القنوات التلفزيونية الخاصة بعيون المشاهدين والمختصين:

غياب التميز وطغيان الإعلام الجواري والحصص الترفيهية

غياب التميز وطغيان الإعلام الجواري والحصص الترفيهية
  • القراءات: 1920
زهية. ش زهية. ش

عرفت الساحة الإعلامية الجزائرية في السنوات الثلاث الأخيرة، تزايد عدد القنوات التلفزيونية الخاصة التي بلغت 43 قناة، أمضت مرحلة البث التجريبي قبل أن تنطلق في بث برامج وحصص وأخبار مختلفة، بعدما ظل السمعي البصري مغلقا لسنوات طويلة إلى غاية عام 2012، حيث فتحت قنوات أغلبها لا تملك الاعتماد إلى حد الآن، لممارسة المهنة وتقديم برامج نوعية، وإرضاء المشاهد الذي كان يعتمد على الصحف الوطنية لطرح مشاكله، فهل حققت هذه القنوات رغبات المشاهدين وسجلت حضورها وتواجدها بين القنوات العربية والأجنبية، أم أنها لازالت بعيدة عما ينتظره المشاهد الجزائري من برامج وحصص متنوعة ونوعية؟

شدت القنوات التلفزيونية الخاصة في بدايتها، انتباه عدد كبير من المواطنين الجزائريين الذين ظلت التلفزة والصحف الوطنيتين منبرهم الوحيد، للاطلاع على الأخبار وطرح المشاكل والانشغالات، في غياب وسائل الإعلام الثقيلة والقنوات الجزائرية الخاصة، التي أصبحت ومنذ انطلاقها، تتنافس على جلب أكبر عدد من المشاهدين ببرامج وروبورتاجات، خاصة في بداية انفتاح قطاع السمعي البصري، جعل شريحة واسعة من المواطنين يتابعون ما يبث على هذه القنوات، رغم النقائص التي تسجل عليها.  


القنوات الخاصة في عيون مشاهديها


ترى مريم، 44 سنة، إطار بمؤسسة وطنية في حديثها لـ"المساء"، أن بعض القنوات الخاصة تعتبر أكثر انتشارا ويتابعها المواطن لمعرفة أخبار تهمه، إذ سجلت حضورها من خلال الإعلام الجواري ونقل مشاكله اليومية، حيث تعتبر منبرا له وفي مختلف الأوقات، كما أن هناك قنوات أخرى تعتبر نفسها "قناة عامة" تغلغلت في عمق الولايات وبرزت في نشرات الأخبار المحلية، لترصد مشاكل المواطنين وانشغالاتهم، وهي أكثر متابعة خاصة في الولايات الداخلية، كما ظهرت قنوات خاصة متخصصة، مثل قناة "سميرة" التي تجلب ملايين المشاهدات ولها إشهار كبير وهي أكثر متابعة حتى في الدول العربية، وهذا يشكل إضافة للإعلام في الجزائر، حتى وأن سجلت نقائص على هذه القنوات، فهي في سنواتها الأولى ومع التجربة ستختفي قنوات وتبقى أخرى في ظل المنافسة الشديدة.

أما سامية (موظفة)، فتقول أنها تتابع بعض القنوات خاصة "النهار تي في"، التي تنقل -حسبها- مشاكل المواطن الجزائري، من خلال تطرقها لمواضيع تهمه كالسكن والنقل وغلاء المعيشة، وأضافت أن اهتمام هذه القناة بالجزائر العميقة وكشفها للمستور يعطيها مصداقية ويجعل المواطن يتابعها يوميا. ويرى محمد طالب جامعي، سنة ثانية إعلام، أن القنوات الخاصة تتحدث بحرية وتكشف عن أمور لا تبثها القناة التلفزيونية الوطنية، كما أن بعض هذه القنوات أشبعت رغبة الشباب من خلال تخصصها في الرياضة، إضافة إلى برامج تتطرق فيها قنوات أخرى إلى المشاكل الاجتماعية على المباشر.

وعلى خلاف ذلك، ذكر إطار بمؤسسة عمومية، أن القنوات التلفزيونية الخاصة كثيرة من حيث العدد، لكن المحتوى واحد، مفسرا ذلك بكون معظم القنوات ليس لها اعتماد، مما يجعلها تقوم برقابة ذاتية ونشاط محدود وحرياتها مقيدة، والدليل هو غلق بعض القنوات التي حاولت خلق فارق من ناحية السياسة المنتهجة، كما أن هناك بعض القنوات لها اعتماد، لكن نلاحظ أن برامجها مثل برامج التلفزة الوطنية، باستثناء بعض البرامج التي حاولت الخروج عن المألوف.


