في اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة

فرص متساوية وحياة أفضل

فرص متساوية وحياة أفضل
  • 93
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

يشهد إحياء اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة خلال السنوات الأخيرة، توسعا ملحوظا في حجم المبادرات والبرامج التي تهدف إلى تعزيز حقوق هذه الفئة، وتمكينها في مختلف جوانب الحياة. حيث تأتي هذه المناسبة السنوية لتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها الحكومات والمؤسسات والمجتمعات في تطوير التشريعات، وتحسين الخدمات، وتوفير بيئات تعليمية وعملية أكثر شمولا. كما تفتح المجال لطرح تساؤلات مهمة حول مدى جاهزية المجتمعات لاستيعاب احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، ومدى قدرتها على توفير فرص عادلة، تضمن لهم المشاركة الكاملة دون تمييز.

هذا اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة فرصة عملية لإعادة تقييم السياسات القائمة، واستعراض ودعم الابتكار في الحلول التي تعزز جودة الحياة في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى دمج فعال، يضمن وصول كل فرد إلى حقوقه الأساسية بكل سهولة. وتحتل حقوق هذه الفئة مكانة أساسية في أي مجتمع متقدم، إذ تشمل الحق في التعليم، والعمل، والرعاية الصحية، والتنقل، والعيش المستقل، والاستقلالية المادية. ورغم أن القوانين في العديد من الدول بدأت تشهد تطورا ملحوظا، إلا أن التحديات العملية مازالت قائمة.

وقال الخبير الاجتماعي حسن مراخي وأستاذ السياسات الاجتماعية، إن "حق الإنسان ليس منحة تقدم أو امتيازا يُعطى، بل هو ضمان وجود لا أكثر؛ فما نحتاجه اليوم هو الانتقال من النصوص القانونية إلى التطبيق الفعلي الذي يشعر به الأشخاص ذوو الإعاقة في حياتهم اليومية، والذي من شأنه رفع الغبن عنهم، ومساعدتهم في تأدية مهامهم ومتطلباتهم دون الحاجة للغير".

وأشار الخبير إلى أن "تطوير البنية التحتية ورفع الوعي المجتمعي يمثلان مفتاحين مهمين لحماية الحقوق”، مؤكدا أن غياب التطبيق يجعل الحقوق مجرد شعارات لا تتجاوز الورق. ويُعد الدمج الشامل، حسب محدث “المساء” ، “خطوة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية”، فهو لا يعني، فقط، وجود الأشخاص ذوي الإعاقة في المدارس والجامعات والعمل، بل توفير بيئة حقيقية تراعي احتياجاتهم، وتمنحهم الفرص نفسها التي يحصل عليها الآخرون، حسب تأكيده.

من جهتها، أوضحت الأخصائية التربوية هناء بريسي والمكلفة بالتوجيه لدى جمعية الصم والبكم ببلدية باش جراح، أن الدمج الحقيقي يحتاج إلى تدريب وتعاون. وقالت إن الدمج ليس مقعدا في الصف أو وظيفة على الورق، وإنما الدمج هو توفير أدوات تعليمية مناسبة، وتدريب المعلمين والعاملين، وإشراك الأسرة، مشددة: « عندما يشعر الطالب أو الموظف بأنه قادر على المشاركة الكاملة، فإن المجتمع كله يربح، ويشعر، بذلك، الشخص ذو الإعاقة بأنه قادر على العطاء، ويتحول من إنسان بإمكانات خامدة الى شخص إيجابي وفعال في مجتمعه". وترى المختصة أن إزالة العوائق النفسية أهم من إزالة العوائق المادية، لأن نظرة المجتمع أحيانا، تكون أكبر عائق أمام تقدم الأشخاص ذوي الإعاقة.

التكنولوجيا المساعدة.. نافذة نحو الاستقلالية الفعلية

لم تعد التكنولوجيا مجرد رفاهية، بل أصبحت وسيلة لتحقيق الاستقلالية للأشخاص ذوي الإعاقة، مثل التطبيقات الذكية، والأجهزة المساعدة، وأدوات القراءة الصوتية، والأطراف الصناعية المتطورة، جميعها غيرت حياة تلك الفئة، ومنحتهم قدرة أكبر على التعلم، والعمل، والتواصل.

وفي هذا الاطار قال المهندس التقني في التقنيات المساعدة مروان عباسي بمستشفى زميرلي الحراش، “عندما يتم ابتكار جهاز أو تطبيق خاص بذوي الإعاقة، فذلك لا يمنحهم أداة فقط، بل يمنحهم فرصة جديدة للحياة، لأن التكنولوجيا اليوم يمكنها أن تفتح أبوابا كانت مغلقة منذ عقود، وتسهل حياة الأشخاص الذين يعانون إعاقة جسدية أو حتى عقلية". وأشار المهندس إلى أن التحدي الحقيقي ليس فقط في إنتاج التكنولوجيا، بل في ضمان وصولها للجميع بأسعار مناسبة، وتدريبهم على استخدامها. وشدد في حديثه إلى "المساء" على أهمية تشجيع الدولة، مثلا أصحاب المؤسسات المصغرة، والمشاريع في ابتكار تكنولوجيات جديدة موجهة لهذه الفئة، وتراعي متطلبات المجتمع الجزائري، وميزاته.

الصحة النفسية لذوي الإعاقة جزء لا يتجزأ من التكفل

غالبا ما يُنظر إلى الإعاقة من الجانب الجسدي فقط، بينما تبقى الصحة النفسية مهمشة رغم أنها قد تكون الأكثر تأثرا بالعزلة، والتنمر، والصعوبات الاجتماعية، ليبرز هنا دور الدعم النفسي الذي يشكل عنصرا جوهريا في تعزيز جودة الحياة.

وفي هذا الإطار أكدت الأخصائية النفسية ليلى عربي على أهمية الاحتواء قبل العلاج، حيث قالت إن الأشخاص ذوي الإعاقة يحتاجون إلى مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرهم، وإلى مجتمع يتعامل معهم بصورة طبيعية دون شفقة أو تمييز، فالدعم النفسي يبدأ من الأسرة، وينتقل إلى المدرسة والعمل. ولا ينتهي عند العيادات، بل هو عبارة عن بروتوكولات إنسانية اجتماعية متكاملة؛ لإدماج الشخص مجتمعيا، ومساعدة نفسيته في الشفاء.

وأضافت عربي أن برامج الإرشاد النفسي يمكن أن تُحدث فرقا كبيرا في بناء الثقة وبناء صورة ذاتية إيجابية، مشددة على أن اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة ليس مناسبة للاحتفال فقط، بل فرصة لإعادة تقييم واقع تلك الفئة، وتوسيع نطاق الحقوق، وضمان دمج حقيقي، وتوفير تكنولوجيا تسهل الحياة، وإعطاء الصحة النفسية الأهمية التي من شأنها مساعدة أصحاب الهمم في كسر الحواجز التي تؤول بينهم وبين إدماجهم الفعلي في المجتمع.