"المساء" تفتح ملف تواصل الأجيال في يوم الفنان

قطيعة غذاها النكران وطيش النجومية

قطيعة غذاها النكران وطيش النجومية
  • القراءات: 2245
مريم . ن مريم . ن

ارتبط الفن عندنا دوما، بشؤون مجتمعه وانشغالاته وأصالته، وبقضاياه التي تبناها، وعلى رأسها التصدي للمحتل، بالتالي لم يكن غريبا أن تكون احتفاليته (اليوم الوطني للفنان) مرافقة لتاريخ استشهاد الفنان علي معاشي، وظل جيل الرواد وما تلاه، ملتزما بنشر الوعي والجمال والدفاع عن الهوية الثقافية، ممتطيا جياد الإبداع والتميز، ومتسلحا بالتكوين، لكن على ما يبدو، فإن القناعات لم تثبت خاصة مع جيل الشباب، الذي لا يعجبه العيش في جلباب الأبوة، ويبحث عن آفاق أخرى وارتباطات بعيدة عن سابقيه، مما أثار نوعا من الصراع الخفي الذي ولد الإقصاء والتهميش والاتهام، لتصبح العلاقة بين الأجيال الفنية ملغمة بالتوتر وسوء الفهم، وهو ما تجلى في حال الفن الجزائري اليوم، الذي لا يسر حبيبا ولا عدوا، فبعدما كان الصراع مبنيا على الأفكار والمدارس والاتجاهات، ها هو يتحول إلى أمور هامشية لا تخدم الثقافة ولا الفن، الأمر الذي لمسه الجمهور وتحسر عليه، واكتفى بحنينه لأيام المجد، خاصة في السينما والغناء.

يرى البعض أن الصراع جزء من سنة الحياة، فهو خطوة للهروب من سطوة الماضي ودوامته، لكن بشرط أن لا يكون تنكرا وتنصلا لكل ما أنجز، وقفزا على الخبرات والتراكمات، فبقي جيل الشباب دوما محصورا في نقطة الصفر حين الانطلاق، لتكون النتيجة، اللهث وراء العبث والتجريب المبني على الفراغ، في حين كان ينبغي عليه الاطلاع على ما كان من أعمال وتجارب خاصة حيال جيل الرواد، وهنا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، والمتنكرون لما سبقهم يغردون غالبا خرج السرب.. في هذا المضمون، التقت "المساء" ببعض الفنانين الذين فسروا هذه القطيعة، كل من وجهة نظره ومن تجربته الشخصية.

الصادق جمعاويالمشعل لم يستلم من جيل اليوم

قال الفنان الصادق جمعاوي، إن المشعل لم يمر لجيل اليوم، خاصة فيما تعلق بالأغنية الجزائرية، مضيفا أن الأمن الثقافي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي، فهو يحتاج لأن نحميه من الغزو المسلط عليه، والمتمثل خاصة في المشاريع المنحطة التي تأتينا عبر الفضاء الأزرق، مؤكدا أنه في عالم اليوم، تعمل كل أمة على أن يكون لها مشروعها الثقافي، مستعملة في ذلك، أحدث التقنيات والوسائل التكنولوجية التي نحن متأخرون فيها، بالتالي لم يعد لنا الوقت الكافي والسرعة المطلوبة لمواجهة هذا الطوفان.

يقول الفنان جمعاوي "طغى ما يعرف بالزنقاوي والزرداوي وغيرهما، وغاب الأصيل، وهنا أذكر أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية هي في قلب الإعصار، وتواجه على المباشر كل أنواع السموم، ونحن ليس لنا ما نواجه به هذه الموجة العالية والضاربة"، ثم يضيف "الفنان اليوم قد يتدبر متطلبات عيشه بالكاد، بالتالي على الدولة وضع إمكانيات أمام الملحنين والفنانين عموما، مع ميزانية لإعادة الانطلاق ببرمجة عقلانية بعيدا عن الانحطاط الحاصل، فأغنية السوق تذاع يوميا عبر الأثير والتلفزيونات، في حين أن الأغنية الأصيلة تمر كل سنة مرة، وهنا نلاحظ كم أننا ضعاف أمام الغرب إعلاميا، ولا زلنا أيضا سذجا نسمح لشباب يقولون إنهم فنانون، يمرون أمام الشاشات والجمهور بلافتات الأعداء (أحيانا مرسومة على ملابسهم)، وهذا ما يعكس ثقافة "الشطيح والرديح"، بالتالي لابد من أن يكون الفنان الحقيقي هو المثل في مجتمعه، وليس الفنان الذي يتعرى ويدعي العصرنة"

