القطاع المنجمي بخطوات عملاقة

طاقة متجددة.. مشاريع استراتيجية لبلوغ الأمن الطاقوي

طاقة متجددة.. مشاريع استراتيجية لبلوغ الأمن الطاقوي
  • القراءات: 1090
زولا سومر زولا سومر

مشروع غارا جبيلات عملاق نائم يدخل مرحلة التجسيد الفعلي

أميزور عملاق الزنك والرصاص الذي يعول عليه لتنويع الاقتصاد

10 اكتشافات للغاز والبترول في السداسي الأول لـ2023

الجزائر ستعد لتكون فاعلا أساسيا في مجال الهيدروجين الأخضر

تميزت سنة 2023 بإطلاق برامج اقتصادية ضخمة تعول عليها الجزائر للدفع بعجلة النمو والتقليل من فاتورة الاستيراد وربح حصص جديدة في السوق الدولية، من خلال المراهنة على التوجه نحو التصدير خاصة في المجال المنجمي، حيث بدأ هذا المسعى يتجسد من خلال إرادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في الدفع بعجلة تطوير القطاع المنجمي نحو فضاء عالمي رحب، ناهيك عن مشاريع أخرى لا تقل أهمية في مجال ضمان الأمن الطاقوي من خلال توسيع اكتشفات الغاز والبترول والتوجه نحو الطاقات المتجددة التي وضعت ضمن أولويات رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى تسجيل مشاريع أخرى في المجال الصناعي منها إنجاز مصنع لسيارات "فيات" الإيطالية الذي سيدشن خلال أيام بولاية وهران.

تمر 4 سنوات على تولي رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، رئاسة الجمهورية، وهي مدة بدأت تتجسد فيها الالتزامات التي وعد بها خلال حملته الانتخابية في عدة مجالات، أهمها الدفع بعجلة التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال تشجيع الانتاج واستغلال الامكانيات والثروات المتوفرة.

ولعل أهم هذه الالتزامات اعطاء الأولوية للقطاع المنجمي الذي يمكنه أن يحقق عائدات كبيرة للاقتصاد الوطني، حيث وضع رئيس الجمهورية حجر الأساس لمشروع مصنع المعالجة الأولية لخام الحديد المستخرج من منجم غارا جبيلات، خلال زيارة تعد الأولى من نوعها لرئيس جزائري إلى هذا المنجم الذي ظل استغلاله معلقا بالنظر لتضاريس المنطقة الوعرة ونوعية خام الحديد الذي يتطلب معالجة خاصة وعدم توفر الارادة السياسية.

وحمل رئيس الجمهورية إلى ولاية تندوف حزمة من المشاريع الاستراتيجية التي ستحول الولاية إلى قطب صناعي ويدفع بعجلة التنمية في هذه الولاية والولايات المجاورة لها، وذلك من خلال إنجاز "مدينة منجمية"، والانطلاق الفوري في إنجاز مركب الصلب بولاية بشار المحاذية، ووضعه لحجر الأساس لمشروع إنجاز خط السكة الحديدية بشار- تندوف- غار جبيلات على مسافة 950 كلم، حيث شدد الرئيس تبون على ضرورة احترام آجال إنجاز هذا المشروع الضخم المحددة بـ30 شهرا.

وبفضل هذا المنجم ستصبح ولاية تندوف "قطبا صناعيا حقيقيا" باعتبار أن منجم غارا جبيلات وخط السكة الحديدية من المشاريع الحيوية التي من شأنها المساهمة في القضاء على البطالة وتوفير مناصب الشغل لفائدة شباب المنطقة.

ويرتقب أن يكتمل مشروع سكة الحديد سنة 2026، بحيث سيسمح بالانتقال من استغلال 3 ملايين إلى 50 مليون طن سنويا من خام الحديد، مما سيسمح بإنتاج 12 مليون طن من الحديد. ومن المنتظر أن يتم في بداية استغلال المنجم استخراج 2 إلى 3 مليون طن من خام الحديد، ونقله برا في انتظار إنجاز خط السكة الحديدية، والوصول بالخامات إلى غاية وهران حيث توجد مصانع وموانئ للتصدير.

