مختصون يدعون إلى الالتزام بالأخلاق المهنية

صحفيو الفايسبوك بين الاحتراف والانحراف

صحفيو الفايسبوك بين الاحتراف والانحراف
  • القراءات: 1228
 جميلة. أ جميلة. أ

 تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، خبر مرض الفنان والمغني المعروف عبد المجيد مسكود، الذي يكون قدر تعرّض لوعكة صحية أدخلته المستشفى.. ساعات بعدها أعيد نقل الخبر على أساس أن الفنان قد انتقل إلى جوار ربه، وبسرعة البرق انتقل الخبر من الشبكة العنكبوتية إلى خبر عاجل عبر القنوات الفضائية وعبر صفحات الجرائد، ليتم تكذيبه من قبل المعني لاحقا.. الحادثة تكررت في العديد من المسائل ومع العديد من الأسماء والشخصيات التي ماتت وعادت لتحيا من جديد أو أسماء أقيلت أو عُيّنت.. على يد محررين وإعلاميين جانبوا المهنية ووقعوا في فخ الانحراف بعد أن فشلوا في تقصّي الخبر والتأكد منه بما تمليه المهنية الإعلامية، مكتفين بتناول وتبنّي كل ما تمليه صفحات التواصل من معلومات صحيحة أو خاطئة حتى وقعوا ضحايا "الفايسبوك"، الذي أوقع الإعلاميين في فخ "الانحراف" في وقت يستغله غيرهم لبلوغ مستويات عالية من "الاحتراف".

 لا يختلف اثنان في أن وسائل التواصل الاجتماعي ألغت المسافات وقصّرت الزمن إلى أقصى درجة، ومكنت كل مستعمليه ومرتاديه من لعب دور الإعلامي والصحفي وإن لم يكن متخصصا متكونا في المجال، فالصورة والخبر لا يستغرقان سوى بعض التقنيات البسيطة والسريعة الموجودة في متناول الجميع، والتي سوّت بين الصحفي الحقيقي والهاوي، بل دحرجت الإعلامي الحقيقي المتمرس والمتكون إلى مصاف الهواة، وأكثر من ذلك إلى الانحراف. تشير الأرقام إلى أن أزيد من مليار و400 مليون شخص عبر العالم يستخدمون هواتف ذكية لأزيد من ست ساعات في اليوم، ويتلقون من خلالها كما هائلا من المعلومات التي اتخذت من التكنولوجيا الرقمية المتنقلة رافدا لها، وذلك ضمن توجه جديد للمشهد الإعلامي الذي يتجه إلى الاستعانة بشكل أساس بالتكنولوجيات الحديثة التي توفرها الهواتف الذكية، التي سيعرف الاستثمار فيها ارتفاعا سيتجاوز حدود 65 مليار دولار سنة 2017.. أرقام تعكس الأهمية التي يشكلها قطاع الاتصالات، والتحدي الذي يواجه وسائل الإعلام، المطالَبة اليوم بالتأقلم والتكيف بالتكنولوجيا الجديدة، التي خلقت إعلاما جديدا لا يعترف إلا بالرقمنة والسرعة والدقة..

في الجزائر يُحرم ما يزيد عن 8 ملايين مشترك في الجيل الثالث، من سرعة المعلومة الصحفية التي أدار أهلها ظهورهم للتكنولوجيا، مكتفين باستغلال هذه الأخيرة في إشباع نهمهم وتقاسم معلومات قد تكون خاطئة في الأساس.. والأدهى أنهم لا يكلفون أنفسهم حتى عناء التأكد منها، فتراهم ينقلون وبسذاجة عالية، المعلومة كما وردت على الفايسبوك، ظانين أنهم حققوا سبقا أو انفرادا منقطع النظير، واضعين على طرف، كل معايير وقواعد الإعلام المرتكزة أوّلا على صحة الخبر. 

