أراء حول سبب عزوف الشباب عن التاريخ وتجاهلهم للذاكرة الوطنية

رسالة المجاهدين لم تصل والمدرسة مطالبة بتحبيب التاريخ للأجيال

رسالة المجاهدين لم تصل والمدرسة مطالبة بتحبيب التاريخ للأجيال
  • القراءات: 2421
حسينة.ل حسينة.ل

لماذا لا يهتم شبابنا بالتاريخ وبملحمة ثورة أسلافهم المجيدة التي تعد أشهر وأعظم ثورة لا تضاهيها أي ثورة في العالم؟ على من تقع مسؤولية العزوف الحاصل وما هي الإستراتيجية الواجب اعتمادها لتوعية هذا الجيل الذي بات يعيش في شبه قطيعة مع مجتمعه ووطنه... هي تساؤلات طرحت ولا تزال تطرح بعد مرور 61 سنة من اندلاع ثورة الأول نوفمبر لتوجه أصابع الاتهام نحو عدة جهات، إلا أن الحقيقة المؤكدة أن الرسالة التي يحملها جيل الثورة لم تصل بعد لجيل الغد المتمثل في الشباب.  

ويرى الطالب الجامعي"مصطفى.ل" أن ما حدث في هذا المجال هو أن البطولات والانتصارات والتضحيات الجسام التي حققها أسلافنا من مجاهدين وشهداء لم يحققها أي شعب في العالم، لم توظف كما ينبغي، كما لم يتم تصويب الجهود التي بذلت نحو تمجيد أبطال الثورة لدى أبنائنا، بل رحنا نشجعهم على الاهتمام بتاريخ الآخرين وقصص غير قصص ثورة أبائهم وأجدادهم المجيدة فنجدهم مطلعين مثلا على شخصيات أجنبية وبقصص علي بابا واللصوص الأربعين ومصباح علاء الدين السحري التي بقيت راسخة في أذهانهم عوض تمجيد الشهداء والأبطال الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن يعيش هذا الجيل والأجيال القادمة في كنف الحرية والاستقلال والكرامة.

ومن جهتها، ترى الصحفية فتيحة من قناة "الجزائرية" أن إمكانية بروز تواصل الأجيال ونقل المشعل من جيل إلى آخر في الحفاظ على المقومات الوطنية لا تزال قائمة حسب ما يتوافق وأمانة الشهداء، ونحن نحتفي بالذكرى الواحدة والستين لثورة نوفمبر المجيدة، حيث أضحى ـ حسب المتحدثة ـ ينتظر من شباب الكثير اليوم وغدا وفاء للتضحيات الجسام التي قدمها أسلافهم على مذبح الحرية، والتواصل معهم لأجل استعادة استمرارية رحلة الاستقلال، ولكن ما الذي يحول دون حضور الشباب في رحلة بناء الاستقلال بعد استعادته؟ وفق منطق القطيعة الحاصلة بين الشباب والثورة؟ تتساءل المتحدثة التي ردت على تساؤلها قائلة "لعل من أمهات المعوقات التي تحول دون اهتمام الشباب بوطنهم ومجتمعهم، بل وأنفسهم، مرض عضال يشل الفكر ويُعجز الإرادة ويدفع لصرف الطاقات الفردية والجماعية فيما لا طائل منه، بل قد تصرف فيما يضر".. إنه مرض يفقد الشباب المناعة الحضارية، تستطرد الصحفية، ويجعلهم عرضة لأمراض فقد الثقة في كل شيء من جهة غير أن الملاحظ في الوقت الراهن هي بروز ظاهرة القطيعة السائدة بين الشباب والأحداث التاريخية لتتجسد بذلك جملة من الإيحاءات السلبية، منها العزوف الكلي. ومن تجليات هذا الأمر، القطيعة التي نجدها بين الشباب أنفسهم وبينهم وبين الأجيال السابقة ومع تاريخهم. وتضيف محدثتنا إلى ذلك، عدم تربية النشء وفق تاريخ البلاد وذلك في مختلف النواحي على غرار التهميش الفكري والحضاري الحاصل في المنظومة التربوية والاستهانة بمادة التاريخ كمادة ثانوية عكس ما هو حاصل لدى الدول الغربية التي تحترم تاريخها وتبني حاضرها ومستقبلها من خلال تاريخها، هذا من جهة، إلى جانب التراجع الكائن عبر مختلف مراكز التنشئة الاجتماعية والسياسية انطلاقا من الأسرة والمدرسة والمساجد والمؤسسات الإعلامية التي وجب أن تؤدي الدور المنوط  بها لتربية وتنشئة الشباب، حيث يؤكد المختصون في علم الاجتماع على ضرورة إعادة بناء الثقة بين الشباب وتاريخهم وفق المتطلبات التاريخية للبلاد وقصد استعادة العلاقة القائمة بين الشباب وتاريخهم. 