ويكمن الرهان الأول بالنسبة للجزائر من وراء استغلال منجم غار جبيلات، في توفير المادة الأولية لخام الحديد الذي تستورده سنويا بنحو مليار دولار، علما أن المنجم يتوفر على احتياطي يصل إلى 3.5 مليار طن من خام الحديد، حيث يشكل منجم غارا جبيلات أحد أبرز معالم سياسة التحول العميق للجزائر في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، فبعد أن كان بمثابة حديث الجميع دون أن يرى النور، ها هو غار جبيلات هذا المنجم الذي تشكل منذ قرون والذي تطلب العديد من الأعمال البحثية، حلم يتحقق أخيرا.

أميزور عملاق الزنك والرصاص لتنويع الاقتصاد

من أبرز معالم التحول الاقتصادي التي تراهن عليها "الجزائر الجديدة" هي إطلاق مشروع إنجاز منجم الزنك والرصاص "تالة حمزة- واد أميزور" ببجاية الذي يعد من أكبر الاحتياطات العالمية لهاتين المادتين الاستراتيجيتين، اذ سيساهم استغلاله في دفع أكبر لعجلة النمو الاقتصادي، حيث عرف المشروع وضع آليات وإصلاحات ترمي إلى تشجيع البحث والتنقيب والاستغلال وترقية المؤسسات المرتبطة بالصناعة المنجمية من أجل تنمية قطاع الصناعات الاستخراجية.

ويمتد المنجم على مساحة قدرها 234 هكتارا مع احتياطات تقدر بـ34 مليون طن لإنتاج سنوي قدره 169 ألف طنا من مكثف الزنك و30 ألف طنا من الرصاص، كما سيعود بواقع ايجابي على الشغل اذ من المنتظر أن يوفر 700 منصب عمل مباشر و4 آلاف منصب عمل غير مباشر والمساهمة في تنمية ولاية بجاية.

ويأتي المنجم في ظل تنامي الطلب العالمي على المعادن والمنتوجات المتعلقة بها في العديد من المجالات الصناعية، وهو ما حد من وفرتها وأدى الى ندرة البعض منها، ما جعل من الحصول على هذه المعادن رهانا مباشرا في الأسواق الدولية، سيمكن الجزائر من التقليل من وارداتها ورفع حصصها في الأسواق العالمية بتنويع صادراتها.

وكان رئيس الجمهورية قد أمر منتصف شهر ماي الماضي خلال اجتماع مجلس الوزراء، بتسريع وتيرة انجاز مشروع استغلال منجم الزنك والرصاص بواد أميزور، مذكرا بالأهمية الاقتصادية البالغة للمشروع، حيث أسدى تعليمات لتقليص كل الآجال المتعلقة بالورشات التقنية الفرعية لتسريع دخول المشروع قيد الاستغلال خاصة وأنه كان قد تجاوز مرحلة التسويات الإدارية، كما أمر باعتماد نظام الفرق في العمل وذلك على مدار 24 ساعة لتحقيق تقدم الأشغال لما له من أثر إيجابي على المستوى الوطني.

10 اكتشافات جديدة للغاز والبترول 

بالمقابل، عرفت سنة 2023 انجازات هامة في مجال الطاقة، في إطار نظرة شاملة لضمان الأمن الطاقوي حيث سجل السداسي الأول للسنة 10 اكتشافات جديدة لحقول الغاز والبترول، كما عرف السداسي الأول من السنة الجارية توقيع اتفاق مع تحالف بريطاني- صيني لإنشاء مجمع للبتروكيماويات في مدينة وهران بقيمة 1.5 مليار دولار، فضلا عن توقيع عقد مع مجموعة توتال إنرجيز الفرنسية، لتطوير حقلين غازيين جنوب شرقي البلاد، بقيمة إجمالية تصل الى 739 مليون دولار ومذكرة تفاهم في مجال الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، اضافة إلى مباشرة سوناطراك لاستثمارات بحوالي مليار دولار مع "غاز بروم" الروسية.

