لتجسيد السيادة الاقتصادية للبلد بدعم الاستثمار
رؤية جريئة في طريق التجسيد

- 136

❊ إيمان وعزم على تقوية الإنتاج المحلي لتعزيز السيادة الاقتصادية
❊ مضاعفة الجهود لتحقيق الحصانة المالية والغذائية
❊ تجسيد الاكتفاء الذاتي في المنتوجات الفلاحية خاصة في الحبوب
❊ ربط منظومة الرقابة بين التجارة الخارجية، البنوك والجمارك
❊ الانتقال من "توزيع الامتيازات" إلى الاستحقاق القائم على الأداء
تبرز القرارات الاقتصادية التي اتّخذتها الدولة في الآونة الأخيرة، عزما قويا للنّهوض بالاستثمار وتقوية الإنتاج المحلي لتعزيز السيادة الاقتصادية للجزائر بنبرة تشكّل القطيعة التامة مع الممارسات السابقة، وتعيد الاعتبار للنّشاط الاقتصادي والمستثمرين ومضاعفة الجهود لتحقيق الحصانة المالية والغذائية وتعزيز الصادرات خارج المحروقات لتحسين معيشة المواطن، وبناء اقتصاد قويّ ومستدام لا يتأثر بالعواصف والأزمات في ظلّ التحدّيات التي يعيشها العالم اليوم.
تُرجمت هذه العزيمة بعدّة قرارات لتجسيد مشاريع تعزّز الاستقلال الاقتصادي خلال السنة الجارية، ولعلّ أبرزها دعوة رئيس الجمهورية، إلى مراجعة الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي لدعم الصادرات خارج المحروقات وفق مبدأ "رابح- رابح"، مع الحفاظ على مصالح الإنتاج المحلي. حيث أكّد أنّ التوجّه نحو مراجعة هذا الاتّفاق تفرضه معطيات اقتصادية واقعية باعتبار أنّ الصادرات الجزائرية عرفت توسّعا مقارنة بالسنوات الأولى لتوقيع هذا الاتفاق، حيث كانت تقتصر على المحروقات. وفي مجال دعم السيادة المالية للبلد شدّد رئيس الجمهورية، في قراراته منذ مطلع السنة على إثراء مشروع قانون التأمينات لتشجيع المتعاملين على الاستثمار داخل الجزائر، بالإضافة إلى دعم إنشاء بنوك جزائرية خاصة.
الأمن الغذائي.. أساس الأمن القومي
باعتبار أنّ الأمن الغذائي أساس الأمن القومي، عمل رئيس الجمهورية، منذ اعتلائه سدّة الحكم على تجسيد الاكتفاء الذاتي في المنتوجات الفلاحية وخاصة في الحبوب، حيث أمر بتكثيف الإنتاج والتوقّف عن استيراد القمح والشعير والذُرة. ولتجسيد هذا الهدف دعا إلى إنشاء صوامع تخزين بسعة إجمالية تقدّر بـ5 ملايين طن والإسراع في إنهاء أشغال ما تبقى منها لتتعزّز قدرات التخزين ضمن استراتيجية الأمن الغذائي، مع توسيع بناء صوامع التخزين إلى بلديات أخرى معروفة بإنتاج الحبوب بشكل منتظم ووفير.
وتزامنا مع موسم الحصاد أمر الرئيس، بالعمل والحرص الصارمين لتحقيق نتائج أعلى في موسم حصاد 2025، تفوق تلك المسجلة في موسم الحصاد لـ2024، على أن يتم عقد اجتماع دقيق نهاية عملية الحصاد، لتقييم النّتائج المحصّل عليها والمجهودات المبذولة من قبل الفلاحين وإطارات القطاع. كما ألحّ على إعادة تجديد وضبط أكبر للهيكل التنظيمي لتنفيذ مخطّطات القطاع الفلاحي، حيث يشمل هذا الضبط مختلف المديريات الفرعية مع إبراز أصحاب المجهودات الميدانية الحقيقية وليس أصحاب الاستعراض الفخري.
وزارتان للتجارة وهيئتان للتصدير والاستيراد
تواصل الجزائر مسارها الطموح نحو تقوية اقتصادها بتنظيم التجارة الخارجية وتعزيز المبادلات التجارية، من خلال استحداث هيئتين وطنيتين مستقلتين لتنظيم الاستيراد والتصدير وإلغاء الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية "ألجكس" التي كانت تتكفّل بالتصدير والاستيراد، مع ربط منظومة الرقابة بين التجارة الخارجية، البنوك والجمارك، لضبط الاستيراد وفق حاجات البلاد الاقتصادية ولمنح انسيابية وشفافية للتجارة الخارجية.
وتترجم القرارات المتّخذة في قطاع التجارة خلال الأشهر الأخيرة، وجود إرادة سياسية قوية لترقية الصادرات خارج المحروقات لبلوغ 30 مليار دولار في سنة 2030، من خلال تخصيص وزارة قائمة بذاتها تعنى بالتجارة الخارجية فقط، بفصل التجارة الداخلية لتصبح هناك وزارتان منفصلتان تعنى واحدة بالتجارة الداخلية وضبط السوق والثانية بالتصدير والاستيراد.