نور الدين بن غاليالفنان لا يأتي من فراغ

أشار الفنان المعروف نور الدين بن غالي، إلى أن الحابل اختلط بالنابل، وأصبح جيل اليوم من الفنانين لا مرجعية له، وقال مخاطبا "المساء"؛ "لقد كبرتم مع أغانينا وأغاني الأجيال التي سبقتنا، أليس كذلك؟ لكن اليوم للأسف، هناك قطيعة و"كسرة" كبيرة بين الشباب والشيوخ، وغالبا ما يغني هؤلاء الفنانين الشباب في الأعراس ويرقصون ويمرحون، وعندما تسألهم عن الشيخ صاحب الأغنية، لا يعرفون ..."

يرى المتحدث أن جيل اليوم لا يملك من الدراسة والتكوين في المجال الفني ما يكفي، كما أنه لا يختلط بالأدباء والشعراء والملحنين والموسيقيين، ولا يحاول أن يكسب المزيد من الأخلاق التي يتطلبها الفنان، وقال عن نفسه، إنه درس الموسيقى منذ سنة 1960 بالمغرب، ثم غنى مع الرواد، منهم أحمد وهبي وعبد الرحمن عزيز وغيرهما، وكرم داخل وخارج الوطن، كما ارتبط جيله من الفنانين الجزائريين بالطرب العربي، خاصة مع جيل عبد الحليم حافظ، وفي الجزائر برز مع الاستقلال قروابي والعماري، وغيرهما من الفنانين الذين أسسوا للأغنية الجزائرية ما بعد الاستقلال، وأغلب الفنانين خرجوا من المدارس الموسيقية ومن الجمعيات الأندلسية، ثم يتخصص كل في طبعه، سواء في الطربي أو العصري أو الأصيل، وأضاف أن الأغنية كانت حينها رسالة للمجتمع، ولم تكن تهريجا، فهو مثلا غنى "أنت أنت" تكريما للمرأة الجزائرية التي كافحت العدو، ثم ربت الأجيال وساهمت في بناء وطنها ومجتمعها.

من جهة أخرى، قال بن غالي "إن الفنان لا يأتي هكذا من الفراغ والعدم، بل تصنعه موهبته، ثم اجتهاده واحتكاكه بالأساتذة وشيوخ الفن، وهنا أتذكر أنني في بداياتي، كنت أزور الفنانين الكبار وأجالسهم لأتعلم منهم، وكانوا لا يتخلفون عنا، وكان كل فنان منا يغني طبعا ما، ولا يؤدي كل الطبوع تحت الطلب".

الممثل جمال بونابجيل الشباب لا يعترف بالجيل القديم

أكد الفنان بوناب أنه لا تواصل حاصل بين جيله وجيل اليوم، قائلا "لا يعترف الفنانون الشباب بجيلنا الذي سبقه، أو بجيل الرواد، وغالبا ما يرددون "مدوا وخلاص"، في حين أن الفنان يبقى فنانا معطاء، ورغم ذلك، فإن الشباب يريد أن يحتل الساحة ويطردنا منها، علما أننا معهم ولسنا ضدهم، ولا ضد زمانهم، وأي عمل فني لا بد أن يكون فيه الشباب والشيوخ". عن تجربته، قال إنه كان يحترم الجيل الذي سبقه من القدامى، وبدأ مشواره معهم ولم يبخلوا عليه، ووجهوه هو وزملاؤه الآخرون بالنصائح والخبرة، وأعطوه عصارة فنهم، لأنهم رأوا فيه وفيهم الشعلة الفنية الجزائرية التي ينبغي لها أن لا تنطفئ، أما اليوم فما يجري هو العكس تماما.

الفنان عبد العزيز بن زينةقلة فضاءات التلاقي وسعت الهوة بين الأجيال

أما الفنان عبد العزيز بن زينة فتوجه لـ"المساء" بعبارة "رانا ضايعين"، بمعنى أن الأمور لم تعد مضبوطة، مؤكدا أن التواصل بين الأجيال قليل جدا، لكنه ليس منعدما، والسبب قد يعود، حسبه، لقلة فضاءات التلاقي، منها النوادي أو الإقامات مثلا، كما أن لكل فنان ما يشغله في حياته، سواء كان من الجيل القديم أو الجديد، زد على ذلك، قلة الحب والتضامن بين الفنانين.