وبالموازاة مع ذلك، سجلت 2023 تنامي العلاقات مع شركات من بلدان مختلفة مثل فيتنام والصين وأذربيجان وبلدان من أمريكا اللاتينية، اضافة الى استراليا، التي يؤكد مسؤولوها في كل لقاء مع وزير الطاقة والمناجم اهتمامهم البالغ بتطوير شراكات في القطاع، إضافة إلى السعي للتواجد في السوق الافريقية الواعدة جدا في المجال الطاقوي، كما شهدت 2023 عودة شركة سوناطراك للنشاط في ليبيا في نوفمبر الماضي.

في سياق توجه عالمي والسباق نحو الطاقات النظيفة والمتجددة، تخوض الجزائر تحديات التحول الطاقوي، بأبعاد اقتصادية، بيئية، سياسية، واجتماعية، حيث يبرز التوجه الاستراتيجي الجديد للجزائر، من خلال هذا الملف الذي بات يحظى بالأولية واهمية بالغة، الذي كان له قسط وافر من التزامات رئيس الجمهورية الـ54 التي رفعها من أجل إحداث تغيير شامل وحقيقي يسمح بتقويم وطني وإعطاء انطلاقة جديدة للبلاد.

ودخلت الجزائر اليوم تحدي كسب رهان الأمن الطاقوي من خلال توظيف الطاقات المتجددة كبديل للثروة النفطية، خاصة وأن العالم  يشهد تحولا استراتيجيا في مجال الطاقة وتنويع الصادرات ضمن استراتيجيات الطاقات المتجددة.

وتشهد الطاقات المتجددة بالجزائر، تطورا كبيرا حيث ارتفع الحجم العام للإنتاج إلى 589.7 ميغاواط، منها 460.8 ميغاواط خارج الطاقة الكهرومائية التي تشمل 422.6 ميغاواط متصلة بالشبكة و 38.2 ميغاواط خارج الشبكة، حيث تحرص محافظ الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقوية على توفير متطلبات بيئة أعمال جذابة لتطوير منظومة الطاقات المتجددة.

4 مشاريع كبرى لإنتاج الهيدروجين الأخضر 

ويستحوذ ملف إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر في الجزائر على اهتمامات المسؤولين والرأي العام بمختلف اتجاهاته، وبهذا تراهن الجزائر على أن تكون فاعلًا أساسيا في مجال الهيدروجين الأخضر، والقيام بدور رئيسي في مسار تحول الطاقة خلال السنوات المقبلة، خاصة وأنها تمتلك إمكانات شمسية هائلة، وشبكة كهربائية واسعة، ومساحة كبيرة، وبنى تحتية وطنية ودولية لنقل الغاز الطبيعي.

وتستعد الجزائر لإطلاق 4 مشاريع لإنتاج الهيدروجين الأخضر قبل نهاية العام المقبل 2024، وذلك بعد دراستها من جانب الجامعات والمراكز البحثية، علما أن مشروعين من هذه المشاريع من المتوقع إطلاقهما هذه الأيام، بينما من المنتظر إطلاق الباقية المتبقية خلال العام المقبل 2024، إلى جانب تطوير 3 مشاريع لإنتاج الهيدروجين الأخضر ستطَور من خلال سوناطراك، بينما من المنتظر تجسيد وتنفيذ المشروع الرابع ضمن شراكة مع شركات ألمانية، وتهدف شركة سوناطراك من خلال هذه المشاريع إلى إدخال استعمال الهيدروجين الأخضر في تشغيل توربينات الغاز، وكذلك اختباره في النقل عبر الأنابيب، وفي الروابط المستقبلية بين الجزائر وأوروبا.

وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد أكد على إمكانية أن تكون الجزائر فاعلا أساسيا في مجال الهيدروجين الأخضر والقيام بدور رئيس في مسار تحول الطاقة خلال السنوات المقبلة، مشيرا إلى أن الأفضلية التي تصبو إليها الجزائر في مسار التحول الطاقوي خلال السنوات المقبلة تكمن أيضا في إمكان انخراطها بأكثر الحلول المناخية نجاعة، وهو الهيدروجين.