تنظيم تجارة "الكابة" وموانئ تعمل بدون انقطاع
ولتنظيم عملية الاستيراد والقضاء على العشوائي منه أصدرت الجزائر هذا الأسبوع، مرسوما تنفيذيا لتنظيم نشاط المستوردين الصغار أو ما يعرف بـ«تجّار الكابة" بإدماجهم في الاقتصاد الرسمي وجعلهم يساهمون فيه بدفع الحقوق الجمركية والضريبية، وتقنين تجارتهم بمنعهم من استيراد المواد الصيدلانية والمواد المحظورة أو تلك التي يجب أن تخضع لتراخيص مسبقة وذلك حفاظا على صحة المستهلك والاقتصاد الوطني.
وتكميلا لهذه الإجراءات الرامية إلى ترقية التجارة الخارجية لتنويع المداخيل والحفاظ على السيادة المالية، تم اتخّاذ قرار هو الأوّل من نوعه يقضي بتشغيل الموانئ التجارية على مدار 24 ساعة بدون انقطاع لتعزيز تنافسيتها ودعم التوازنات الكبرى للبلاد، من خلال ترشيد نفقات المشاريع المرتبطة بالنّقل البحري وتحسين مردودية الموانئ بما يعود بالنّفع على الخزينة العمومية، خاصة مع التقليص المرتقب في مدّة مكوث السفن وبالتالي تناقص التكاليف الإضافية المدفوعة بالموانئ. بالإضافة إلى توجيه تعليمات لتحديث مراقبة الموانئ بتقنيات حديثة وتعزيز التنسيق بين الجهات الحكومية، لتعزير السيادة الوطنية والتقليل من التضخيم في الرسوم والتكاليف اللوجستية.
إعادة بعث المصانع المتعثّرة لإحياء الصناعة
صبّت جلّ القرارات الاقتصادية لرئيس الجمهورية، في الآونة الأخيرة، حول تعزيز السيادة الاقتصادية من خلال دعم الإنتاج المحلي وتنويعه للتقليل من التبعية للخارج والتقليص من فاتورة الاستيراد، من خلال إعادة تفعيل المصانع المتعثّرة كإعادة تشغيل مصنع إسمنت أدرار، ومصنع "كتامة" بجيجل، ومصنع البذور الزيتية لإحياء قطاع الصناعة المحلية، وتوفير فرص شغل وكذا تعزيز الصادرات خارج المحروقات باعتبارها دعامة لتحقيق الاكتفاء الذاتي .
ويجري التفكير حاليا حول إطلاق مشروع انجاز ميناء متخصّص في تصدير الإسمنت لامتصاص فائض الإنتاج بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المادة التي كانت الجزائر في الماضي تستوردها، مع اتّخاذ تدابير صارمة للحفاظ على الإنتاج الوطني بمحاسبة كلّ من يستورد سلعا من الخارج بينما مثيلاتها منتجة في الجزائر ومكدّسة في المخازن.
ولتجسيد المشاريع الكبرى حفاظا على السيادة المالية والاقتصادية، دعا رئيس الجمهورية، في كلّ مرة إلى متابعة مدى تقدّم المشاريع المنجمية المهيكلة مثل منجم الحديد بغارا جبيلات، منجم الزنك والرصاص بوادي أميزور، ومنجم الفوسفات ببلاد الحدبة. مشدّدا على استكمال خط السكة الحديدية لبشار مع نهاية السنة الجارية لنقل خام الحديد.
سحب العقار من المتقاعسين خطوة لإصلاح منظومة الاستثمار
وتظهر مختلف القرارات المتّخذة في المجال الاقتصادي رغبة في النّهوض بالاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تجسيد مشاريع ملموسة، حيث اتّخذت الدولة مؤخّرا تدابير تقضي بإلغاء مقرّرات الاستفادة من العقار الاستثماري للمتقاعسين الذين لم يجسّدوا مشاريعهم ولم يستكملوا إجراءات تسجيلها، وهو قرار يندرج ضمن استراتيجية أوسع لإصلاح منظومة الاستثمار في الجزائر، ويترجم الرغبة في الانتقال من نموذج "توزيع الامتيازات" إلى نموذج الاستحقاق القائم على الأداء. ويعدّ هذا القرار رسالة إيجابية للمستثمرين الجديين مفادها أنّ الدولة، تتّخذ خطوات فعلية لمحاربة البيروقراطية والمضاربة وتشجع الاستثمارات الحقيقية.
ولتجسيد وجلب المزيد من الاستثمارات التي تعدّ المرآة التي تعكس اقتصاد أي بلد، شدّدت قرارات رئيس الجمهورية، في الآونة الأخيرة، على الإسراع في تفعيل الشبّاك الوحيد الخاص بالاستثمار، والذي يتعلّق عمله أساسا بالفعل الاستثماري الخالص ولا علاقة له بالتسيير الإداري، سواء كان مركزيا أو لامركزيا، من أجل تسهيل الاستثمار وتذليل كلّ الصعوبات التي تقف في طريق المستثمرين خاصة البيروقراطية، كونه مخوّل آليا وقانونيا بمباشرة ومتابعة كلّ العمليات ذات العلاقة بالاستثمار.