مبادئ الثورة التحريرية ركيزة الدبلوماسية الجزائرية

سياسة خارجية بقيم ثابتة رافضة للمساومة بمصير الشعوب

سياسة خارجية بقيم ثابتة رافضة للمساومة بمصير الشعوب
  • القراءات: 474
مليكة. خ مليكة. خ

تلقي مبادئ الثورة التحريرية بظلالها على مسار الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال، ليس من حيث التشبث بقناعات التحرر وتقرير مصير الشعوب فحسب وإنما بالدفاع عن قيم السلم والمساواة وتسوية النزاعات بالطرق السلمية والوساطات الناجحة التي تثري رصيدها، ما جعلها محل ثقة الشركاء الدوليين الذين يراهنون على دورها الفاعل في رأب الصدع في العديد من مناطق التوتر.

ومازالت الدبلوماسية الجزائرية تقوم بأدوارها المتميزة دون أن تحيد عن المبادئ الأساسية الثابتة التي رسخها بيان أول نوفمبر 1954 والذي مهدته مرحلة التفكير التي بدأت سنة 1927 مع مصالي الحاج، حيث تبلورت آنذاك فكرة استقلال الجزائر عبر قاعدتين أساسيتين، وهما تنظيم الشعب في الداخل والقيام بنشاط في الخارج.

وتستمد الدبلوماسية الجزائرية مبادئها من مواثيق الثورة التحريرية، التي نص عليها بيان أول نوفمبر 1954 وميثاق مؤتمر الصومام 1956، لتنتقل إلى مرحلة حاسمة في تاريخها من خلال مؤتمر باندونغ في 1954، باعتباره أول تجمع أفرو-آسيوي أثبت فيه كل من آيت أحمد ومحمد يزيد آنذاك براعتهما الدبلوماسية في إيصال صوت الجزائر إلى المحافل الدولية، فضلا عن كونها أول مرحلة تخرج فيها القضية الجزائرية لتطرح على المستوى الدولي.

وقد أنشأت جبهة التحرير الوطني بعد مؤتمر باندونغ وبالتحديد سنة 1955، مكتبا بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، متكونا من كل من السياسيين المحنكين حسين آيت أحمد، محمد يزيد وعبد القادر شندرلي، حيث قاموا بفتح وتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال هيئة الأمم المتحدة، في الوقت الذي حاول فيه الاستعمار الفرنسي إقناع الدول أن ما وقع سنة 1954 (اندلاع الثورة التحريرية)، شأن داخلي لفرنسا التي كانت تعتبر الجزائر مقاطعة تابعة لها.

ودافعت الدبلوماسية الجزائرية بكل قوة عن قضيتها الأساسية المتمثلة في الاستقلال، ورافعت من أجل رفض قيام فرنسا بتجاربها النووية في الصحراء الجزائرية وذلك منذ سنة 1959، حيث تم التصويت على منع القيام بهذه التجارب المدمرة.

ولازالت السياسة الخارجية للجزائر تسير على مبادئ ثابتة إلى غاية اليوم، بل إنه كان لها الفضل الكبير في تبني العديد من القرارات، على غرار المصادقة على لائحة مهمة خلال عقد أول قمة للوحدة الافريقية سنة 1964، تتعلق بالحدود الموروثة عن الاستعمار التي تعتبر مقدسة واخلاء القارة الإفريقية من الأسلحة النووية.

ورغم أن مبادئ الدبلوماسية الجزائرية التي أسسها الرئيس الراحل هواري بومدين قد طرأت عليها تغييرات طفيفة، إلا أن المبادئ الأساسية بقيت ثابتة وسارية، أهمها مساعدة الشعوب المكافحة من أجل استرجاع حريتها، احترام السيادة الوطنية للدول ومحاربة العنف.

كما أن الجزائر أدت في فترة السبعينيات دورا رياديا في العالم الثالث، حيث ناضلت من أجل إرساء نظام اقتصادي جديد آنذاك، بترؤسها سنة 1973 منظمة عدم الانحياز، التي انضمت إليها الجزائر سنة 1961، وذلك في الوقت الذي يتضمن فيه ميثاق 1976مبادئماتزالتسيرعليهاالجزائرلحدالآن.

وأبرز ما ميز تلك الفترة الدور الهام للجزائر في مجال الوساطة لحل العديد من النزاعات مثل الحرب بين إيران والعراق، حيث نجحت بفضل حنكتها الدبلوماسية، من خلال التفاوض مع الطرف الإيراني، من إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، ثم دخلت الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي في ظروف أمنية صعبة، و رغم ذلك بقيت وفية لمبادئها الدبلوماسية، وكلمتها مسموعة لحد الآن بدليل المساعي الحميدة التي قامت بها لحل النزاعات الإقليمية، على غرار أزمة  اريتيريا  - اثيوبيا  ومالي وليبيا.

وبذلك فإن إنجازات الدبلوماسية الجزائرية ومواقفها الخالدة، خطتها سياسة خارجية قائمة على مبادئ نوفمبرية ثابتة، تحترم الحرية والسيادة وتؤمن بعدم الانحياز وتناهض الاستعمار ولا تقايض المصالح بحق الشعوب في تقرير المصير، حيث مازالت في هذا الصدد ترافع من أجل  تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية ، باعتبارها أول بلد دعم حركات التحرر في إفريقيا  وساهمت في استقلال  العديد من دول القارة ما جعلها تحظى بلقب قبلة الثوار”.

ومثلما نجحت الثورة الجزائرية في كسب العديد من الأصدقاء في كافة دول العالم بفضل المبادئ الإنسانية التي قامت عليها مما أعطاها وزنا دوليا، فان الدبلوماسية الجزائرية نجحت  بدورها في تمكين شعوب العالم من الاستفادة من الموروث التاريخي للثورة الجزائرية بفضل ما تحمله من قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها والعيش الكريم.

فالصبغة الانسانية التي ميزت الثورة الجزائرية جعلتها مثالا يحتذى به من قبل كل شعوب العالم المتطلعة لبناء عالم تسوده العدالة والاحترام  وبناء علاقات وطيدة مع مختلف دول العالم وهو ما ينعكس جليا على دبلوماسيتها  التي ورثت هذه القيم، مما اكسبها الكثير من الاحترام  بين الامم.