قاعات السينما الأربع بالجزائر الوسطى
فقدت "خصوصيتها" ولم تعد حكرا على "السينما"

- 988

ارتبطت ليالي العاصمة وأيامها منذ عشرات الزارت "المساء" قاعات السينما التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة والتي تنشط حاليا ببلدية الجزائر الوسطى، وقفت عند نشاطاتها التي تسير بوتيرة عادية مع تسجيل إقبال الجمهور عليها، خاصة خلال أيام العطل وفي الفترات المسائية. إلا أن ما لوحظ؛ طغيان الأنشطة الفنية والثقافية الأخرى على حضور الفن السابع.
سنوات بقاعات السينما التي تجاوزت شهرتها الحدود، حيث كانت المكان الدائم لكل ما تجود به الصناعة السينمائية في الداخل وعبر العالم، وكان الجمهور آنذاك لا يفوته أي فيلم يخرج هنا وهناك، بل وكانت أيضا فضاء للنقاش الذي لا يخرج عن مجال الفن السابع باستضافة أكبر النقاد والسينمائيين من شتى أرجاء العالم، لكن الحال اليوم تغير بسبب ظروف اجتمعت لتزيح هذا الفن على الهامش، الأمر الذي جعل الكثيرين يقسمون بأغلظ الإيمان أن سنوات عز ومجد السينما الجزائرية لن يعود أبدا .
زارت "المساء" قاعة الخيام التي بدت مفتوحة تستقبل الزوار ولا يتردد القائمون عليها في تقديم معلومات تخص البرنامج بكل لباقة، من بينهم عون متقدم في السن أشار إلى أن الإقبال موجود لكنه لا يضاهي ذلك الإقبال الذي كان في السبعينات مثلا، حينما كان الجمهور الجزائري معروفا بارتباطه الوثيق بالسينما ولا يغيب عنها مهما كانت الظروف، في حين أن الجمهور السينمائي اليوم بمفهومه الواضح والقار غير موجود، فالقاعة متعددة النشاطات والجمهور يأتي لأنشطة أخرى، منها الموسيقى والمسرح والتكريمات والاجتماعات وغيرها، فالقاعة ليست للسينما وفقط كما كانت "أيام زمان".
قاعات تحاول تغيير الواقع
استُقبلت "المساء" من طرف السيد سيد علي محجان المشرف على قاعة "الثقافة"، الذي عبّر عن تفاؤله ورضاه بما يقدم في هذه القاعة التي حولت منذ سنة ونصف إلى قاعة مخصصة للأطفال يأتونها من كل حدب وصوب من العاصمة، لمشاهدة أفلام الكارتون أو الأفلام السينمائية المخصصة للأطفال (أغلبها أفلام أجنبية) كل يوم جمعة وسبت وظهيرة يوم الثلاثاء، وهي تتسع لـ150 مقعدا وطابقين وقد زينت برسومات الأطفال التي ملأت الجدران والألوان الصاخبة العاكسة لحيوية البراعم.
عن سبب تحويل هذه القاعة للصغار، أشار سيد علي إلى أن الجيران اشتكوا رسميا فيما مضى من بعض الممارسات التي يقوم بها بعض الشباب المترددين على القاعة وضجيجهم ومواعيد العشاق خارجها وأمام عمارات وشرفات السكان إلى أن حولت إلى قاعة للصغار.
تستقبل القاعة في اليوم الواحد ما يقارب الـ90 طفلا يأتون من مناطق مختلفة، منها باب الوادي، شوفالي وبلوزداد وغيرها. وأصبحت بمثابة مدرسة تعّد الأطفال ليكونوا جمهور المستقبل يقبلون على السينما ويرتبطون بها على اعتبارها فنا راقيا وضروريا.
بالنسبة لقاعة "الشباب" بشارع "العربي بن مهيدي" فهي مفتوحة أيضا طوال أيام الأسبوع، وتحرص على استقبال العائلات في المقام الأول. وبالمناسبة، أكد أحد المشرفين على تسييرها خلال حديثه مع "المساء" أن الحركة لا تهدأ أبدا، مفندا مقولة أن الجمهور لا يذهب إلى قاعات السينما، إذ ما زال يبحث عن مشاهدة الأفلام ويطلبها، ويقول "تدخل بعض العائلات لتستفسر عن البرنامج وتعبر عن اهتمامها بكل ما يعرض، كذلك المارة الذين يسيرون قرب القاعة، ناهيك عن الحضور المكثف الذي تضيق به القاعة أيام المناسبات الفنية من تكريمات وحفلات وهو دليل على أن هذه المساحات ليست مهجورة، وقال؛ "الجمهور الذي نقابله يوميا يطلب بإلحاح الأفلام الجزائرية، خاصة الأفلام الجديدة (تاريخية أو اجتماعية) التي يود مشاهدتها، لكننا للأسف نعجز عن تلبية بعض طلباته بسبب غياب هذه الأفلام التي لا تصلنا".
عن مشكل بعض التجاوزات التي قد يسببها بعض المتفرجين الشباب من العشاق والتي لأجلها تعزف بعض العائلات عن الحضور، أشار المتحدث إلى أن المشكل محلول في القاعة، علما أنه تحضر أماكن خاصة لهذه العائلات مريحة وبعيدة عن أي تجاوزات قد تحدث هنا أو هناك.
كان المشرفون على قاعة السينما "الجزائرية" من جهتها، متفائلين وعندما سألتهم "المساء" عن سبب عزوف الجمهور عن القاعات، ردّوا بأن من يقول إن القاعات تعاني القحط فهو المعني بذلك، بمعنى أن من لا يذهب للسينما يقول بأنها خالية من الجمهور، وقد أكدوا أن القاعة تعج بالشباب والعائلات التي تأتي لمتابعة كل العروض بما في ذلك الأفلام، خاصة التي تعرض لأول مرة، وهي تتابع بشغف ما يجلب من أفلام خاصة الأجنبية، وكذلك الحال بالنسبة لمختلف النشاطات من عروض مسرحية وحفلات وتكريمات، علما أن القاعة شهدت تكريم أبرز الفنانين الذين اشتغلوا في السينما، منهم الراحل سيد علي كويرات وسعيد عجايمي وغيرهما.
في حين تبقى قاعات أخرى مهجورة لا تزال غائبة عن حياة السينما، من ذلك قاعة سينما "دنيا زاد" التي اشتهرت منذ الخمسينات بعرض الأفلام الشرقية، خاصة المصرية والهندية، والتي لم يبث إلى حد الآن في مصيرها، وسينما "الباريسي" بشارع "الأمير عبد القادر" التي تعد إرثا فنيا مشتركا بين أبناء الجزائر الوسطى الذين كانوا فيما مضى يستمتعون فيها بالأفلام الأمريكية المشهورة، وكانت محل نزاع بين البلدية وأحد المستأجرين وقد استرجعت وخضعت للترميم. ومن القاعات المغلقة أيضا قاعة "الشهاب"، مع الإشارة إلى أن أغلب القاعات التابعة للبلدية المستأجرة من طرف الخواص عقود كرائها قديمة تمتد صلاحيتها إلى 99 سنة، وقد يتطلب استرجاعها تدخل السلطات العليا.