واقع تسيير السكنات الجماعية

عدم تطبيق القانون وراء الفوضى

عدم تطبيق القانون وراء الفوضى
  • القراءات: 3115
رشيد.ك رشيد.ك

صارت الوضعية المتدهورة لحظيرة السكنات الجماعية المتنازل عنها لفائدة الشاغلين، من بين الأسباب التي تساهم في تخلي المواطن عن واجباته تجاه المحافظة على الأملاك العمومية، حماية البيئة والتحلي بالحسّ المدني، ومما زاد في تكريس هذه "الظاهرة غير الصحية"، عدم تطبيق القوانين التي بقيت حبرا على ورق، والأمر هنا يتعلق بقانون 83/666 الخاص بتسيير العقارات السكنية المملوكة لأصحابها، خاصة أجزاءها المشتركة، والذي يفترض أن تطبقه السلطات المحلية.. ومادامت الوصاية لم تفرض ذلك على المجالس البلدية، فإن لا أحد ينتبه أو يهتم بذلك، خاصة إذا علمنا أنه لا يوجد تطبيق للقانون الذي يفرض على رئيس البلدية التدخل لتعيين مسيرين أو متصرفين بالعمارات المملوكة.

ولأنه لا يوجد تنسيق بين وزارتي السكن والداخلية، فيما يخص التكفل بتسيير الأجزاء المشتركة، فإن دواوين الترقية والتسيير العقاري التي تتكفل بتسيير العقار المؤجَّر للشاغلين لا تستطيع التدخل لفرض ذلك، كون العقارات آلت لأصحابها، لكن مسؤوليها يعترفون بأن هذه العقارات زادت تدهورا، لأنه لا يوجد شخص معنوي أوطبيعي يتكفل بالحفاظ عليها، ولا ينبهون السلطات المحلية بضرورة ذلك.  

وفي هذا الملف، عرّجت "المساء" على وضعية السكنات الاجتماعية وكذا سكنات البيع بالإيجار، ومقارنة طريقة تسيير الأجزاء المشتركة بها، لنجد أنه حتى عند وجود مسيّر لها، فإن العديد من المواطنين الشاغلين لا يحترمون قوانين السكن الجماعي الذي له خصوصياته.

الوكالة العقارية لولاية الجزائر  ...التحسيس ضروري والتغريم  هو الحل 

لا تختلف وضعية تسيير الأجزاء المشتركة بالسكنات التابعة للوكالة العقارية لولاية الجزائر عن غيرها. وحسب مساعد المدير العام لهذه الوكالة السيد عبد الحكيم قادري الذي تأسف لعدم اهتمام الشاغلين بعماراتهم، مرجعا ذلك إلى غياب تطبيق سلطة القانون، رغم وجود هيئات تسيّر هذه الأملاك التي تحول جزء كبير من ملكيته إلى شاغليه.

وذكر لنا المصدر أن الوكالة التي تسيّر إلى حد الآن 6171 عقارا بين سكنات ومحلات تجارية، تجد صعوبة في تسيير الأجزاء المشتركة بالخصوص، وهو ما يفرض إعادة تنصيب رئيس أو مسيّر العمارة «السانديك»، هذه المهمة المنسية التي تنبّه إليها والي العاصمة الحالي، وأعطى تعليمات بشأنها لـ«الأميار» كي يقوموا بتنصيب المسيّرين، وقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حينما أمر بنزع الهوائيات المقعرة من الشرفات والواجهات، واقتراح نصب هوائي جماعي لكل سكان العمارة، حفاظا على الجانب الجمالي للعمارة، إضافة إلى اقتراح استغلال الأقبية الموجودة بالعمارات لتحويلها إلى مغاسل للألبسة.

وكشف المصدر أن الوكالة العقارية لولاية الجزائر التي قامت بتشييد 4879 سكنا، لا تسيّر اليوم إلا 2749 مسكنا، لأن 2130 مسكنا تحولت ملكيتها لشاغليها، وأن الشاغلين في العموم لا يحافظون على أي شيء، فمثلا 90 بالمائة من صناديق الرسائل خربت ونزعت، والمساحات الخضراء أتلفت كما غابت النظافة، ولكي نعيد الوجه اللائق للعاصمة، يتعين إعادة دور مسيّر العمارة الذي يبلّغ عن كل المخالفات ويسهر على تسيير الأجزاء المشتركة.  

وتأسّف محدثنا قائلا: «من غير اللائق أن تنفق الدولة الأموال الطائلة على بناء أحياء سكنية متكاملة، ولا يوجد من يفرض على الشاغلين احترام الأجزاء المشتركة، خاصة المساحات الخضراء» وفي هذا السياق، أكد السيد قادري أن هناك أحياء سكنية شيّدتها الوكالة العقارية وأنفقت على المساحات الخضراء الموجودة بين العمارات أزيد من 700 مليون سنتيم، لكنها لم تصمد طويلا، ولم تجد من يعتني بها، لتتحول إلى أراضي بور تحفها النفايات من كل جانب.

