هيئات الضبط مطالَبة بالتدخل لاحترام أخلاقيات المهنة

فايسبوك أبعد الصحافة عن الاحتراف إلى الانحراف

فايسبوك أبعد الصحافة عن الاحتراف إلى الانحراف
  • القراءات: 1069
زولا سومر زولا سومر

يتأسف الإعلاميون للواقع الذي آلت إليه الصحافة اليوم، والتي بالرغم من حداثتها والصعوبات التي مرت بها، تمكنت من تحقيق عدة مكاسب في السنوات الماضية، مشيرين إلى أن طغيان الدخلاء على القطاع وتغليب المصالح المادية على الخدمة العمومية، أبعد الصحافة عن النوعية والاحتراف، فباتت تسير نحو الانحراف بعيدا عن المصداقية والموضوعية، بحيث باتت مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فايسبوك، تصنع الحدث وعناوين العديد من الوسائل الإعلامية بدون التـأكد من صحة ومصدر الخبر . وأصبحت هذه العناوين وسيلة للقذف والشتم وتصفية الحسابات، مما يستدعي هيئات الضبط للتدخل وبحياد لفرض أخلاقيات المهنة؛ حفاظا على المكاسب المحققة، وخدمةً لحق المواطن في الإعلام.

يرى العديد من الصحفيين أنه بالرغم من حداثة تجربة التعددية الإعلامية ببلادنا والقوانين التي تضبط آليات وطرق الممارسة الصحفية باحترام الأخلاقيات المهنية التي يقتضيها العمل في السلطة الرابعة، فإن هذه السلطة التي بالرغم من هذه المكاسب التي حققتها، بات عمداؤها وصحفيوها المخضرمون يتحسرون لما آلت إليه من فوضى ونمطية فرضها أشخاص دخلاء على القطاع، همهم الوحيد الربح السريع، فحوّلوا المهنة النبيلة إلى تجارة مربحة.

لقد فتح الدخلاء على المهنة أبواب التوظيف والتعاون وممارسة المهنة أمام من هب ودب، وصار كل من يكتب أسطرا ”صحفيا”، فالصحافة اليوم، كما يرى أهل الاختصاص، بحاجة إلى غربلة حقيقية، وفرز بين الصحافي وغير الصحافي؛ كونها ابتعدت عن مفهوم الخدمة العمومية وخدمة المجتمع، وأصبحت بعض العناوين وسيلة في يد سلطة المال والجماعات التي تتحكم في هذه العناوين عن طريق التمويل والإشهار.

وسائل إعلام تحولت إلى منابر لتصفية الحسابات

يؤكد الصحفي وحيد عبد الله أن واقع الصحافة اليوم بمختلف أنواعها، صعب جدا ولم يسر في الاتجاه الذي كنا نأمله، فإذا كانت الصحافة الورقية أصبحت سنوات وجودها معدودة قد لا تتعدى أصابع اليدين بالنظر إلى التحول التكنولوجي الذي عرفه الاتصال بشكل عام، فإن القنوات التلفزيونية، على الأقل في الجزائر، لم تتمكن من مسايرة الواقع الاجتماعي للجزائريين، وافتقدت للمهنية التي تستدعيها المهمة التي أنشئت لأجلها من حيث توعية الرأي العام وتثقيفه، وتحولت إلى قنوات دعائية للجهة صاحبة رأس المال، الذي أثر على مصداقية الأخبار التي تنقلها، إلى درجة أن بعضها تحولت إلى مجرد قنوات ”تصفية حسابات شخصية”.

وعندما كان الجميع ينتظر أن تتحول وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية الإخبارية إلى وسائل اتصال بديلة فرضتها التحولات التكنولوجية المنبثقة عن الشبكة العنكبوتية، غير أن الأمل ما لبث أن تبدد بعد أن تحولت إلى وسائل للترويج لأخبار مغلوطة، الهدف منها التشويش على الخبر في حد ذاته وحتى تشويه سمعة الناس وخدش الحياء العام وحتى تبييض وجوه أشخاص لا يستحقون ذلك.وأمام هذا الزخم الإعلامي وسيل وتدفق المعلومة الآنية فإن ضبط الصحافة بدون المساس بحرية الإعلام سواء في صيغتها التقليدية أو الراهنة، يستدعي آليات عملية لضبط هذا التدفق من طرف جهات مختصة حيادية وذات مصداقية، وفق قواعد يناقشها أهل الاختصاص ويصادقون عليها، ويقبلون جميعهم بالأحكام التي تصدر تجاه هذه الوسيلة أو تلك بدون خلفيات أو تصفية حسابات شخصية ضيقة.