يقول بن زينة "دار عميمر بمركز الخليج في المرادية بالعاصمة، أنا سفيرها، وقد استطاعت إلى حد ما، أن تجمع الفنانين من أجيال مختلفة، ليلتقوا ويتحدثوا ويتضامنوا مع الفئات الهشة داخل مجتمعنا، من خلال أعمال فنية يقدمونها، مثلما قدمت ألبوما، لتكون مبيعاته لليتامى والمحتاجين، وصحيح أن التواصل ليس تاما، لكنه موجود، فأنا حاضر ومعي ابني الفنان الشاب أيضا، ونتمنى أن تعود اللمة بين الأجيال كما كانت، علما أنني تأثرت وتعلمت من الشيوخ وفتحت عيناي عليهم، وأحاول أن أكون بدوري مثلهم وأمد يدي للفنانين الشباب".

الإعلامي والشاعر عبد الرزاق جباليالجيل الذهبي لم يعد كذلك 

دون لف أو دوران أو أدنى تردد، أكد الشاعر وكاتب الكلمات المعروف عبد الرزاق جبالي، أن التواصل بين الأجيال الفنية في الجزائر أصبح منعدما تماما، ولم يعد الجيل الذهبي ذهبيا كما كان، حسب مقاييس جيل اليوم من الشباب، لأن الرؤى والموازين اختلفت، واختلف معها الذوق والانتماء والحس والقناعات، وأصبح الجري وراء الأغنية الخفيفة البسيطة والقصيرة جدا، على اعتبار أن هذا الجيل سريع تتحكم فيه التكنولوجيا والأنترنت، ولم يعد لجيل الرواد مكانة في الأذن الموسيقية الجزائرية، وأصبحت أغاني سلوى، مثلا، أو صليحة، لا تبث حتى في الإذاعة الوطنية، بل البث يكون لأغاني الساندويتشات، فغابت ثقافة الشعر والأغاني الجميلة وغابت عطاءات المعاهد، وأضاف "لست أدري لماذا نحن عندنا عقدة من الطرب العربي الأصيل، في حين أن هذه العقدة تنفك مع الغناء الغربي أو مع الأغنية الرديئة".

أشار محدث "المساء"، إلى أنه كتب للأغنية الجزائرية منها الملتزمة، ومن ضمن ما قدم أوبيرات عن المرأة الجزائرية، بعنوان "بطاقة حب في عيدك" في 55 دقيقة، بمشاركة الأوركيسترا و10 مطربات معروفات، يمثلن مناطق مختلفة من الجزائر الحبيبة، وسجلها التلفزيون، ولم تبث سوى مرة واحدة، وقال "كان ذلك بمثابة إعلان فشل، حتى لا أكرر التجربة، رغم أنها لاقت النجاح من الجمهور، وحينها تيقنت أن هناك عرقلة مقصودة للأعمال الأصيلة والجادة، لقد كتبت أغلب كلمات أغاني المطرب علي الزبيدي، فهمش وهمشت معه، كما تعاملت مع مطربين شباب كانوا ملتزمين بالأغنية الجميلة والكلمات النظيفة، لكنهم لم يستمروا، وتعاملت مع بعضهم في وهران حينما كنت مديرا لإذاعة معسكر المحلية.

عبد الحميد رابيةلا يعرف بعضنا بعضا

يعمل الممثل رابية على التعريف بالجيل السابق لأجيال اليوم من الفنانين، خاصة من خلال جمعية "الألفية الثالثة"، التي هو نائب رئيسها، والتي تكرم هؤلاء الذين وهبوا حياتهم للفن وقدموا أعمالا راسخة في الوجدان الجزائري، وقال محدث "المساء"؛ "صحيح هناك قطيعة بين الأجيال، لم تكن فيما مضى، فأنا مثلا، عملت مع جيل الرواد واستفدت من خبرتهم، عكس ما هو كائن اليوم، وربما يعود الأمر، حسب ظني، إلى نقص فضاءات التلاقي والنوادي، بالتالي نحن لا نعرف جيل الشباب وهم لا يعرفوننا، علما أننا نتمنى نحن الذين تقدم السن بنا، أن يكملوا ما بدأناه من بناء، لكن للأسف، لا تجاوب، فحتى تكريمات فناني الجيل القديم لا يحضرها جيل الشباب، وكأنها لا تعنيه في شيء، وأغلبهم منشغل بالظهور في الفضاء الأزرق".