فيصل مطاوي صحفي بيومية الوطن: بعض القنوات تبتعد عن القواعد المهنية


من جهته، اعتبر الصحفي بيومية الوطن، أن القنوات التلفزيونية الخاصة، هي قنوات حديثة النشأة نشأت في ظرف غير عادي، وأن هناك قنوات بدأت تنشط قبل أن يدخل قانون السمعي البصري حيز التنفيذ"، وهذا ما أدى إلى غلق بعض القنوات بحجة عدم طلبها الاعتماد من وزارة الاتصال"، مضيفا أن هذه القنوات تبتعد في بعض الأحيان عن القواعد المهنية "لاحظنا أن ناسا تشتم والبعض يتكلم أشياء خطيرة، وهذا مرتبط بمسؤولية هذه القنوات التي تتحدث لملايين المواطنين"، إذ عليها، يقول مطاوي، تحمل مسؤولية ما تبثه، مثلما حدث في رمضان الماضي، حيث تم بث إحدى الحصص التي قيل إنها مضحكة، بينما هي كاميرا خفية تحجز خلالها أشخاصا، كما يجب على القنوات الخاصة أن تحسن أداءها في المحتوى، لأنها عادة ما تبث نفس البرنامج طوال اليوم أو تفتح الميكروفون في الشارع للمواطنين الذين يقولون أحيانا أشياء لا تبث تلفزيونيا وأمورا لا تتسم بأخلاق لا اجتماعيا ولا سياسيا، "هذه القنوات يجب أن تكون لها قواعد وهناك أيضا أخطاء لغوية والإخراج التقني الخاطئ والصور، لكن علينا أن نثمن هذه التجربة ونقويها باحترام كل القواعد المهنية والاجتماعية والأخلاقية.


أحمد حفصي رئيس تحرير بقناة "النهار تي في": القنوات الخاصة أعطت وجها جديدا للإعلام


أما أحمد حفصي رئيس تحرير بقناة "النهار تي في"، فاعتبر أن ميلاد القنوات التلفزيونية الخاصة  أعطى وجها جديدا للإعلام في الجزائر وأحدث نقلة نوعية، حيث تغيرت خارطة الإعلام في الجزائر التي تحصي 43 قناة خاصة، وهو عدد كبير مقارنة بدول الجوار، لكن خمس قنوات فقط تملك الاعتماد والتي استطاعت شد انتباه المشاهد، عكس ما كان في السابق، حيث كانوا يتابعون بعض القنوات الأجنبية التي كانت تبث أمورا لا تخدم المصلحة الوطنية، مضيفا أنه رغم حداثة تجربة القنوات الخاصة، فإنها استطاعت رغم النقائص أن تجلب انتباه المشاهدين وتشدهم إليها، كما فتحت المجال لخريجي الجامعات الجزائرية من أجل العمل، حيث هناك حوالي 1500 صحفي وتقني يشتغلون بهذه القنوات، وهم جيل جديد من الصحفيين ولهم آفاق لممارسة هذه المهنة، ولو بإمكانيات محدودة "كون القوانين الجزائرية لا تسمح باقتناء المعدات المستعملة في السمعي البصري من كاميرات وأجهزة التسجيل"، كما أن غياب النصوص التنظيمية التي تؤطر القنوات الخاصة عرقل نشاطها، منها "النهار تي في" التي استطاعت، يقول المتحدث وفي ظرف قصير، أن تجلب لها المشاهدين، ونحن في الطريق الصحيح، خاصة الآنية في معالجة الأخبار، واعتبار المشاهد الجزائري رأس مال هذه القنوات التي تقدم أيضا إعلاما جواريا، منها قناة النهار التي تعترف بالتقصير والهفوات.


آراء أساتذة الإعلام في هذه القنوات 


أجمع من جهتهم أساتذة بمعهد الإعلام والاتصال لـ"المساء"، على أهمية تجربة السمعي البصري في الجزائر، والتي تضاف إلى تجربة التعددية الإعلامية، موضحين أنها جعلت المشاهد يتحول نحو هذه القنوات المحلية، بعد أن استحوذت عليه الفضائيات العربية والأجنبية لسنوات، غير أن هناك قواعد يجب احترامها، وضوابط يجب أن تراعى.