ولحل مشكل التسيب والتخريب، يرى محدثنا أنه يستوجب تطبيق قانون التغريم، حيث يتم إدماج مبلغ الغرامة في فاتورة الإيجار وما تتضمنه من أعباء مشتركة، ليحسّ المواطن أولا بمخالفته، وثانيا بالقيمة التي سيدفعها والتي ستذهب لتعويض وإصلاح ما تم إفساده.. وللصحافة في هذا الجانب دور محوري في التحسيس والتوعية، منتقدا غياب التحسيس من طرف مسيري السكنات الجماعية، وترك الحبل على الغارب، والأدهى من ذلك عدم تحمل المجالس البلدية مسؤوليتها، على الأقل من ناحية تنصيب مسيري العمارات.

"المير" نجح في تنصيب أكثر من 540 مسيّر عمارة ... بلدية الجزائر الوسطى نموذج يحتذى به 

صنعت بلدية الجزائر الوسطى بولاية الجزائر الاستثناء، بكونها تعد البلدية النموذجية في السهر على تشجيع سكان العمارات على تعيين مسيّري العمارات، وهو ما أكده لنا رئيس البلدية السيد حكيم بطاش، الذي يبدو أنه "شذ عن القاعدة" وتمكّن من تنصيب أزيد من 540 مسيّر عمارة، يتكفلون بحماية الأجزاء المشتركة بالعمارات ويسهرون على توفير مختلف الخدمات.

وذكر لنا رئيس بلدية الجزائر الوسطى السيد عبد الحكيم بطاش أن العمارات المملوكة لأصحابها، لا يمكن أن تبقى “سائبة” بدون تسيير، وأن وضعيتها المتدهورة هي التي جعلت الولاية تخصص مبالغ ضخمة لترميم الواجهات، الأسطح، السلالم والأقبية،  تنفيذا لتوجيهات والي العاصمة السيد عبد القادر زوخ المتعلقة بتزيين العاصمة وإعادة الاعتبار للمباني القديمة بالخصوص وإبعاد كل المخاطر التي تزيد في هشاشة العمارات.

واعتبر محدثنا بقاء العمارات المملوكة بدون صيانة أو تسيير أمرا غير مريح، ويزيد من تردي وضعية الأجزاء المشتركة، ويساهم في تنصل الشاغلين من تحمّل المسؤولية تجاه حماية أملاكهم، مضيفا أن تنصيب عدد هائل من مسيري العمارات يعد في حد ذاته مكسبا للبلدية كونها تستطيع الاتصال بمواطنيها عن طريق هؤلاء المسيرين، وتعرف عن كثب انشغالات السكان ومشاكلهم اليومية، لتحديد المشاريع والبرامج للاستجابة لتطلعاتهم.

وبدا "مير" الجزائر الوسطى مرتاحا وفخورا لتمكنه من تنصيب هذا العدد الهائل من مسؤولي العمارات، وربما ستكون بلديته الأولى وطنيا في القيام بهذه المهمة التي فرضها قانون تسيير الأجزاء المشتركة بالسكنات الجماعية، رقم 666/83، وأعطى الصلاحيات والقوة القانونية لرؤساء البلديات كي يقوموا بمهمة تنصيب المسيّرين، لكن بالنظر إلى تساهل السلطات الوصية وعدم الاهتمام بهذا الجانب، فإن "الأميار" لا يقومون بهذا الواجب، كون الوصاية (وزارة الداخلية والجماعات المحلية) لم تلزم رؤساء البلدية بذلك، مما ساهم في تردى الأجزاء المشتركة للسكنات الجماعية من تلوث المحيط وتنصل المواطنين الشاغلين للعمارات، خاصة أمام غياب لجان وجمعيات الأحياء التي تعد شريكا للبلديات في تسيير الشأن المحلي. 

ويعد مسيّر العمارة الشخص الإداري الذي يرفع الانشغالات لمصالح البلدية وغيرها، ويراسل مختلف الهيئات والمؤسسات التي لها صلة بحياة الشاغلين للعمارة، مثلما أكده لنا السيد مصطفى مسير العمارة رقم 47 بشارع العربي بن مهيدي، بلدية الجزائر الوسطى، الذي ذكر لنا أنه تحمّل عبء هذه المهمة عن طيب خاطر، وأن عدة مهام تنتظره لحل مشكل الأجزاء المشتركة وخاصة ما تعلّق بالمصعد الكهربائي الذي تكفلت ولاية الجزائر بإصلاحه في إطار برنامج تزيين العاصمة، لكنه لا يزال معطلا بسبب خلاف بين المؤسسة التي أصلحت المصعد والمقاولة التي يعود إليها المشروع بالمناولة.