طريقة تدريس مادة التاريخ مملة والدعوة إلى تمجيد أبطال الثورة المظفرة

من جهتها، تلاحظ دليلة بلخير، صحفية بجريدة "الشروق اليومي" أن عزوف الشباب عن الاهتمام بتاريخ وطنه ناتج عن عدة سلبيات حاصلة اليوم في المجتمع الجزائري من بينها الغموض المسجل في مسألة كتابة التاريخ الوطني ومحتواه وحقيقة من صنعوا هذا التاريخ الثوري. كما تنتقد محدثتنا من جهة أخرى طريقة تدريس مادة التاريخ في مدارسنا التي يتفق الجميع على أنها مملة للغاية وبعيدة كل البعد عن التشويق الجذّاب نحو الفضول والرغبة لمعرفة المزيد، ضف إلى ذلك عدم توظيف أبطالنا بالشكل الكافي في الأعمال الثقافية، مستشهدة بالأفلام التي تناولت الثورة التحريرية التي نجحت في تمرير الرسالة وبقيت راسخة في أذهان الجزائريين.  

كما رأت دليلة ضرورة تغيير المجاهدين لطرق التواصل مع الشباب ومخاطبتهم باللغة التي أصبح يفضلها اليوم وهي التواصل الالكتروني وذلك بإنشاء مجموعات على مواقع شبكة التواصل الاجتماعي للتحاور حول الثورة والنتيجة ستكون حتما مضمونة والرسالة ستمر لا محال.

ولم يختلف رأي مدير المتحف الوطني، المجاهد، مصطفى بيطام في هذا الموضوع، حيث أكد أن رسالة من صنعوا الثورة من المجاهدين لم تصل، مشيرا إلى أن المسؤولية، اتجاه الأجيال، رجال المستقبل يتحملها الجميع، مؤكدا على ضرورة إعداد خطة محكمة ومنهجية سليمة لتبليغ التاريخ للأجيال لاسيما في المؤسسات التعليمية بطريقة علمية وبيداغوجية لتحبيب الأجيال في تاريخهم. ويرى محدثنا أن أفضل مجال يمكن الاستثمار فيه هو في الأجيال وتحصينهم بالتاريخ ليصبح سلاحم لحماية بلادهم وفرض وجودهم أمام العالم الذي أصبح اليوم قرية كبيرة.

«الشعب الجزائري عظيم، صنع ملحمة القرن العشرين واستطاع انتزاع استقلاله واسترجاع سيادته "يضيف الدكتور بيطام، الذي أوضح أن المسؤولية اليوم هي مسؤولية جماعية، إذ الكل مطالب من جهته بالعمل على جعل الشباب فخور بثورته وبتاريخ نضال أسلافه لأن بدون تاريخ لا يمكن لأي بلد أن يصنع مستقبله. 

شريحة الشباب كانت الرائدة في الثورة التحريرية 

أخصائيون في التاريخ ومجاهدون من جهتهم يجمعون على أن شريحة الشباب كانت دائما في الريادة عندما تعلق الأمر بالحفاظ على الوطن ووحدته واستقلاله وسيادته، مؤكدين أن لهذه الشريحة دورا أساسيا في تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ عليها من بينهم الباحث في التاريخ محمد لحسن زغيدي الذي أكد أن الهدف الأساسي الذي يجب أن يشغل الشباب في ثقافته وتكوينه وفي عقيدته، هو هذه الوحدة الوطنية لأنه عند استعراض تاريخ الجزائر نجد أن هناك خصوصية تنبع من كون عنصر الشباب في هذه الأمة عبر استمرارية وجودها وعبر الرسالة التاريخية التي نقرأها، دائما كان له الدور الأساس والفعّال. كما يرى زغيدي أنه إذا ما أخذنا التاريخ الحديث والمعاصر، على سبيل المثال لا الحصر، نجد دائما عنصر الشباب في طليعة وريادة هذا التاريخ في كل الجوانب التي نقرأها عنها أو نكتب في إطارها ولذلك فإن المقاومة الوطنية بشقوقها الثلاثة، المقاومة الشعبية والمقاومة في إطار الحركة الوطنية والمقاومة في الثورة التحريرية، نجد أن عنصر الشباب كان دائما في الطليعة بداية بالأمير عبد القادر وانتهاء بالشهيد البطل ديدوش مراد في ثورة 1954، مشيرا إلى أن سن الـ 24 و23 يتكرر دائما عبر التاريخ؛ سواء في كامل مسار المقاومة التي دامت أكثر من 90 سنة، أو مع بداية الحركة الوطنية إلى نهاية الثورة التحريرية. 

وأضاف المتحدث أن الشباب الجزائري مسؤول مسؤولية أساسية عما يكتنزه من فكر وطني موحد، خاصة أنه لا ينطلق من فراغ، بل من نصوص لمؤسسات ثورية، أولها بيان أول نوفمبر، وثانيها ميثاق الصومام وثالثها قرارات المجلس الوطني للثورة، ورابعها ميثاق طرابلس، وكلها تنص على الوحدة الوطنية.