الخبير في الإعلام كمال منصاري: أخطاء ومغالطات.. الطريق نحو الانحراف 

الخبير والمختص في الإعلام السيد كمال منصاري يرى أن الصحفي غالبا ما يقع في مغالطات داخل شبكات التواصل الاجتماعي، فتراه يفتح حسابا خاصا ويستعمله في تحرير وتمرير رسائل لمحاربة النظام مثلا أو الدخول في سجالات سياسية، في حين وجب أن يكون دوره حياديا حتى لا يقع في فخ المخالطات التي تؤدي به إلى الانحراف عن القيم والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها مهنة الصحافة والإعلام. ويضيف المتحدث أن الصحفي الناشط والمتواصل باستمرار بالشبكات الاجتماعية، مطالَب بالتأكد من المعلومة التي يقع عليها أو ترده عبر الفايسبوك أو باقي الشبكات. كمال منصاري وفي اتصال هاتفي بـ "المساء"، ضرب مثلا بأحداث الربيع العربي التي جرّت المئات من الصحفيين إلى ساحة المعركة ليصبحوا جزءا من الصراع ومحركا افتراضيا، مستغلين الوسائل التكنولوجية الحديثة وشبكات التواصل، ليقحموا أنفسهم من خلال تمرير وتقاسم صور ومشاهد وفديوهات وحتى أخبار غير مؤكدة، سرعان ما تكتسي صفة المصداقية، وتتحول إلى خبر أكيد؛ لأن من تداوله يُفترض أن تتوفر فيه صفة المصداقية وهو الصحفي الذي غالبا ما يتقصى الصدق في أخباره قبل بثها.

 المتحدث الذي نشّط العديد من الدورات التكوينية المتعلقة باستعمال تكنولوجيات الاتصال الجديدة، لفت انتباه الإعلاميين والصحفيين إلى أهم المميزات الإيجابية الأخرى لتكنولوجيات التواصل الحديثة، التي يمكن الاستفادة منها لدى استعمالاتنا اليومية، مشيرا إلى أن الصحفي هو من أكثر الفئات حظا في الاستفادة من تكنولوجيات الهاتف النقال وتطبيقاته التي تسهل من أداء مهامه، التي تتنوع بين الكتابة والصورة والصوت وكذا الفيديو.الصحفي والمستشار السيد كمال منصاري فتح أعين الصحفيين على إمكانية بلوغ مستوى الاحترافية من خلال الاستعمال الجيد للتكنولوجيات الحديثة، مشيرا إلى أهم التسهيلات التي يقدمها الهاتف الذكي في مجالات تخصصاتهم المهنية المتعددة، مشيرا إلى أن الإعلاميين الجزائريين وعلى عكس نظرائهم بالدول العربية والأجنبية، لا يستغلون هواتفهم الذكية ومختلف التطبيقات المعروضة لتسهيل مهنتهم والتقرب أكثر من المواطن والمتلقي على الرغم من أن أغلب التطبيقات والحلول المعروضة على النت هي في الغالب مجانية.

 الإعلام الجزائري يدير ظهره للتكنولوجيا 

 ويضيف أن المشهد الإعلامي الجزائري لايزال مثقلا بالوسائل والأفكار الكلاسيكية التي تجاوزها الزمن وتخلت عنها مختلف المؤسسات عبر العالم، بل ظل حبيس الوسائل والإمكانيات التقليدية سواء تعلّق الأمر بالصحافة الورقية المكتوبة أو حتى المرئية والمسموعة باستثناء عدد قليل جدا ممن يسعون لمواكبة التكنولوجيا، وذلك رغم ما يعرفه قطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال من تطور في بلادنا.

 الدكتور صادق الحمامي (مدير المركز الإفريقي لتدريب الصحفيين): الميديا الاجتماعية أثرت على الصحافة

الدكتور الصادق الحمامي مدير المركز الإفريقي لتدريب الصحفيين والاتصاليين وأستاذ محاضر بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، تطرق في حديثه إلينا لموضوع الصحافة في عصر الميديا الاجتماعية، مبرزا أهم نتائجها على الأداء الصحفي وكيف أنها غيرت علاقة الصحافة بالأخبار، علما أن الخبير كان قد زار الجزائر التي نشط بها دورة تكوينية حول الميديا الاجتماعية، وذلك نزولا عند دعوة وزارة الاتصال التي يرافع وزيرها على بلوغ الاحترافية في وقت طغت الممارسات المنحرفة التي تشوّه مكانة الإعلام. 