التكوين وهيئات الضبط ضروريان لإنقاذ المهنة

وفي هذا السياق ترى الصحفية نائلة بن رحال أنه رغم المكاسب التي تحققت للصحافة الجزائرية والتي يبقى أهمها ما نص عليه الدستور الأخير، فإن هناك عدة انحرافات باتت تميز الممارسة الإعلامية، مشيرة إلى أن أخطر ما يهدد اليوم هذه الممارسة هو سوء استعمال حرية التعبير واستغلالها للسب والشتم والقذف وحتى لتصفية الحسابات، خاصة ببعض المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى مصدر لبعض الصحفيين. وأكدت محدثتنا أن هذا الوضع يفرض اليوم إعادة النظر في تكوين الصحفيين وحتى في شروط التوظيف والممارسة، مع ضرورة الإسراع في إنشاء مؤسسات فعالة لضبط المهنة من سلطة للضبط، لفرض أخلاقيات المهنة التي تمارس مهامها بحياد، وتفرض عقوبات صارمة على من يدوس على أخلاقيات المهنة.

غياب تحرير الصحافة أبعدها عن المنافسة الشريفة

أما الصحفي عثمان لحياني فيرى أن الصحافة في الجزائر لم تكن في وضع أكثر سوءا مما هي عليه الآن، مذكرا بأن هناك تناقضا صارخا بين النص المنظم للمهنة وبين الملابسات المحيطة بالعمل الصحفي.   يقول الصحفي إنه قبل الحديث عن الوضع الاجتماعي للصحفيين هناك مأزق للمؤسسة الصحفية بشكل عام، مشيرا إلى بعض الثغرات؛ كوجود العديد من القنوات التلفزيونية الخاصة في وضع غير قانوني بالرغم من مرور ست سنوات عن صدور قانون الإعلام، الذي سمح بإنشاء قنوات خاصة، ناهيك عن التأخر في إصدار قانون الإشهار، الذي لايزال حبيس الأدراج أيضا، وكل هذه التفاصيل ـ يقول محدثنا ـ تعيق في الواقع تحرير المبادرة الصحفية، التي يمكن من خلالها تنظيم الصحفيين وتأطيرهم وتحسين وضعهم الاجتماعي، وتجعل الواقع الصحفي في وضع لا يخضع لقواعد المنافسة الشريفة.

الصحافة تعيش خريفها وفايسبوك ليس مصدرا للخبر

يقول الصحفي حفيظ دعماش إننا نعيش حاليا خريف الصحافة الورقية في الجزائر؛ فرغم أن الأزمة تأخرت في الوصول إلينا باعتبار أن العالم الغربي يعيشها منذ منتصف سنوات 2000، ”إلا أنه لا يمكن الاستمرار في تجاهل الصحافة الرقمية التي تمثل مستقبل العمل الإعلامي، غير أن هذه الصحافة الجدية يجب الالتفات إليها لضبطها وجعلها أكثر احترافية بتكوين القائمين عليها، مضيفا أن المشكل في الجزائر اليوم هو أننا لم نحضّر الصحفيين للانتقال من العمل كصحفيين يكتبون مقالات بصيغة ”قال أمس إلى يحدث الآن”، وفوق هذا مازلنا نسمع بصدور صحف ورقية جديدة، لسبب بسيط، هو أن الإعلانات الورقية؛ أي الإشهار، هي الغالبة. كما يرى محدثنا أن التحدي الأكبر بالنسبة للصحافة الجزائرية هو التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي وما يعرف بالأخبار الكاذبة، وجعل الصحفي يقتنع بأن مهمته الأولى قبل نقل هذه الأخبار في وسيلته الإعلامية، هي التأكد من حقيقة هذه الأخبار ومصادرها؛ لأن الإعلام لديه مسؤولية حول ما ينشره ويبثه، بينما رواد مواقع التواصل الاجتماعي لا مسؤولية لهم.

ولمواجهة هذا المشكل الذي بات يهدد المكاسب التي وصلت إليها الصحافة الجزائرية التي دفعت الثمن غاليا من أجل ذلك في التسعينات، يجب التفكير في تقنين نشر الخبر عبر فايسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها، يقول الصحفي.