الفنان الشعبي احسيسنعلى جيل اليوم أن لا يغتر

يعتبر الفنان الشعبي احسيسن من أعمدة فن الشعبي بالعاصمة، كما أنه فنان تشكيلي قدم العديد من المعارض الفنية، تناول في حديثه مع "المساء"، الصراع مع الأجيال، مؤكدا أنه ملموس في مجال الفن الغنائي، عكس الفن التشكيلي الذي تميز بتواصل الأجيال وتكاملها، وقال إنه احتك في بداياته مع فنانين عمالقة شرب من منبعهم الفن، منهم مصطفى اسكندراني وبلقايد وعبد الغاني والحبيب حشلاف وغيرهم، وكانوا يتبنون المواهب الشابة مثله ويقدمونها للجمهور، خاصة عبر التلفزيون الجزائري، وكانت فرصة الظهور تمثل مسؤولية يحاول من خلالها الفنان الشاب التميز والاستمرار، وكان جيله من أبناء فن الشعبي ملتزمين نحو الشيوخ ويأخذون منهم أسرار الصنعة.

في سنة 2006، ترأس الفنان احسيسن جمعية "الفن الأصيل"، وجمع فيها 26 تلميذا في فرقة كبيرة، وأعطاهم عصارة تجربته وكل ما يملكه من فن، ثم ترك المهمة لغيره، كما أنه ساهم في تكوين ابنته الفنانة مالية السعدي وأهداها أغنية "وريدة" التي كتبها الراحل اسطنبولي.

نصح الفنان الشباب بالتكوين وعدم الغرور وعدم ربط الفن بالرقص فقط، وأن يكون للفنان هيبته وكرامته وشرفه، يظهر في أحسن صورة ولا يدق الأبواب متسولا، وأن لا يكفر بخبرة السنين، كما هو حاصل اليوم، وأن لا يتكبر بعد خروج أغنيتين فقط له، لأنها مجرد البداية، أما عن أبناء جيله، فقال إنه يلتقي بعض الشيوخ "مرة في الزمان"، لأن كل منهم يقيم في منطقة ما، ثم يغنون ويستعيدون أمجاد الشعبي.

الممثل عبد العزيز قردةلا أعترف بشيء اسمه "الموهبة"

بدا الفنان قردة كعادته صريحا، يعلق بصوته العالي الذي دوى لعقود على خشبة المسرح الوطني، موضحا أنه لا يعترف بشيء اسمه "الموهبة"، فهو يمقت هذه الكلمة، وقال إنه كان مشروع موهبة في سن الـ14 عاما، حينما كان يتردد على قاعة السينما بالقصبة ليشاهد الأفلام كل أسبوع، ثم انتقل لمشاهدة العروض التي يقدمها باشطارزي بالمسرح، حينها قرر دخول مجال الفن موازاة مع دراسته بثانوية "الأمير عبد القادر" في العاصمة، والتحق بمعهد الموسيقى قسم التمثيل بإشراف الراحل باش جراح إلى غاية سنة 1959.

 وبعد الاستقلال في سنة 64، التحق بمعهد برج الكيفان ودرس 5 سنوات، وتخرج في أول دفعة، ثم دخل المسرح الوطني حاملا معه 13 مادة درسها نظريا، ولم يقل إنه فنان رغم كل ذلك، بل توجه للجيل السابق، ككلثوم والحاج عمر وعلال المحب وغيرهم، ليأخذ منهم التجربة الميدانية، وكان له ذلك، ثم قال "للأسف، جيل اليوم هم "زواوش القرمود"، وليس ذلك ذنبهم، بل ذنب المنتجين والمخرجين، يأتون بشباب من الشارع إلى الخشبة مباشرة، لا ثقافة ولا تكوين لهم، وأحسنهم لم يقرأ كتابين في حياته، فجيل اليوم لم يعد عنده هاجس القراءة والدراسة والبحث، خاصة في المسرح، بعضهم لا يفرق بين موليير وشكسبير، وبالتالي ضاعوا".

كما ربط المتحدث تراجع الفن، خاصة مع جيل اليوم، بقلة الاهتمام ونقص الإنتاج، وزاد الطينة بلة وباء "كورونا"، حيث لم يتوقف الإنتاج في بلدان كثيرة، بينما توقف عندنا وكان ما كان. وتحدث الفنان قردة أيضا عن جيل شباب الماضي، الذين كونتهم الجمعيات، منها الكشافة الإسلامية التي اهتمت بالفن، كالأناشيد والمسرح، وقد التفت لمواهبها باشطرزي، واختار منها الفنان العملاق طه العامري.

