نشاط الترقية العقارية في الجزائر

فوضى أخلت بسوق العقار وأدخلت البعض إلى أروقة المحاكم

فوضى أخلت بسوق العقار وأدخلت البعض إلى أروقة المحاكم
  • القراءات: 5104
هدى. ن هدى. ن

يشهد مجال الترقية العقارية في الجزائر، فوضى عارمة، تخص آليات  تسيير النشاط، وهو ما أدى إلى الإخلال بسوق العقار في بلادنا. وأهم ما هو مطروح حسب المعطيات المرتبطة بهذا الجانب؛ اعتماد المرقين العقاريين من أصحاب ما يعرف بـ"السوق الحر"، أسعار خيالية تفوق 8  ملايير سنتيم للشقة ذات 5 غرف، ويضاف إلى الأسعار الخيالية المعتمدة؛ وجود مشاكل عويصة لا نهاية لها، جرّت أصحابها إلى أروقة المحاكم، نذكر منها عدم حصول العديد من المكتتبين على عقود الملكية، رغم دفعهم ثمن سكناتهم، وتقاعس عدد من المرقين عن تسليم السكنات في موعدهها.

من جانب آخر، وحسب ما وقفنا عليه في الميدان، يلجأ البعض من أصحاب العقارات، إلى هدم منازلهم الفردية، وبناء عمارات مكانها، وهي مشاكل مطروحة أدت إلى فوضى عارمة لا حدود لها، قد يكون المواطن المتسبب الرئيسي فيها، سواء الذي يختار السكنات ذات الأسعار الخيالية، أو ذاك الذي يلجأ إلى التعاقد مع مؤسسات غير معتمدة، ولا تملك أي ترخيص للبناء، وهذا يقودنا إلى طرح تساؤلات عن دور الإدارة والآليات القانونية التي تسمح بوضع حد لهذه الفوضى، التي تؤكد الإدارة المعنية وجودها، وتحذر من الوقوع في شباك المرقيين الذين لا يندرجون في القائمة الرسمية للمرقين، أصحاب المشاريع المضمونة في مختلف ولايات الوطن، والبالغ عددهم 7598 مرق عقاري.

كما يعد مشكل السكن، من أهم الانشغالات المطروحة في مجتمعنا، فالبحث عن سكن لائق يجسد في الأصل مبدأ الحق في السكن المضمون دستوريا. وقد ظلت الدولة حتى مطلع الثمانينات، تتكفل من الناحية التقنية والمالية  ببناء السكنات الاجتماعية، في إطار نشاط دواوين الترقية والتسيير العقاري، حيث تم من خلال هذه الآلية، بناء العديد من السكنات الاجتماعية، مما أدى إلى توسع المدن، وشهدت العاصمة لوحدها، على سبيل المثال، توسعا عمرانيا على امتداد الولايات المجاورة، منها ولاية بومرداس، البليدة وتيبازة. مع ارتفاع احتياجات المواطن للسكن، تم استحداث صيغ جديدة للسكن الاجتماعي، منها الترقوي العمومي، التساهمي، الاجتماعي الإيجاري، وآخرها صيغة التساهمي المدعم.

قانون 2011 ثري لكنه لا يحمل الضمانات الكافية

يعد القانون الصادر في مارس 1986، أول قانون ينظم نشاط الترقية العقارية، وحدد الإطار العام له، وتم سنة 1993، تدعيم الإطار القانوني لهذا النشاط، واستحداث مبدأ البيع على التصاميم. وحسب استنتاجات المشرعين ورجال القانون ومختلف الدراسات - التي اطلعنا عليها-، فإن هذه الصيغة المستحدثة، لم تكن كافية لتأطير النشاط وضمان حقوق الملكية، وتم على أساس الثغرات المسجلة في النصوص القانونية المرتبطة بهذا الجانب، إصدار القانون 04 .11، وتحديد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية، مع إدراج مبدأ عقد حفظ الحق، وهو عقد يلتزم بموجبه المرقي العقاري، بتسليم العقار المقرر بناؤه، أو في طور البناء للمكتتب، كما يلتزم هذا الأخير، بتسديد السعر كلما تقدم إنجاز المسكن، وحتى لا يقع ضحية للاحتيال، يتم تحويل ملكية العقار عند تاريخ التسديد النهائي لسعر العقار، وإبرام عقد البيع أمام موثق. من أهم الشروط التي تخول للمرقي العقاري ممارسة النشاط؛ التسجيل في الجدول الوطني للمرقين العقاريين، والحصول على الاعتماد والترخيص الإداري لبناء السكنات أو أي نشاط آخر يخص مجال التعمير.