الحمامي يؤكد تأثير الميديا الاجتماعية على الدور التقليدي للصحفي، حيث أصبحت إحدى وسائط تقاسم الأخبار والتوصية بها، إذ تتم المعالجة الاجتماعية للمعلومة قبل إعادة نشرها على التويتر أو مشاركتها عبر الفايسبوك أو غوغل ومشاركة (إعادة نشر) مضامين الميديا نحو الأصدقاء والعائلة والمعارف وإدراج وصلات نحو مضامين الميديا؛ حتى أضحى الناس يستعملون شبكاتهم الفردية كوسيلة لانتقاء الأخبار بدل الاعتماد على التقييمات المهنية للميديا أو الصحفيين. وعليه لم ينكر الخبير نتائج الميديا الجديدة على الصحافة، من خلال دمجها في قاعات الأخبار؛ مما ساهم في تغيير الممارسة الصحفية نحو الإيجاب من خلال تراجع التكنولوجيا المكتبية والتسارع نحو المنصات الاجتماعية والمحمولة، وهو ما أعطى، حسب المتحدث، بعدا احترافيا للأداء الصحفي، الذي يتفاعل، يتقاسم الأخبار، يناقشها.. 

وقد أدركت كبرى المؤسسات الإعلامية أهمية المنصات الاجتماعية لبلوغ الاحتراف، ومنه ضمان نفاذ إلى الجمهور وخاصّة على جمهور الشباب، ومن هذا المنطلق بدأ فايسبوك منذ عام 2015 في تطوير حلول تكنولوجية لنشر تقارير وفيديوهات كاملة بدل الاكتفاء بنشر وصلات نحو المواقع. وبدأت التجربة مع أيفون منذ نهاية العام الماضي بتوفير حلول لتحميل سريع للتقارير والمضامين من فيديوهات ونصوص وصور على الهواتف الذكية.. وقد نجحت مؤسسات معروفة على غرار النيويورك تايمز في استعمال تطبيقات التراسل "واتساب" في تغطياتها الميدانية، فيما تعد البي بي سي من أكثر مؤسسات الميديا ابتكارا في هذا المجال؛ حيث استخدمت الواتسب بشكل واسع للتواصل والتفاعل مع جمهورها.

 المختص عاد بنا إلى نتائج دراسة حديثة أنجزها الاتحاد الأوروبي حول استخدامات الصحفيين للميديا الاجتماعية، حيث تؤكد أن الصحفيين الأوروبيين يستخدمون الفايسبوك والتويتر بشكل واسع. كما تم الوقوف على إشكالية التداخل بسبب الميديا الاجتماعية بين الحياة الخاصة والحياة المهنية.. غير أن هذه الوسائط ساهمت - تقول الدراسة - في البحث عن البيانات وعن معلومات مخصوصة، الاستكشاف، الاطلاع على اتجاهات الناس ورصد الاهتمامات العامة وكذا السرعة والفورية في النفاذ إلى المصادر وفي الحصول على المعلومات والبيانات يصعب الحصول عليها بالطرق التقليدية وفي التواصل مع الناس. غير أن هذه الإيجابيات لا تخلو من نقاط سلبية متعددة قد ترهن احترافية الصحفي ومختلف وسائل الاعلام، أبرزها الحصول على معلومات غير خاضعة للرقابة، وبطريقة مباشرة غالبا ما تكون معلومات غير صحيحة وغير موثوق فيها، وهو ما يرهن نزاهة ومصداقية وأصالة المعلومات كما يضر بمكانة الصحفي وبسمعته، خاصة ذلك الذي يعبّر عن مواقفه الخاصة بانخراطه في نقاشات لا يمكن أن يكون فيها الصحفي نزيها ومحايدا.