ومن بين المشاريع الواعدة في مجال الطاقات المتجددة التي أطلقتها الجزائر، مشروع سولار 1000 ميغاواط الذي يهدف إلى تحقيق المزيد من الإنتاج، وتطوير استغلال الطاقات المتجددة، وخاصة منها الشمسية، حيث عملت الجزائر على إطلاق مناقصات وطنية ودولية مؤخرا بهدف إنجاز مشاريع ضخمة تصب في هذا الاتجاه، ومنها هذا المشروع الذي يتضمن تأسيس مجموعة من الشركات، تتولى تنفيذ محطات شمسية كهروضوئية بقدرة إجمالية 1000 ميغاواط، توزع على 5 ولايات جنوبية، تكون حصة كل ولاية بين 50 و300 ميغاواط، حيث تم تحديد الولايات الخمس التي ستشهد محطات المشروع، وهي ورقلة، بشار، الوادي، تقرت، والأغواط.

وكشف تقرير لمرصد الطاقة العالمي، أن الجزائر من بين الدول العربية التي رفعت قدراتها في مجال الطاقات المتجددة بنسبة تقارب 50 بالمائة، لتصل إلى 20 ميغاواط بين عامي 2022 و2023.

وأضاف التقرير بأن الجزائر التي ظلت تعتمد بشكل شبه كامل على النفط والغاز، تمكنت مؤخرا من تحقيق قدرة تشغيلية للطاقة النظيفة فاقت الـ10 ميغاواط، وقامت شركة سونلغاز، مؤخرا، بإطلاق مناقصة لمشروع سولار 1000 وتم فتح أظرفة العروض من قبل اللجنة المكلفة بهذه المهمة، علما أن المناقصة كانت قد أثارت اهتمام 139 مؤسسة قامت بسحب دفتر الشروط، من بينها 36 مؤسسة جزائرية و103 مؤسسة أجنبية يمثلون 26 جنسية ومؤسسة واحدة مختلطة جزائرية أجنبية.

ومن المنتظر أن ينطلق المشروع مطلع عام 2024، لإنتاج نحو ألفي ميغاواط من الكهرباء منتصف سنة 2025. بكلفة إجمالية تصل 171.7 مليار دينار أي ما يعادل 1.175 مليار دولار.

ويهدف المشروع إلى توليد 15 ألف ميغاواط من الكهرباء النظيفة بحلول عام 2035 على أن يتم إنتاج أكثر من 600 ميغاواط قبل نهاية 2024، مع الانتقال إلى إنتاج ما يقارب الألفي ميغاواط، بحلول منتصف عام 2025.

وتم خلال شهر جويلية الماضي اطلاق المناقصة الخاصة بمشروع 2000 ميغاواط من الطاقة الشمسية الذي يتمثل في انجاز 15 محطة شمسية كهروضوئية عبر 12 ولاية بقدرة تتراوح بين 80 و220 ميغاواط، ومن المرتقب اطلاق مناقصة أخرى تتعلق بمشروع إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية قريبا.

انفراج في سوق السيارات 

كما عرفت سنة 2023 عودة استيراد السيارات ووضع حجر الأساس لمصنع "فيات" بوهران الذي من المنتظر أن تخرج أول سيارة منه هذه الأيام من نوع "فيات 500"، في انتظار انتاج أربعة نماذج أخرى في غضون 2026، وسيكون دخول مصنع فيات مرحلة الإنتاج الأسبوع المقبل كما تم الاعلان عنه بطاقة إنتاج أولية تقدر بـ30 ألف سيارة سنويا، لترتفع لاحقا إلى 60 ألف ثم 90 ألف في مرحلة ثانية من تطوير هذا المشروع.

فبعد أربع سنوات من الندرة التي شهدها السيارات الجديدة وغلق مصانع "نفخ العجلات"، بدأت أزمة السيارات تعرف طريقها نحو الحل تدريجيا، حيث شرع في استيراد سيارات "فيات" في مارس الماضي، تلتها فيما بعد علامات أخرى مثل "شيري" و«أوبل" مؤخرا، في انتظار دخول باقي العلامات.