يسمح القانون بفسخ عقد حفظ الحق في أي وقت، خلال إنجاز المشروع، بطلب من أحد الطرفين مع قبول الطرف الآخر، وفي حال تراجع الزبون عن ذلك، يستفيد المرقي العقاري من اقتطاع نسبة 15 بالمائة من مبلغ التسبيق المدفوع، كما يتم فسخ العقد من قبل المرقي في حال عدم احترام الزبون لالتزاماته، بعد إعذارين يبلغان عن طريق محضر قضائي، ولم يتم الرد عليهما، حيث تحدد مدة كل واحد منها بشهر كامل.

كما يتعين على المرقي، بعد 3 أشهر كحد أقصى، من الاستلام المؤقت للبناية، أو لجزء منها، يتعين عليه إعداد عقد البيع أمام موثق، مقابل التسديد الكلي لسعر السكن من قبل صاحب حفظ الحق. يتم، حسب ما يحدده القانون، ضبط تسديد سعر البيع في عقود البيع على التصاميم، حسب وتيرة تقدم أشغال الإنجاز، كما يشترط ذكر ما إذا كان السعر قابلا للمراجعة، أم لا، وفي حالة الإيجاب، يجب تبرير هذه المراجعة، ويتعين عدم تجاوز سعر المراجعة بـ20 بالمائة كحد أقصى عن السعر المتفق عليه في البداية، بالإضافة إلى ضرورة ذكر كيفيات مراجعة الأسعار، التي ترتكز على تغيرات سعر التكلفة في السوق، منها الأسعار الرسمية لمواد البناء، والعتاد، واليد العاملة، باستثناء الظروف الطارئة، التي لا يمكن تجنبها، والاستثنائية التي يمكن أن تؤدي إلى الإخلال بالتوازن الاقتصادي للمشروع. يتحمل المرقي عقوبات في حال تأخره عن تسليم العقار، كما يمنعه القانون من  المطالبة، أو قبول أي تسبيق، أو إيداع، أو اكتتاب سندات تجارية، قبل توقيع عقد البيع على التصاميم، أو قبل تاريخ استحقاق الدين.

مشاكل عويصة يتخبط فيها المكتتب بـ "علاقة تعاقدية"

حسب ما تم ذكره، فإن علاقة التعاقد التي تربط المرقي العقاري بالزبون، وشروطها المحددة في مختلف مراجل الاكتتاب، قد تبدو واضحة تقنيا وعمليا، لحماية حقوق الطرفين، لكن ما هو مطروح في أرض الواقع من مشاكل، يؤكد عدم الالتزام المبدئي أو الكلي للشروط الواجب اتباعها، ويوضح وجود نقائص وثغرات كبيرة في تسيير هذا النشاط، خاصة تلك  المتعلقة بكيفية التدخل لحماية أصحاب عقود حفظ الحق. 

يقع الكثير من المواطنين، ضحايا النصب والاحتيال من قبل بعض المرقين العقاريين الذين ينشطون في السوق الحر، وقد تم تسجيل حالات سلب فيها المرقي العقاري أموال المكتتبين، وفر إلى خارج الوطن، ويتهرب المرقي في حالات أخرى، عن تقديم عقد الملكية لأصحابها، رغم تسديدهم النهائي سعر العقار، ومنهم من وجد نفسه يتقاسم مسكنه مع شخص آخر، بعد لجوء المرقي إلى بيع المسكن لأكثر من شخص، ولا يجد الزبون في ذلك سوى اللجوء إلى أروقة المحاكم، للمطالبة باسترداد حقوقه المهضومة، وهي معركة يؤكد بشأنها البعض من الضحايا، أنها طويلة النفس. يطرح آخرون، عدم التزام المرقي بتوفير سكنات تحمل المواصفات المحددة على التصاميم، والتي يتم الاطلاع عليها في بعض الحالات، من خلال الزيارة الافتراضية للموقع محل الإنجاز، بالإضافة إلى التزام المرقي في بعض المواقع، بتسيير الأجزاء المشتركة المحددة قانونا بمدة سنتين، بعد تسليمه للبناية، قبل نقل التسيير إلى الجهات المعنية التابعة لوزارة السكن. 

