نهاية 2020 بالتطبيع و سقوط ترامب

فلسطين تصمد.. الصحراء الغربية تنتفض والشعوب تنتصر

فلسطين تصمد.. الصحراء الغربية تنتفض والشعوب تنتصر
  • القراءات: 706
ص. محمديوة ص. محمديوة

لا شك في أن العام المنقضي سيبقى راسخا في تاريخ البشرية، شأنه في ذلك شأن سنوات شكلت تحولات مفصلية في الصيرورة الكونية، كالحروب الكبرى والكوارث المدمرة والأزمات التي عرفها العالم على مدار ألفياته المتلاحقة، مما سيجعل الناس ينعتونه بعام “كورونا” وليس بعام 2020.

إذا كانت سنوات الألفية الحالية، وما قبلها، مرت في سياق أحداث متلاحقة، عادة ما غلب عليها الطابع السياسي وبعض التوترات الأمنية والصراعات المسلحة، إلا أن عام 2020 شكل استثناء فرضه فيروس “كورونا” الذي جعل العالم كله، بدوله المتقدمة والنامية القوية منها والضعيفة، يعود إلى نقطة الصفر، عاجزة عن فعل أي شيء، تترقب مدى خطورة هذا القاتل الخفي ومدى فتكه بالبشرية.

فقد حل عام 2020، وأعين قرابة ثمانية ملايير شخص موجهة إلى مدينة ووهان الصينية، التي ظهر فيها وباء “كوفيدـ19” أول مرة، يترقبون لحظة بلحظة، حقيقة فيروس مجهول من حيث طبيعته ومصدره وكيفية انتقاله وسرعة انتشاره، ولعبت وسائط الفضاء الأزرق دورا محوريا في زيادة هاجس الخوف من تداعياته التي لم تكن مخطئة، بدليل فتكه بحياة أكثر من 1,7 مليون شخص، وإصابته لأكثر من 80 مليون شخص آخر.

وإذا كان وقعه كبيرا على حياة الناس، فإنه كان أقوى على الاقتصاد العالمي، الذي مني بأكبر انتكاسة وانكماش فاق من حيث درجة تأثيراته، تلك التي خلفتها أزمة الاقتصاد العالمي سنة 1929. فقد عادت مؤشرات النمو لأقوى الاقتصاديات العالمية إلى نقطة الصفر في وقت قياسي، ومازالت كذلك عاما منذ ظهور الوباء، جعلت قطاعات حيوية كالنقل والسياحة والصناعة تدفع ثمنا قويا، لذلك شلت خلالها كل أنشطة الحياة الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، فرضها لجوء كل دول العالم دون استثناء إلى اتخاذ إجراءات حجر صحي، كآخر وسيلة للتقليل من خطره، وقطع سلسلة العدوى، وسط ترقب نتيجة حرب اللقاحات التي استعرت بين كبار مخابر إنتاج الأدوية العالمية.

وبقدر ما كان أثره قويا على الاقتصاد، فإنه كان أكثر حدة على الحياة السياسية التي جمدت أنشطتها في كل الدول، واضطر قادة ومسؤولو وساسة العالم إلى التواصل افتراضيا، وعقد اجتماعاتهم من وراء مكاتبهم، وحتى في بيوتهم، عبر تقنية التحاضر عن بعد، التي جعلت الجميع يقضي حوائجه من عالم افتراضي، وقوده الأنترنت والتكنولوجيات الحديثة.

"كورونا” تعجل بنهاية حكم ترامب

لكن العدو الخفي الذي لم يكشف عن كل أسراره، كان له وقعه حتى في تحديد مصير بعض الأحداث والمناسبات السياسية الدولية، على غرار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي نظمت في أوج انتشار الجائحة في الثالث نوفمبر الماضي. وشكل أهم عامل في خسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعدم تمكنه من الفوز بعهدة ثانية، وهو الذي تعامل مع أولى حالات الإصابة في بلاده بكثير من السخرية، وأنه لا يعدو أن يكون مجرد فيروس موسمي، ليصاب هو نفسه، بينما لم يكتب لأكثر من 335 ألف أمريكي النجاة من قبضته.

كانت هذه الأرقام الكارثية، بمثابة ورقة انتخابية رابحة استغلها منافسه الديمقراطي جو بايدن لصالحه، وعجلت بنهاية حكم رئيس أمريكي شكل الاستثناء طيلة أربع سنوات التي قضاها في البيت الأبيض، سواء من حيث قراراته الفجائية ومواقفه المثيرة للجدل، التي أخرجت واشنطن عن سياق الإجماع العالمي، وحتى من حيث مواقفه الرافضة لنتيجة الرئاسيات، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات الأمريكية، التي يضرب بها المثل في النزاهة والشفافية.

رغم انزياح الكابوس “الترامبي” من النسق الدولي، إلا أن قراراته العشوائية، خاصة في السياسة الخارجية الأمريكية، أخلطت موازين العلاقات الدولية ضمن هزات، سيبقى وقعها الكارثي قائما لسنوات قادمة، رغم أنه قدم نفسه كراع للسلام العالمي، رغم فشل سياسته في كوريا الشمالية وإيران وكوبا، وفي الكثير من القضايا الدولية الأخرى.