نادية بعجي أستاذة علوم الإعلام والاتصال: القنوات الخاصة لم تضف الكثير


وفي هذا الصدد، أشارت نادية بعجي، أستاذة الإعلام بمعهد ابن عكنون، أن القنوات الخاصة لم تضف الكثير للإعلام السمعي البصري في الجزائر، حيث ظهرت بمستوى غير مقبول من حيث شكل ومضمون البرامج والحصص المقدمة، "كما أن كل البرامج التي تبث ترفيهية ولا توجد جدية فيما يقدم للمشاهد"، مضيفة أن المنتوج الإعلامي الراقي هو الذي يمس شريحة واسعة من المجتمع، عكس ما هو حاصل اليوم بالنسبة لهذه القنوات التي تهدف فقط إلى الترفيه من أجل الهروب من الواقع، بينما تغيب البرامج الهادفة التي تعالج اهتمامات المشاهد" فالقنوات متنوعة لكن البرامج نفسها، حيث تم التركيز على الكمية على حساب النوعية وفي أغلب الوقت يتم إعادة بث حصص لعدة مرات".


الأستاذة بمعهد الإعلام والاتصال زينب يقوت: القنوات الخاصة في تراجع


من جهتها، أكدت زينب يقوت الأستاذة في الإعلام، أن الانطلاقة كانت لا باس بها عند الشروع في بث برامج القنوات الخاصة، لكن تراجع ذلك في الوقت الحالي، وأصبحت هذه القنوات مثل القنوات الوطنية من حيث المضمون، مضيفة أن المشاهد ينتظر المزيد من هذه القنوات التي أعطت الفرصة للمواطن لنقل انشغالاته، حيث أصبحت هناك منافسة شديدة بين القناة الوطنية والقنوات الخاصة في تقديم الانشغالات، غير أن هذه الأخيرة لا تقترح البديل، بل أصبحت تقول المتحدثة فضاء للتعبير عن الانشغالات المتعلقة بالجانب الاجتماعي دون سواه، وهذا غير كاف في غياب برامج نوعية في هذه القنوات التي أصبحت تبث برامجا مشابهة لبعضها البعض ونسخا طبق الأصل دون تنوع، بينما الفضائيات الأخرى العربية تتميز عن بعضها البعض ببرامج نوعية، مرجعة ذلك إلى فتح مجال السمعي البصري دون وسائل وبرامج مدروسة ومخطط لبناء قناة تلفزيونية، حيث انطلقت كلها ببث تجريبي، ثم استنساخ البرامج من بعضها البعض، رغم مرور ثلاث سنوات على انطلاقها.


الأستاذة بمعهد علوم الإعلام صباح ساكر: حصص تتكرر وإبداع غائب


ترى أستاذة الإعلام صباح ساكر في حديثها لـ"المساء"، أنه عندما فتح المجال للإعلام السمعي البصري الخاص استبشر الجزائريون خيرا، كون هذه الأخيرة تشكل فضاء آخر للتعبير عن الآراء والاستفادة من أخبار متنوعة، كما فتح المجال لصحفيين يحبذون العمل في السمعي البصري، وأعطتهم فرصة لممارسة المهنة، إلا أننا صدمنا-تقول- بعد ثلاث سنوات "لأننا كنا ننتقد بشدة القناة الوطنية بحجة أنها لا تلبي طلبات المشاهدين من حيث برامجها وأخبارها، لكننا اكتشفنا أن لها نوعا من الاحترافية مقارنة بالقنوات الخاصة"، مضيفة أن هذه القنوات لم تقدم برامج هادفة تجعل الشباب يهجر القنوات الأجنبية، خاصة الفرنسية منها، لكنها تقدم برامج لا تخدم الشخصية الوطنية وتطلعات الشباب والمجتمع بصفة عامة، كما أننا لم نلاحظ الإبداع الذي يجب أن يتوفر في السمعي البصري، على الأقل من حيث الشكل واللغة السليمة ولو ببرنامج واحد متميز في كل قناة.

وبصفة عامة -تضيف المتحدثة- القنوات الخاصة  تكرر الحصص التي تقدم بطريقة رديئة، لأن السمعي البصري يتطلب إمكانيات وأموالا كبيرة، وهو الشرط الغائب بالنسبة لأصحاب القنوات الذين يفترض أن يوفروا أموالا كبيرة لفتح قناة تلفزيونية مقابل منتوج إعلامي راق، فلا يجب التفكير بمنطق تجاري عند فتح قناة تلفزيونية بل بمنطق إعلامي وإبداعي، والعكس هو ما يحدث، حيث هناك برامج هزلية يغيب فيها الإبداع، والسبب هو غياب استراتيجية وخطوط عريضة، "فالسمعي البصري لم يفتح بعد ومعظمه لم ينجح بعد في تصدير الثقافة الجزائريةو عكس ما تقوم به القنوات العربية الأخرى".