 


 

 

يوم 8 جوان تعزيز للذاكرة الوطنية.. فرنسا اغتالت علي معاشي لأنه كان رمزا جامعا

يرجع الفضل للمؤرخ عمار بلخوجة في جعل 8 جوان اليوم الوطني للفنان، محاولا في ذلك، ترسيخ ذكرى الفنان الشهيد علي معاشي، وكذا تعزيزا للذاكرة الوطنية التي تستحق أن تحيا في الوجدان، كي تكون صمام أمان ضد النسيان. أشار الأستاذ بلخوجة خلال حديثه لـ"المساء"، إلى أنه كان وراء مبادرة 8 جوان تمجيدا للشهيد علي معاشي، الذي علقت جثته بالساحة العمومية في تيارت، مع رفيقيه الشهيدين جهلان محمد وبن سترة الحيلالي، وتم ربط أرجلهم في صورة نكراء، وكلهم استشهدوا في الجبل، وقد تحقق هذا التكريم ابتداء من سنة 1999، واستمر حتى اليوم، يلتقي فيه الفنانون ويحتفلون ويتذكرون ما كان من أمجاد.

أكد المتحدث أن مسار الشهيد توقف عند اعتقاله سنة 58، فقد كان ضمن خلية لجبهة التحرير، وكان يخبئ السلاح ومكلفا بالاتصال، وقتلته فرنسا عمدا، كونه رمزا، وبسبب انضمامه للثورة التي اقتنع بها الفنان ورفض أن يعيش على الهامش، مثله مثل باقي شرائح المجتمع. قال الأستاذ بلخوجة، إن مسار الشهيد وموهبته تفتقت وهو في سن الـ18 سنة، وكان حينها يتجول في باخرة تجارية التقى فيها فنانين عرب، علما أنه كان له جوق فني، وبعد خدمته العسكرية استقر بالجزائر العاصمة، التي جلبته بقصبتها العتيقة، ثم التحق بالإذاعة كتقني وعرفه الفنانون، منهم عبد الرحمن عزيز والعنقى ونورة وخليفي أحمد وكمال حمادي، وسجل لهم ونشأت علاقة محبة بينه وبينهم. وأكد المتحدث أن السيدة فريدة صابونجي قالت له، إنه عندما سمعت خبر قتله وتعليقه على الشجر، امتنعت عن الطعام لمدة 3 أيام وأصيبت بالقهر.

لحن الشهيد عدة أعمال، منها "وصيت القمري" وغناها قرامشي الجيلالي بعد الاستقلال، وكذا "تحت سماء الجزائر" التي غناها محمد العماري، ثم "أنغام الجزائر" النشيد الوطني الفني المتجول في ربوع الجزائر الحرة، مستعملا كل الطبوع بعبقرية، ولو أنه عاش ـ كما يقول بلخوجة ـ ولم يقتل في سن الـ31 عاما، لكان مدرسة فنية قائمة بذاتها، تماما كما بلاوي الهواري والعنقى وغيرهما من الرواد.

روى المؤرخ بلخوجة لـالمساء"، حادثة زيارة فريد الأطرش للجزائر، وما وقع فيها، والتي كانت سببا في جعل الشهيد معاشي يطلق رائعته "أنغام الجزائر"، فقال "جاء الفنان فريد الأطرش إلى الجزائر بدعوة من الحاكم العام للجزائر مارسال ايدمون ناجيلان (1949-1950)، وكان هذا الحاكم خبيثا وعنصريا يمقت الجزائريين، وقمع الحركة الوطنية بوحشية ولقب بمزور الانتخابات، حيث لم يكن يسمح إلا بمرور الباشاغات والقياد، لذلك حاربه المناضلون الوطنيون، ولما جاء فريد إلى الحفل ودخل المسرح بقسنطينة قال "السلام عليكم وتشكراتي للحاكم العام الذي دعاني"، فانهال عليه الضرب بالطماطم ولم يغن، وعندما غادر الجزائر، انتقم بأغنيته "بساط الريح" التي أسقط منها الجزائر، حيث قفز من تونس الخضراء إلى مراكش، وكان يردد "تونس فين ومراكش فين"، لكن الرد كان من الشهيد معاشي". لكن المتحدث ثمن موقف الفنانين العرب الذين وقفوا بعدها إبان الثورة مع الشعب الجزائري، وقدموا الكثير من الروائع، منهم كارم محمود في "باسم الأحرار الخمسة" التي تناولت اختطاف طائرة الزعماء الخمسة للثورة، وكذا فنانين آخرين، منهم عبد الحليم حافظ ونجاح سلام وشريفة فاضل وغيرهم.