إذا كان الرئيس ترامب كسب رهان تحقيق ود زائف بين دول عربية والكيان الإسرائيلي المحتل، عبر حملة تطبيع غير مسبوقة، إلا أن ذلك سيبقى مجرد تطبيع أنظمة، وليس تطبيع شعوب عربية رافضة لإراقة الدم الفلسطيني، تحت غطاء منافع اقتصادية وهمية، ووقفت عليها دول، مثل مصر والأردن منذ 1979 و1993.

إذا كان التطبيع ثمنه هذه المرة، بيع القضية الفلسطينية أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، فإنه أيضا تضمن صفقة مساومة مخزية أبرمها العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يقدم نفسه على أنه “أمير المؤمنين” وحامي القدس الشريف، مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على حساب إنكار حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره.

مساومة القضية الصحراوية تخرجها إلى العلن

جاء اعتراف الرئيس الأمريكي المغادر، في العاشر من الشهر الجاري، بسيادة مغربية مزعومة على الصحراء الغربية، مقابل تطبيع الرباط للعلاقات مع إسرائيل، بنتائج عكسية خدمت القضية الصحراوية التي بقيت طيلة سنوات، في رفوف النسيان بالأمم المتحدة.

كان انهيار وقف إطلاق النار المعلن قبل 29 سنة، بين جبهة البوليزاريو والمغرب، على إثر العدوان الغاشم الذي شنته قوات هذا الأخير، على متظاهرين صحراويين مسالمين بثغرة الكركرات بالمنطقة العازلة في 13 نوفمبر الماضي، قد فجر حملة تضامن ودعم على نطاق واسع لحق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره.

تعززت هذه الحملة، بعدما تمسك مجلس الأمن الدولي في اجتماعه المغلق حول القضية في 21 نوفمبر الماضي، بالقرارات الأممية المؤكدة على الإطار القانوني للقضية الصحراوية، المصنفة لدى الهيئة الأممية على أنها مسألة تصفية استعمار، وحلها لن يتم إلا عبر تنظيم استفتاء حر ونزيه يشمل كافة أراضي الصحراء الغربية المحتلة.

وإذا كان الصحراويون قد قرروا العودة إلى الكفاح المسلح، لافتكاك حقهم الذي تنكره عليهم دولة شقيقة وجارة، لجأت حتى إلى بني صهيون للاستقواء عليهم، فإن أشقاءهم في ليبيا يحذوهم الأمل في إمكانية التصالح فيما بينهم، وتوحيد صفهم وكلمتهم تحت راية سلطة واحدة تحكم كل ليبيا.

ينبع هذا الأمل، انطلاقا من مسار التسوية السلمي الذي أطلقه مؤتمر برلين المنعقد شهر جانفي الماضي، والذي جمع كل الأطراف المعنية بالأزمة الليبية المباشرة وغير المباشرة، والقوى الدولية والإقليمية المتورطة في المستنقع الليبي ودول الجوار، وتعول على مخرجاته الأمم المتحدة، لإنهاء أزمة ليبية عمرت لعشرية كاملة.

وقد تم على مدار عام كامل، إطلاق سلسلة مفاوضات ومحادثات تحت رعاية البعثة الأممية في ليبيا، بقيادة المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز، منها ما عقد خارج ليبيا، على غرار جنيف السويسرية وتونس، ومنها ما احتضنتها الأرض الليبية كمفاوضات غدامس، شملت ثلاثة مسارات عسكرية واقتصادية وسياسية، حققت إلى حد الآن، اختراقات إيجابية، أهمها إعلان وقف إطلاق نار شامل وتام في 23 أكتوبر الماضي، والاتفاق على تنظيم انتخابات وطنية شهر ديسمبر 2021.

بينما يستقبل الليبيون العام الجديد، وهم متمسكون بآمالهم في أن يحمل معه مزيدا من الانفراجات، لإنهاء صراع دام وحرب أهلية، جاءت على الأخضر واليابس في هذا البلد المضطرب، يطوي العالم أجمع صفحة عام 2020، على أمل أن لا تتكرر نفس السيناريوهات المرعبة التي عاشها، جراء غزوه من قبل فيروس خفي، قتل ما قتل من البشرية، وشل كل مجالات الحياة وألحق خسائر فادحة في الاقتصاد العالمي.

والمفارقة أن العام الحالي الذي حل وسط هواجس ومخاوف انتشرت من أقصى الشرق الصيني، إلى أقصى الغرب الأمريكي، ومن أقصى نقطتين في القطبين من فيروس قاتل، فقد انقضى بأمل القضاء عليه، وقد بدأت عمليات التلقيح بوتيرة متسارعة في الكثير من بلدان العالم، وسط مؤشرات لانزياح خطره وطي صفحته دون تمزيقها.