 مؤسسات إعلامية تتبنى الإعلام "العنكبوتي" وتضبطه

 خطورة الأخطاء التي يرتكبها أو يقع فيها الصحفيون عبر شبكات التواصل تكمن في كونها تصبح عامة ويتبادلها الناس، لتكون بذلك واحدة من مخاطر الميديا الاجتماعية، يقول المختص الذي عدّد أنواعا أخرى من الأخطاء والمخاطر، على غرار خطورة التلاعب بالصحفي أو تعرضه لعمليات قرصنة لمعطياته الشخصية وحياته الخاصة بالإضافة إلى الإخلال بمبدأ الفصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة، ناهيك عن غياب التنظيم في منصات الميديا الاجتماعية وعدم احترام حقوق التأليف، وأكبر خطر هو الحصول على معلومات خاطئة. أمام هذا الوضع نتساءل: هل يجب أن يلتزم الصحفيون بالأخلاقيات الصحفية؟ وهل يحقّ للصحفي أن يتصرّف كما يشاء في فضاء الميديا الاجتماعية؟.. الإجابة لدى محدثنا هي بالنفي، وهي الجواب البديهي؛ كون حرية الصحفي لا تستوجب قيودا تحدّ منها، خاصة في المجال الافتراضي؛ باعتباره مجالا لحرية التعبير بامتياز، إلا أن التجارب العالمية تبين بوضوح أن حرية الصحفي في الفضاء الافتراضي ليست مطلقة، بل تخضع لعدد من المبادئ (مدونات السلوك)، مصدرها الأساس مؤسّسات الميديا والصحفيون الذين يضعونها في إطار التنظيم الذاتي لمهنتهم.

وعدّد خبيرنا سببين أساسين لهذا التنظيم أولهما له علاقة بانتماء الصحفي إلى مؤسسة حريصة على صورتها ومكانتها في المجتمع ولدى الجمهور، وثانيهما المسؤولية الاجتماعية للصحفي باعتباره فاعلا اجتماعيا يقوم بأدوار أساسية في المجتمع، تقتضي منه أن يتصرف بطريقة مسؤولة، مذكرا في السياق بما قامت به العديد من مؤسّسات الميديا التي وضعت مواثيق لتنظيم استخدام الصحفيين لمواقع الشبكات الاجتماعية. المواثيق تؤكد بشكل عام، على أن الأخلاقيات التقليدية التي يلتزم بها الصحفيون في الميديا التقليدية تبقى صالحة في مجال الميديا الاجتماعية، وهو ما ذهبت إليه الفيدرالية المهنية لصحفيي مقاطعة الكيبيك (ميثاقها الأخلاقي المعدل)، الذي يؤكد على الالتزام بالمعايير المهنية العامة التي تطبَّق على الميديا الأخرى، بالإضافة إلى الطابع العامّ لما ينشره الصحفي في الميديا الاجتماعية؛ بحيث لا ينشر الصحفي ما لا يمكن له أن ينشره على صحيفته، كما يلتزم بحماية مصادره على الشبكة والتأكّد من مصداقية الأخبار والامتناع عن السرقات الفكرية. 

الجمعية الأمريكية لناشري الأخبار هي الأخرى أصدرت دليلا اختزلت فيه القواعد التي وضعتها الصحف الأمريكية لتنظيم استخدام الصحفيين  للميديا الاجتماعية. ويتضمن هذا الدليل عشر قواعد كبرى أبرزها الالتزام بالمبادئ الأخلاقية التقليدية، والتي يجب أن تطبق في الفضاء الإلكتروني، تحمّل مسؤولية ما يكتب، التفاعل مع القراء بمهنية وعدم نشر المعلومات الحصرية على الفايسبوك وتويتر، بل على الصحيفة أو القناة مع ضرورة التأكد من أصالة وصحة ما يقرأه على مواقع الشبكات الاجتماعية. 

 دليل استخدام الميديا الاجتماعية لوكالة رويتز من جانبه وإن أقر بأهمية الميديا الاجتماعية في العمل الصحفي باعتبارها مصدرا من مصادر تجديد الممارسة الصحفية ووسيلة للحصول على معلومات أولية وتجديد طرق الإخبار، إلا أنه حذّر ـ أي الدليل ـ الصحفيين في الوقت ذاته من مخاطر هذه الميديا، مبرزا أن تنظيم الاستخدام أولا يهدف إلى تكميم أفواه الصحفيين بقدر ما يرمي إلى ضمان استخدام آمن. فالحديث في قضايا الشأن العام في هذه الفضاءات يؤثّر على مكانة الصحفيين وعلى سمعة المؤسّسة. ومن هذا المنطلق على الصحفيين الحديث باسمهم الشخصي، وعليهم الالتزام بالميثاق الأخلاقي للمؤسسة الذي يؤكّد على قيم المسؤولية والتوازن وعدم الانحياز والإنصاف. ويفعّل الصحفي هذه القيم عندما يستخدم تطبيقات الميديا الاجتماعية.