أسعار خيالية في السوق وبناءات فوضوية تدخل حيز النشاط

تعتمد مؤسسات الترقية العقارية، من بين تلك التي تنشط في السوق الحر، أسعارا خيالية لا مبرر لها، فالعام والخاص يجهل مرجعية أسعارها، فعلى سبيل المثال، وحسب ممثل إحدى مؤسسات الترقية العقارية، يصل سعر المتر المربع الواحد لشقة بأعالي العاصمة، إلى 48 مليون سنتيم، ويفوق سعر الشقة من 5 غرف 8 ملايير سنتيم. مرق عقاري آخر، انتهى من إنجاز عمارة ببلدية الدار البيضاء، ولكونها بصدد التسليم، فقد تم تحديد الأسعار النهائية مثل هذه السكنات، وهي تتباين حسب عدد الغرف، ومساحة الشقة ، فعلى سبيل المثال، يبلغ  سعر الشقة من 3 غرف؛ 3 ملايير و500 مليون سنتيم، كما يبلغ سعر الشقة ذات 5 غرف؛ 7 ملايير و800 مليون سنتيم، ويتم ـ حسبه ـ دفع 30 بالمائة من سعر الشقة كدفعة أولية، والالتزام بدفع الأقساط الأخرى كل 6 أشهر، إلى نهاية الأشغال، والتسليم النهائي للسكنات.

من جانب آخر، يلجأ بعض الأشخاص من أصحاب المساكن الفردية في العاصمة، وربما في ولايات أخرى من الوطن، إلى هدم منازلهم، وتشييد  مكانها عمارات  في أحياء تدخل في حيز العمران المبني، ومثلما وقفنا عليه، فإن من هذه المشاريع ما هو مكتمل، وآخر لايزال  في طور الإنجاز، ويعرض أصحابها خدماتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإعلانية المتخصصة في العقارات. في الجولة الاستطلاعية التي قادتنا إلى عدد من المواقع في العاصمة، وقفنا على هذا النوع من الممارسات ونتعمد هنا عدم ذكر المواقع بالتحديد وحسب صاحب أحد المشاريع، فإن المساحة التي ستشيد عليها البناية، عبارة عن مسكن عائلي تفوق مساحته 800 مترا مربعا، لجأ صاحبه إلى هدمه لإنجاز مشروعه الاستثماري.

يلجأ الكثيرون إلى الإعلان عن هذا النوع من المشاريع، ويعرضون في ذلك بيع السكنات على التصميم، ويشترطون تقديم تسبيقات مالية على مراحل، قبل الحصول على السكن في شكله النهائي. حسب مصدر من بلدية برج الكيفان، فإن هذه المشاريع غير قانونية، ولا يحوز أصحابها اعتمادا أو ترخيصا للبناء، مضيفا أنه يتم رصد هذا النوع من البناءات، والعديد منها بصدد التهديم على مستوى إقليم البلدية. 

7598 مؤسسة عقارية معتمدة عبر التراب الوطني

يبلغ عدد المرقيين العقاريين المعتمدين، والمسجلين في الجدول الوطني للمرقين العقاريين، والمنتسبين لصندوق الضمان والكفالة المتبادلة في الترقية العقارية، 7598 من الذين يحملون مشاريع على مستوى ولايات الوطن. وحسب الصندوق المذكور، الذي يمارس مهامه تحت وصاية وزارة السكن والعمران والمدينة، فإن الاعتمادات والتسجيل في جدول الترقية العقارية، والانتساب لدى الصندوق، لا يعنى بأن المشاريع المطروحة مضمونة، ولتأكد ذلك، يجب الرجوع إلى قائمة المشاريع التي يعلن عنها الصندوق، والتي تحدد بالتفصيل تسجيل المرقي في الجدول، والمعطيات المرتبطة بنشاطه، منها اسم المسير، والعنوان التجاري للشركة واسمها، بالإضافة إلى رقم الهاتف والفاكس، والولاية التي يمارس فيها المرقي نشاطه.

على الرغم من أن الصندوق المذكور، يحذر صراحة المكتتبين من الوقوع في شباك مرقيين عقاريين غير موثوق فيهم، إلا أن الأمر يطرح مدى وكيفية وصول المعلومة إلى طالب السكن، فمن هو الذي يمكنه الاطلاع على قائمة المرقيين المعتمدين، والمشاريع المضمونة في هذا الإطار؟؟ يبقى السؤال مطروحا، في انتظار إيجاد حلول كفيلة بتنظيم هذا القطاع الحساس.