أصدقاء الثورة

عرفان دائم لإخوة في الكفاح

عرفان دائم لإخوة في الكفاح
  • القراءات: 668
مريم. ن مريم. ن

تظلّ الجزائر حريصة على الاحتفال بأصدقاء ثورتها التحريرية الذين أشهروا مواقفهم الحرّة ورفعوا أصواتهم في شتى المدن والبلاد والقارات مدافعين عن شعب أعزل قرّر افتكاك حريته من أنياب أعتى قوّة استعمارية، كما تظلّ الجزائر وفيّة لهذا العرفان الذي يعكس التمسّك بالتاريخ وبقيم الحرية والعدالة.

تعترف الجزائر بالجميل الذي قدّمه أحرار العالم لثورتها وشعبها، سواء من حيث السند المعنوي أو الدعم المالي، كما تحاول توريث هذا النضال للأجيال الصاعدة، مع الالتزام نحو الذين دافعوا عن مسيرة كفاح هذه القضية العادلة، علما أن الثورة كسبت العديد من دعاة التحرر العالمي من القادة ورجال الفكر والثقافة، الأطباء، الصحافيين والمحاميين وغيرهم. كرّمت الجزائر في العديد من المناسبات أصدقاء الثورة الجزائرية الأحياء منهم والأموات من مختلف دول العالم، كمصر وتونس وليبيا والسعودية وفرنسا وسويسرا وتنزانيا والكونغو وكوبا وهولندا والشيلي وإيطاليا وإسبانيا ودول كثيرة أخرى.

نال الكثير من هؤلاء حقهم من العرفان والتكريم من الدولة الجزائرية وشعبها، كان منهم فرانسيس جاكوب وهو أحد أعضاء هيئة المحامين المدافعين عن جبهة التحرير الوطني وأنريكو ماتيي أحد أبرز أصدقاء الثورة الجزائرية، الذي وقف مع الثورة وحكومتها المؤقتة، مع تسهيل مهمة ممثلي الجبهة بإيطاليا وفتح المجال لها على مصراعيه في النشاط السياسي والدبلوماسي.

هناك أيضا هيلين كينات المناضلة الشرسة التي انضمت لشبكة جونسون (حاملي الحقائب)، وفرانسيس جونسون وهو من مواليد مدينة بوردو الفرنسية سنة 1922 حاصل على شهادة الليسانس في الفلسفة والأستاذية من جامعة السوربون، وزوجته كوليت، الكاتبة والمتخصّصة في علم النفس، الذي فضح في كتاباته فرنسا الاستعمارية وواجهها بالحجة.

كان هناك أبطال آخرون حفرت أسماؤهم في الذاكرة الوطنية منهم أيضا جان بول سارتر وموريس أودان، وهنري علاق، والمحامي المشاكس جاك فرجيس، زيادة على الذين كانوا يجمعون التبرعات لصالح جبهة التحرير الوطني ويحملون الحقائب المليئة بالأموال لإيصالها إلى جبهة التحرير.

لم تتخلّف الصحافة عن مسيرة الثورة حيث نقلت الرعب والتقتيل ومختلف الأحداث، ومن رجالها الذين كرّموا كان بييرو أنجيلا حاليا والصحافي بيرناردو فالّي من إيطاليا نظير مساهمتهما في تغطية ونقل صور وأحداث التظاهرات التي قام بها الشعب الجزائري رفضا للاستعمار وتمسّكا بحقه في الاستقلال، خاصة في 11 ديسمبر عام 1960، علما أنّ الرئيس عبد المجيد تبون، منح وسام استحقاق ولقب أصدقاء الثورة الجزائرية إلى الصحافيين، وهو وسام أنشئ في 30 جوان 1987 يمنح للشخصيات الأجنبية التي قدّمت مساندة مادية ومعنوية فعلية لكفاح التحرير الوطني.

سعت الجزائر لتأسيس جمعية دولية لأصدقاء الثورة الجزائرية، بالإضافة إلى إنجاز معلم تاريخي يخلّد أصدقاء الثورة وتسمية المؤسّسات والأماكن العمومية بأسمائهم وإنشاء بنك معلومات ومنصة إلكترونية توثّق سير ونضال أصدقاء الثورة الجزائرية.

من ضمن ما جاء في كلمة وزير المجاهدين وذوي الحقوق، السيد العيد ربيقة، خلال افتتاح أشغال الجمعية التأسيسية للجمعية الدولية لأصدقاء "أنتم أصدقاء الثورة الجزائرية وأصدقاء الجزائر من نلتم بفضل إخلاصكم لضمائركم وتضحياتكم في سبيل قضيتنا بالأمس كلّ المحبة والامتنان في لحظة كانت ثورتنا في أمسّ الحاجة لكي يستشعر عدالتها ومعاناتها ويقف إلى جانبها.

كما أضاف أنّ الجزائر اليوم لم ولن تنسى فضل هؤلاء ووقوفهم إلى جانب قضيتنا العادلة، لتعبّر عن وفائها واعترافها بجميل صنيعهم، و"أنّ تأسيس جمعية أصدقاء الثورة هي مبادرة قيّمة لاستكمال مسار الوفاء لعهد من وقفوا بجانب ثورتنا المقدّسة وقاسموها آلامها ودموعها ودماءها فكانوا أشقاء وأصدقاء بقلوب ودماء جزائرية، بل جزائريين بالقيم والمبادئ…".

