين أنّ رسالة بنات جيلك تجسّدت في امرأة اليوم؟
— طبعا أنا فخورة بنضال بنات جيلي وبالشجاعة التي خرجن بها طلبا للحرية وأتذكّر وبرأس مرفوعة الجزائريات اللواتي استشهدن في ميدان الشرف وهن كثيرات من حسيبة بن بوعلي إلى وريدة مداد وغيرهما، ورغم كلّ هذا الجهاد وتلك المحن التي امتدّت لفترة 7 سنوات ونصف وهو عمر الثورة، لكن المرأة اليوم جهادها أكبر لأنّه امتداد على طول العمر وهو فعلا الأساس في عملية النهوض بالبلاد والعباد، وبالتالي فإنّ المسؤولية ليست سهلة أبدا وليست أقلّ شأنا من الواجب الذي أدّته بنات جيلي.
أنا مقتنعة بحكم تنشئتي وخبرتي في الحياة أنّ المرأة هي الأساس (العرصة كما نسمّيها)، وبالتالي أنا فخورة بما حقّقته المرأة الجزائرية التي تخطّت الرهانات الصعبة وخاضت التحدي بالجهد وعملت المستحيل للرفع من شأنها ومن مستواها حتى تكون في المراتب العلا وحتى تترك بصمتها في أجيال الغد.
❊❊ كيف كان حال المرأة بالأمس وكيف استطاعت أن تتجاوز المحن؟
— استطاعت المرأة أمس، وفي ظروفها الصعبة أن تكون في مستوى التطلّعات، وأن تبرهن على إمكانياتها في الميدان، ناهيك عن العلامة الكاملة التي اكتسبتها فيما يتعلّق بتربية الأبناء، إذ رغم أميّتها استطاعت أن تقدّم فطاحل الرجال والشهداء الذين قهروا الاستعمار، واستطاعت أن تنجب نساء علّمن العدو معنى التضحية والصبر والموت في سبيل الله والوطن، وكلّ هذا تأتى بصبرها وسهرها وتلقينها الأبناء القيم والمثل العليا، لم يكن للمرأة الجزائرية شيئا ماعدا البؤس والشقاء وكانت محرومة من أبسط الحقوق بما في ذلك الحق في التعليم لكن الله عوّضها بقوّة الذكاء الفطري الذي حيّرت به العالم.
أذكر بهذه المناسبة والدتي التي كانت لا تخشى إلا الحق، لذلك كانت تتحدى دونما خوف المظليين وتصدّهم، وكان المشهد يبدو ضربا من المستحيل من فرط شجاعتها وهي المرأة الجزائرية الضعيفة التي لا تملك إلاّ الإيمان والحق.
❊❊ هل ترين أنّك نلت نصيبك من التقدير والعرفان من بنات الجزائر المستقلة؟
— أرى أنّني واحدة من أبناء هذا الشعب، ولم أقم سوى بأداء واجبي الوطني كأيّ جزائري عاش الظلم في فترة الاستعمار، وتشبّع بقيم المقاومة التي لم تكف منذ أن وطئت فرنسا أرضنا، لذلك فأنا أنزعج أحيانا من الإفراط في "تقديسي" ويهيأ إليّ وكأنّني أمُنّ على وطني (كأني عملت مزية).. إنّ كلّ ما عملناه كان بدافع الواجب ولأنّ الجزائر تجري في دمائنا إلى اليوم، وأحبّ أن يكون بلدي وشعبي دائما بخير لذلك أعمل ما يمكنني فعله ولو بفض اشتباك بين طفلين يتشاجران في الشارع، وأحاول أن أفهم كلاهما أنّهما أخوان لا يجوز أن يحكمهما العنف، وهذا التصرّف من تأثير الوفاء بالعهد للآباء والأجداد الذين ضحوا من أجل الجزائر وكذا الوفاء لقيمنا الاجتماعية التي كانت وراء كلّ نهضة وتحرّر، وأقول لك ولكلّ الجزائريات أنّني حرصت على تربية أبنائي (كلهم ذكور) على قيم الأجداد لذلك ترين اليوم مثلا أن ابني الأصغر البالغ من العمر 53 سنة يخاطب والده بأدب ويقول "سامحني يا بابا إذا غلطت معاك".
بالنسبة لنساء اليوم فهنّ بناتي رغم أنّني لم أنجب بناتا وأحيهن جميعا وأبارك ما يقمن به وأفتخر بمعاملتهنّ الراقية لي ابتداء من زوجات أبنائي اللواتي يعتبرنني أمّا ومجاهدة ولا يخطون خطوة بدون أن يشاورنني والعكس صحيح، فالمحبّة غالبة بيننا، وأتمنى من المولى أن يطيل في أعمارهنّ وأعمار الجزائريات، كما أحيي النّشء من بنات وبنين الذين أراهم حين أقدّم بعض المحاضرات أو الشهادات عن الثورة في المدارس، وكم يتأثّرون بوجودي معهم ويحبّونني ولا يتوقّفون عن طرح الأسئلة بلهفة واهتمام وهو مؤشّر خير على مستقبل الجزائر.
❊❊ كلمتك للمرأة في عيدها العالمي
— أتمنى لها الاستمرار في النجاح وأوصي المرأة في ديار الغربة أن لا تنسى الوطن، وأن لا تبتعد كثيرا فأبناؤنا أمانة عندك، كما أحيي بقلب حار كلّ نساء العالم اللواتي يعشن تحت وطأة الاستعمار وتحت نيران الحروب والنزاعات بأن يصمدن لأنّ النّصر آت وقريب لكن ذلك لن يتأتى إلاّ بالصبر والانتصار للحق وبالمقاومة فمزيدا من الشجاعة.
ألتفت إلى بناتي في الجزائر وأكرّر وصيّتي بأن يحافظنّ على أمانة الأجداد، وهي الوطن الغالي المفدى الذي كان ثمنه الدموع والدماء وقوافل من خيرة الرجال والنساء، وكوني ابنتي الجزائرية القدوة وتجاوزي الطموحات المادية الضيّقة، وعليك أن تستثمري في أسرتك وأبنائك كثروة مستدامة، فكم ربّت أمك وجدتك من رجال ونساء وهي لا تملك القوت وأطعمت من العدم صغارها ولم تفشل ولم تخجل وبالتالي على بناتنا تجاوز الأنانية والتفكير في النفس فقط، والسعي لبناء المجتمع فحين يسعد ويستقيم هذا المجتمع ستكون هي بدون شك أسعد مخلوق في العالم.