من جهتهم، أجمع الكثير من أصدقاء الثورة على أنّ الثورة التحريرية شكّلت مصدر إلهام للعديد من الشعوب التي عانت من ويلات الاستعمار وأعطت "درسا للعالم في الوحدة والتضامن والالتفاف حول القضايا الوطنية"، وكان فرنسوا لويس قد صرح في إحدى المناسبات بالجزائر على مدى فخره واعتزازه لمساندته للقضية الجزائرية خاصة بعد أن رفض أداء واجب الخدمة العسكرية وفضّل مغادرة الجيش الفرنسي، ليلتحق بالثورة وينضم لجبهة التحرير، وكان حينها لا يتجاوز 19 سنة، لكنّه رأى بشاعة الاستعمار في الجزائر.

كما أشادت السيدة مارغريتا كوكيباكر من هولاندا بتضحيات الشعب الجزائري إبان ثورة التحرير، مؤكّدة أنّها ساهمت شخصيا في دعمه من خلال المساعدات المادية التي كانت تقدّمها رفقة أصدقائها من بعض دول أوروبا وكذا مشاركتها في المظاهرات المندّدة بالاستعمار الفرنسي للجزائر.أما صديق الثورة التونسي لزهر القاسمي الزيدي، فاقتنع بوحدة مصير الشعوب في كفاحها ضدّ الاستعمار، وكيف أنّ احتكاكه بالمناضلين الجزائريين عزّز عنده الوعي بعدالة القضية الجزائرية، كما أنّ قادة الثورة الجزائرية لم يفرّقوا في المعاملة بين الجزائري وغيره، وكان الهدف الوحيد للجميع هو استقلال الوطن بأيّ ثمن. كل هؤلاء رفعوا شعار "الجزائر جزائرية" وشقوا رفقة مناضلين آخرين من جنسيات مختلفة، طريقا للحرية والعدالة.. لتقيد أسماءهم في سجّل التاريخ.

لا يمكن نسيان الزعيمة آني ستاينر التي اختارت الجزائر وانخرطت في صفوف جبهة التحرير الوطني ولم يتعد عمرها العشرين عاما، ليتم توقيفها سنة 1956، وحكم عليها بالسجن 6 مرات، كان أوّلها بسجن "بربروس" وهو السجن الذي اعتقل وعذّب فيه صنّاع ورجالات الثورة الجزائرية، كشهيد المقصلة أحمد زبانة، وآخرون.

وعاشت آني ستاينر الأمرين بسبب مواقفها الثابتة والرافضة لكلّ أشكال الظلم التي كانت تمارس على الشعب الجزائري، كان هناك أيضا موريس أودان، الذي اختطف وعذّب حتى الموت من قبل رجال الجنرال ماسو، وهنري مايو الذي استشهد سنة 1957، بعد عملية قام بها في ثكنة خميس مليانة، وكذا المناضل فرنان ايفتون الذي وضع قنبلة في محطة الغاز بالحامة في العاصمة، وأضحى من رموز الثورة الجزائرية بعد إعدام السلطات الفرنسية له سنة 1956، ولا تزال الجزائر تحتفل بذكرى استشهاده سنويا، ومن العبارات التي قالها الرجل لحظات قبل استشهاده، وتعبّر عن شجاعته وتمسّكه بحرية الوطن "سأموت، لكن الجزائر ستستقل".

وساند بدوره المناضل الفرنسي بيار شولي صاحب كتاب "اختيار الجزائر، صوتان وذاكرة"، الثورة الجزائرية من الناحية الإعلامية، فقد كان من مؤسسي جريدة "المجاهد" لسان حال جبهة التحرير الوطني، واهتم بالجزائر وعبر بالقول في العديد من المناسبات بأن اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 منحه شعورا بالتحرّر، معتبرا أنّ التضامن مع الشعب الجزائري وثورته كان من منطلق الحق في الحرية وتطبيقا لمبدأ المساواة، على اعتبار أن الحرية والمساواة حقان لا يجب أن يسلبا من صاحبهما.

وكذا الحال مع فليكس كويوزي، روبرتو مونيز، وسارج ريجياني وبيار بيري، بالإضافة إلى كاترين صوفاج، جولييت غريكو، فرانسواز ساغان، جورج أرنو وسيمون دي بوفوار وغيرهم من النماذج الحية لمناضلين أجانب شغفهم حب الحرية، فكان لكلّ واحد منهم حكايته ضمن حكايات وحكايات ترجمت صور التلاحم مع أبناء الجزائر، بإيمان كبير بالقضية، ولم تحصد الثورة الجزائرية تعاطف بعض الفرنسيين وحدهم، بل حصلت أيضا على تأييد من أبناء القارة الأمريكية، وهو حال المناضل الأرجنتيني روبرتو مونيز الذي بدأ يدافع عن القضية الجزائرية من موطنه الأصلي، من خلال التجمعات الطلابية التي كان يشرف عليها في الأرجنتين، كما كان يزوّد المجاهدين بالأسلحة، وكان لالتحاقه بجبهة التحرير الوطني دفع كبير في صفوفها، وقام المناضل بأعمال فدائية خاصة بعد التحاقه بالمصنع السرّي لصناعة الأسلحة الذي كان مقره في المغرب حينها.

للتذكير، أشرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في 5 جويلية 2022 على تدشين معلم "أصدقاء الثورة الجزائرية" بساحة رياض الفتح بمناسبة الاحتفالات المخلدة للذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية، ويتمثل هذا المعلم التذكاري في جدارية تحمل أسماء أصدقاء الثورة التحريرية المجيدة من الأجانب، مرصعة بعبارة "أصدقاء الثورة: إخوة في الكفاح، عرفان دائم".